Archive for the ‘مكتبتنا’ Category

يوحنا ذهبي الفم القديس

16 ماي 2010

 

 

يرسم لنا هذا الأب، بسيرته وعظاته وكتاباته أيقونة حيّة لحياة الكنيسة التي لا يحصرها زمان، ولا يطويها تاريخ.

ففي سيرته نختبر الكنيسة السماوية المتهللة، المُعاشة على الأرض وسط الآلام. فقد أحب يوحنا الحياة الملائكية، وعشق البتولية، ومارس التسبيح والترنيم، وانطلقت نفسه من يومٍ إلى يومٍ نحو الأبديات. لكنه في هذا كله لم يتجاهل الواقع كإنسان يحمل جسدًا ويسكن على الأرض بين البشر، لذا مارس إيمانه بالأبدية خلال واقع عملي، سواء في بيت أمه، أو ديره أو وحدته أو في دار الأسقفية كاهنٍ أو أسقفٍ، على منبره وسط استحسانات الجماهير أو في منفاه.

لله درّ النساء

في إنطاكية إذ كان ليبانيوس Libanios أعظم خطباء عصره يحتضر، التف حوله تلاميذه يسألونه عمن يخلفه، فتنهد الفيلسوف الوثني قائلاً: “يوحنا لو لم يسلبه المسيحيون منّا!”

فقد اكتشف هذا الفيلسوف السوري مواهب تلميذه يوحنا وفصاحته، وكان يأمل أن يسلمه قيادة مدرسته من بعده، غير أن كنيسة بيته كانت أقدر على جذب قلبه!

لقد مات الوالي سكوندس Secondus قائد الجيش الروماني migidter militum بسوريا، تاركًا زوجته أنثوسا Anthusa في السنة الرابعة من زواجها وهي لا تزال في ريعان شبابها وبهجة الجمال مع وفرة الغنى. تركها في العشرين من عمرها فحام الشبان حولها يطلبون ودها، لكنها وضعت في قلبها أن تكرس حياتها لخدمة طفليها: ابنتها التي سرعان ما انتقلت، ورضيعها يوحنا الذي وُلد بمدينة إنطاكية نحو سنة 347م.

لقد كرست أنثوسا حياتها في جديّة لتربية طفلها، لينشأ غصنًا حيًا وفعّالاً في كرم الرب. ولقد لمس جميع معارفها من مسيحيين ووثنيين ما فعلته هذه الأم في حياة ابنها، حتى اضطر الفيلسوف الوثني ليبانيوس أن يشهد عنها قائلاً: “لله درّ النساء عند المسيحيين!”

ثقافته

تشرب يوحنا روح الحق على يدي أمه التقية التي أرضعته لبن تعاليمها منذ الطفولة. لكنها لم تكتفِ بهذا بل اجتهدت في تثقيف عقله بالعلوم والمعارف، فأودعته لدى ليبانيوس يتدرب على البلاغة والمنطق، ولدى أندروغاثيوس Androgathius يدرس الفلسفة.

نبغ يوحنا نبوغًا فريدًا، وأعجب به كثيرون، فتنبأ الكل له بمستقبلٍ باهرٍ ومركزٍ سامٍ. وأحس هو بذلك فأراد إظهار قدراته ومواهبه بممارسته المحاماة نحو عامين. كان يرفع إلى القضاء دعاوى المظلومين والفقراء ببلاغة وفصاحة، حتى صار يوحنا محط آمال الكثيرين والكثيرات، يتوقعون له منصبًا قضائيًا في وقت قصير.

أما هو فإذ تبسّمت له الدنيا انجذب إلى ملاهيها ومسارحها وأنديتها، لكن تعاليم أمه بقيت حيّة في داخله، فكان بين الحين والآخر يتوق لو كرس حياته للفلسفة الحقة فيمارس الإنجيل ويعيش من أجل الأبدية.

مضى إلى مدينة أثينا وتعلم الحكمة اليونانية في إحدى مدارسها وفاق كثيرين في العلم والفضيلة.

مع رفيق الصبا باسيليوس

كانت يد الله تعمل في حياته، فبعثت إليه صديقه القديم، رفيق الصبا، باسيليوس، الذي كان يسلك بحياة إنجيلية تقوية، الذي روى عنه يوحنا نفسه قائلاً: “مال الميزان بيننا، فعَلَتْ كفّته، وهبطت كفتي تحت ثقل شهوات هذا العالم والأهواء التي ينغمس فيها الشباب”.

بدأ باسيليوس يستميله نحو حب الله، فانجذب يوحنا، واشتاق لو كرس كل حياته للتعبد ودراسة الكتاب المقدس، فترك المحاماة وتلقفه مليتيوس Meletius أسقف إنطاكية الأرثوذكسي، وتلمذه ثلاث سنوات، ثم منحه سرّ العماد حوالي عام 369م أو 370م، وهو في حوالي الثالثة والعشرين من عمره، وكان العماد بداية انطلاقة روحية جادة. إذ يقول عنه بالاديوس Palladius أنه منذ ذلك الحين “لم يحلف قط، ولا افترى على أحد ما، ولا نطق بكلمة باطلة، ولا سبّ ولا حتى سمح بأي مزاح طريف”.

الشرارة تلتهب!

انجذب الأسقف مليتيوس إلى جمال شخصيته، وسمح له بمرافقته على الدوام، مدركًا بعين النبوة ما يكون عليه. وأقامه قارئًا أو أغنسطسًا Anagnostes عام 270. حلت عليه نعمة الله فوضع ميامر ومواعظ وفسر كتبًا كثيرة وهو بعد شماس.

تأجيل رهبنته

لم يكن يحتمل صديقه باسيليوس مفارقته لحظة واحدة. كان يحثه على الدوام أن يتركا بيتهما ويسكنا معًا أو يلتحقا بالدير، لكن نحيب أمه المستمر عاقه عن تلبية طلبه. ففي طاعة أذعن يوحنا لتوسلات أمه الأرملة التقية ودموعها، إذ رأى من الحكمة أن يخضع لها ويطيعها، فقد تركته حرًا يتفرغ للعبادة والتأمل والدراسة، ممارسًا حياته النسكية الإنجيلية بغير عائقٍ.

فإن كانت ظروفه لا تسمح له بالدخول في الحياة الرهبانية الديرية، لكن الرهبنة ليست مظهرًا إنما هي في جوهرها حياة داخلية يستطيع يوحنا أن يمارسها في العالم حتى يشاء الله له أن ينطلق في الوقت المناسب!

للحال حوّل يوحنا بيت أمه إلى شبه قلاية، لا بالاسم أو الشكل، لكن فيه انعزال عن الاهتمامات الزمنية ليمارس “وحدته مع الله” ودراسته في الكتاب المقدس. عاش يوحنا ناسكًا، يحب الله ويهيم في التسبيح له، يكثر الصلاة ويقلل الطعام، يفترش الأرض وينام القليل، ممارسًا السكون في بيته ليرتفع قلبه نحو السماء، مختبرًا “الحديث مع الله”.

لعله في هذه الفترة التقى بالأب ثيودور الذي كان رئيسًًا لجماعة رهبانية بجوار إنطاكية ومعلمًا لمدرسة إنطاكية يدافع عن قانون الإيمان النيقوي ضد الوثنيين والهراطقة، مقتبسًا منه منهجه الحرفي والتاريخي في تفسير الكتاب المقدس، والذي انضم لجماعته فيما بعد.

هروب من الأسقفية

كان يوحنا بلا شك على اتصال دائم على الأقل بإحدى الجماعات الرهبانية، ليختبرها في بيته.

حيث بدأت رائحة المسيح الذكية تفوح في قلبه بقوة وانطلقت في بيته انجذب الكثيرون اليه، أما هو فكان حريصًا على “الوحدة” واذ خلا كرسيان في سوريا اتجهت الأنظار حالاً نحو يوحنا وصديقه باسيليوس ليتسلما العمل الرعوي. قال يوحنا: “شاع بغتة خبر أزعجنا كلينا، أنا وباسيليوس، وكان حديث القوم أن نرقى إلى المقام الأسقفي. حين وقفت على هذا النبأ، أخذ مني الخوف والقلق كل مأخذ كنت أخشى أن ألزم على قبول السيامة الأسقفية، وبقيت مضطربًا…”

إذ التقى بصديقه باسيليوس لم يكشف له شيئًا، ليس خبثًا، لكن من أجل خير الكنيسة. ربما تحادثا معًا في العمل الأسقفي وبركة البحث عن الخراف الضالة في صدق وأمانة، فحسب باسيليوس في هذا الحديث موافقة ضمنية على قبول السيامة. خاصة أنه يعلم أكثر من غيره ما يكنه قلب يوحنا صديقه من شوق جاد نحو خدمة النفوس.

رضخ باسيليوس للسيامة متوقعًا بفرحٍ سيامة صديقه يوحنا، ليعملا معًا بروح واحد، يسند أحدهما الآخر. لكن جاء دور يوحنا فاختفى في الجبال الأمر الذي أحزن قلب باسيليوس، فاضطر أن يكتب اليه يؤنبه على فعله هذا وخداعه له، أو ما يسميه خيانة العهد.

لم يرد يوحنا أن يترك صديقه متألمًا، فكتب إليه فيما بعد مقالاً غاية في الابداع، يكشف له عن حقيقة موقفه بروح صريح واضح، تواضع مع محبة وعلم غزير… ألا وهو مقاله “عن الكهنوت De Sacredotio” المؤلف الذي يغذي أجيالاً من الكهنة والخدام.

كتب في بلاغة بروحانية صادقة، فبكل تواضعٍ يروي في غير خجل أن توقفه عن دخول الدير سره دموع أمه، ثم عاد يتحدث عن العمل الكهنوتي كعملٍ الهيٍ فائقٍ، هو عمل السيد المسيح نفسه، العامل في كهنته. وفي غير خجل يعلن شوقه للخدمة بل وشهوته لها، فهو لم يهرب إلى الجبال هربًا من الأسقفية، لكنه مع شوقه لها يشعر بعدم أهليته!

رهبنته

هدأت عاصفة رسامته أسقفًا فعاد إلى الظهور في إنطاكية، لكن سرعان ما تنيّحت والدته فخلا له السبيل إلى الانطلاق نحو الحياة الديرية بجوار إنطاكية، يسعد بأربع سنوات من أعذب أيامه، يقضيها في التأمل والصلاة والدراسة تحت قيادة شيخ مختبر يدعى ديؤدور، والذي يعتبر أحد مؤسسي مدرسة إنطاكية اللاهوتية، وقد رسم أسقفًا على طرسوس فيما بعد.

وكان يزامله صديقاه منذ الدراسة عند ليبانيوس وهما ثيؤدور الذي صار أسقفًا على الميصة Mopsuestia ومكسيموس الذي صار أسقفًا على كيليكية.

على أى الحالات، فهؤلاء في مجموعهم لا يمثلون مجرد مجموعة نسكية بل وأيضًا جماعة دراسية، وضعوا على عاتقهم تفسير الكتاب المقدس بالمنهج الأنطاكي، ألا وهو المنهج اللغوي أو الحرفي، التاريخي. يقوم هذا المنهج على التفسير البسيط حسبما تشرحه اللغة، لذا دعي “المنهج اللغوي أو الحرفي”. كما قام على تأكيد الحقائق التاريخية كما وردت في الكتاب المقدس كحقائق واقعية وليست أعمالاً مجازية رمزية، لذا سمي أيضًا باالمنهج التاريخي.

كان بالدير رجل عابد حبيس سرياني اسمه أسوسينوس أبصر في إحدى الليالي الرسولين بطرس ويوحنا قد دخلا على الذهبي الفم فدفع له يوحنا إنجيلاً وقال له: “لا تخف، من ربطته يكون مربوطًا ومن حللته يكون محلولا”، فعلم الشيخ الحبيس أنه سيصير راعيًا أمينًا.

أعماله الكتابية في الدير

1. إذ انطلق يوحنا إلى الدير تهللت نفسه فيه، أحس أنه في السماء عينها. وقد بقيت أحاسيسه هذه تلازمه كل أيام خدمته، إذ نجده تارة يقول “بالنسبة للقديس اللجوء إلى الدير هو هروب من الأرض إلى السماء!” وأخرى يصف الراهب في قلايته: “كأنما يسكن عالمًا آخر، هو في السماء بعينها. لا يتحدث إلا في السماويات. عن حضن ابراهيم وأكاليل القديسين والطغمات المحيطة بالمسيح”.

على أي الحالات فإنه في فرحة قلبه أراد أن يجتذب بعض أصدقائه من إنطاكية، خاصة ثيؤدور للحياة الرهبانية، فسجل لنا مقاله الأول: “مقارنة بين الملك والراهبComparatio regis et monachi “.

2. في عام 373 كان غضب فالنس قد جاش على الأرثوذكس، فألزم نساكهم ورهبانهم على الخدمة العسكرية والمدنية، واعتبر بعض المسيحيين في النسك ضربًا من الجنون، وقامت حملات عنيفة ضد الرهبنة مما أضطر يوحنا أن يخط ثلاثة كتب تحت اسم Adverssus oppugnatores vitae monastiac يهاجم أعداء الرهبنة ويفند حججهم، محمسًا الآباء أن يرسلوا أولادهم إلى الرهبان لينالوا تعليمًا علميًا ويمارسوا حياة الفضيلة.

3. انجرف صديقه ثيؤدور وراء شهوته فأعجب بامرأة جميلة تدعى Hermoine، فترك طريق الرهبنة وأراد الزواج منها، لكن يوحنا أسرع فكتب رسالتين لصديقه “Paraeneses ad Theodorum lapsum” يدعوه فيهما للتوبة والعودة إلى الحياة الرهبانية.

4. تعزية ستاجيريوس Ad Stagirium a daemone vexatum: كتب مقاله هذا في ثلاثة كتب موجهة إلى راهبٍ شابٍ، يشجعه في تجربة قاسية حلت به. لقد انهمك ستاجير في ممارسة نسكية عنيفة، وأصيب بنوبة صرع، وحكم عليه البعض أن به روحًا نجسًا.

نحو الوحدة

عاش يوحنا أربع سنوات في الدير يمارس حياة الشركة، يحسبها أجمل فترات عمره. لكن كتاباته الرهبانية التي سجلها لجذب أصدقائه نحو الدير أو لدفاعه عن الرهبنة والرهبان سحبت أنظار الناس اليه، فانفتحت قلايته لهم وأفقدوه فترات هدوئه. أما كتاباته لثيؤدور وستاجير فقد كشفت للكنيسة عن موهبته في الخدمة، والتهاب قلبه بخلاص الآخرين، وحكمته في رعايتهم.

لم يجد بدًا الا أن يهرب من المجد الباطل إلى “الوحدة” يمارس حياة أكمل. انطلق إلى الوحدة كما يقول بالاديوس ثلاث دفعات، في كل مرة قضى ثمانية شهور حارمًا نفسه من النوم بصفة تكاد تكون مستمرة، يدرس انجيل المسيح بشغف. خلال هذين العامين لم يستلقِ نهارًا ولا ليلاً. فانهارت طاقته وأصابه نوع من الفالج. فأحس بعجزه عن الاستفادة من هذه الحياة وعاد إلى الكنيسة بإنطاكية.

شموسيته

حوالي عام 381م عاد يوحنا إلى إنطاكية، فتلقفه أسقفها ميليتوس بفرح عظيم، ورسمه شماسًا رغم معارضته. وسط الخدمات الطقسية والخدمات الاجتماعية الكنسية كان يوحنا يقتنص كل فرصة للدراسة والكتابة، فإن كان ليس من حقه كشماس أن يعظ انشغل بالكتابة في نوعين: كتب دفاعية وأخرى لها مسحة نسكية.

مقالان دفاعيان: كتب مقاله عن “القديس بابيلاس وضد يوليانوس”، موجهًا للأممDe S.Babyla s,contra Julianum et Gentiles. والمقال الثاني “ضد اليهود والأمم مبرهنًا على لاهوت المسيحContr Judaeos et Gentiles quod Christian sit deus.

بدأ يكتب أثناء دياكونيته عن الحياة المسيحية في إتجاه نسكي: عن البتولية وعن الندامة De Compunctione، وإلى أرملة شابه، والزواج الوحيد، والمجد الباطل وتربية الأطفال liberis De inani gloria et de educandis.

قسوسيته

دُعي الأسقف ميليتوس لحضور المجمع المسكوني بالقسطنطينية، فاصطحب معه الكاهن فلافيان، ووكل شئون الكنيسة بإنطاكية في يدي شماسه القديس يوحنا. وفي أثناء انعقاد المجمع تنيّح الأسقف مليتيوس فبكاه يوحنا بكونه أباه ومرشده.

أجمع آباء إنطاكية على رسامة فلافيان [فلابيانوس] خلفًا له، وهذا بدوره قام برسامة يوحنا كاهنًا.

عظات التماثيل

بدأت شهرة يوحنا الذهبي الفم بمجموعة العظات التي ألقاها في إنطاكية عام 387م، سميت “عظات التماثيل” لها قصة في حياة كنيسة إنطاكية. ففي عام 387م شرعت الحكومة المركزية أن تتهيأ للاحتفال بمرور عشر سنوات على حكم الإمبراطور ثيؤدوسيوس الكبير وخمس سنوات على اشتراك ابنه الشاب أركاديوس معه في السلطة. ولما كانت مثل هذه الاحتفالات تحتاج إلى بعض المال صدر أمر امبراطوري بفرض ضريبة جديدة إضافية، الأمر الذي استاءت منه كل المملكة، لكن لم يستطع أحد أن يعترض.

أما في إنطاكية فقد حدث أثناء قراءة القرار في الميدان أن عبَّر بعض الحاضرين عن شعورهم بالاستياء، لكن الوالي أبى أن يصدر أمره للجنود بالهجوم على شعب أعزل.

وقد انتهز بعض دعاة الفتنة هذه الفرصة فأخذوا يصرخون مطالبين الأسقف فلافيان بالتدخل لوقف القرار، وغالبًا كان هؤلاء من أتباع بولينوس أي من جماعة الاستاسيين، يريدون إثارة خلاف بين الإمبراطور والحكام مع الأسقف!

وسط جموع شعبية تضم من كل صنف سرعان ما سرت هذه الصرخات لتثمر بينهم هياجًا فثورة. وفي لمح البصر، دون أي تفكير وبغير أي ضابط انطلق البعض يحطم تماثيل الإمبراطور والإمبراطورة وابنهما، ورموها في الأوحال والقاذورات. كل هذا تم في لحظات مملوءة ثورة حماسية تبعها هدوء، حيث أفاقوا من سكرتهم وأحسوا ببشاعة جريمتهم، وباتوا خائفين يتوقعون مصيرهم ومصير مدينتهم من عقاب شديد. فقد ارتبكت المدينة بأسرها، كبيرها مع صغيرها، ولم يعرف أحد ماذا يكون العمل.

وجد الأب الأسقف فلافيان نفسه ملتزمًا أن يتدخل لدى الإمبراطور، يهدئ من غضبه تجاه المدينة، أما عظماء الوثنيين ووجهائهم فقد خافوا على أنفسهم ولم يجسروا أن يفعلوا شيئًا، الأمر الذي أساء إلى نفوس الوثنيين.

أسرع الأب البطريرك إلى القسطنطينية، لكن الخبر كان أسبق منه، بلغ إلى الإمبراطور، فأرسل قائدين من عنده وأعلنا سقوط امتيازات المدينة ونقل العاصمة إلى اللاذقية، كما أغلقا الأندية والمسارح، وألقيا القبض على بعض وجهاء المدينة الذين حامت الشبهات حولهم، فصودرت ممتلكاتهم وطردت نساؤهم من بيوتهن. كما أعلن القائدان اصدار الأمر بحرق المدينة وقتل كل شعبها، لولا تدخل بعض النساك والرهبان، ومن بينهم الناسك مقدونيوس. فقد نزلوا من الجبال والأديرة والتقوا بالقائدين وطلبوا منهما الانتظار حتى يمكن تقديم شفاعة لدى الإمبراطور.

في ذلك الوقت بينما كان الأب البطريرك في طريقه إلى القسطنطينية رغم كبر سنه وارهاقه بالصوم إذ كان الوقت الأربعين المقدسة، وكان الرهبان والنساك يتضرعون لدى القائدين بإنطاكية، كان الناس مذعورين يسمعون من يوم إلى يوم إشاعات متعارضة، تارة يتوقعون العفو وأخرى يهددهم الموت. فهرعوا إلى الكنيسة ليقتنصهم الكاهن يوحنا بعظاته، فينثر من درر قلبه وفمه أحاديث فيّاضة تنعش قلوبهم المنكسرة، وتشدد عزائمهم الواهية، تدفعهم إلى التوبة والرجوع إلى الله، ليس خوفًا من موت الجسد أو خسارة ممتلكات أرضية، وإنما شوقًا إلى نور الأبدية خلال مراحم الله غير المتناهية.

لقد ألقى الأب في بداية خدمته الوعظية هذه السلسلة من العظات الخالدة [21 عظة] التي وجهت أنظار إنطاكية بل وخارج إنطاكية إليه.

أسقفيته

في سبتمبر 397م رقد نكتاريوس Nectarius أسقف القسطنطينية أو بطريركها، فاجتمع الشعب مع الإكليروس يتداولون أمر اختيار خلفًا له، وتطلعت الأنظار إلى البلاط الملكي حيث كان الشاب أركاديوس قد تولى الحكم على الشرق خلفًا لأبيه ثيؤدوسيوس. وكان أركاديوس هذا ضعيف الشخصية تسلط عليه وزيره روفينيوس، ثم قوي عليه أتروبيوس الخصي Eutropius، الذي صار له وزيرًا، بل الحاكم الفعلي للمملكة الرومانية الشرقية.

سمع أتروبيوس الكاهن يوحنا يعظ في إنطاكية فأعجب به، وفي غير تروٍ نطق باسمه خلفًا لنكتاريوس دون أن يقيم حسابًا لشخصية يوحنا، فهو إنسان لا يعرف المجاملات على حساب الحق، يعمل بغير محاباة للوجوه، عنيف [إن صح هذا التعبير] لا يخاف إنساناً!

هكذا شاءت عناية الله أن يرشح أتروبيوس يوحنا بطريركًا للقسطنطينية وبالتالي أعلن الإمبراطور الاسم، فطار الشعب فرحًا وتهلل الكهنة به. ولكن كيف لشعب إنطاكية أن يتركه؟ فقد عرف أتروبيوس ما يكون عليه شعب إنطاكية إن عرفوا بخروجه من وسطهم، فأرسل إلى فيكتور أستريوس قائد جيوش الشرق يخبره بأمر الإمبراطور، طالبًا منه أن يرسل الأب إلى القسطنطينية من وراء الشعب. وفعلاً استدعى الوالي الأب يوحنا، وسأله أن يرافقه في زيارة بعض المقابر للشهداء خارج المدينة وما أن عبر الأب خارج الأسوار حتى حُمل قسرًا إلى القسطنطينية.

رعايته لشعبه

إذ وضعت عليه يد الأسقفية بدأ الراعي الجديد يعلن حبه لشعبه، ففي عظته الأولى يوم رسامته تحدث مع شعبه بروح صديقه بولس الرسول، يشجعهم ويكشف لهم عن غيرتهم ومحبتهم لمعلميهم، كما حدثهم عن حبه هو لهم قائلاً:

“أتحدث إليكم اليوم. إني أحبكم كأني عشت معكم منذ البداية.

هذا ليس بسبب حنوي نحوكم، لكن أنتم تستحقون كل حب…

في إنطاكية يوجد شعب كثير، أما في القسطنطينية فيوجد أناس مؤمنون يظهرون ثباتًا عظيمًا وإخلاصًا” أخيرًا أعلن لهم أن الكرازة “هي أعظم التقدمات وأسماها وأفضلها”.

كان الهدف واضحًا نصب عينيه، انطلق منذ البداية يتحدث بروح الإنجيل، ساعيًا إلى خلاص الناس، باعثًا فيهم روح الكرازة والخدمة.

كان مداومًا على التعليم والوعظ وتفسير العهدين القديم والجديد.

روى المؤرخ سوزومين قصة عجيبة ربما انتشرت في القسطنطينية في تلك الآونة، وكان لها أثرها في خدمة الأسقف يوحنا، ملخصها أن رجلاً من التابعين لهرطقة مقدونيوس كان يسمع عظات يوحنا فانجذب اليه ورجع إلى الإيمان الأرثوذكسي، وأما زوجته فبقيت في انحراف إيمانها. هدد الرجل زوجته بالانفصال عنها وهجرها إن بقيت في هرطقتها، فوعدته بقبول الإيمان المستقيم. وإذ دخلت الكنيسة وجاء وقت التناول من الأسرار المقدسة تظاهرت جاريتها بالصلاة في خشوع، فأحنت رأسها وناولت سيدتها قطعة من الخبز كانت قد أحضرتها معها… وما أن وضعتها المرأة في فمها وحاولت مضغها حتى تحولت بين أسنانها إلى قطعة من الحجر. للحال ارتعبت السيدة جدًا، وخشيت غضب الله، فذهبت مسرعة إلى الأب يوحنا البطريرك تعترف أمامه بكل شيء، وقدمت له قطعة الحجر وآثار أسنانها عليه… وكانت تبكي بمرارة تسأل الغفران. يعلق سوزومين على الرواية بقوله: “من يظن في هذه القصة عدم صدقها يستطيع أن يختبر الحجر المذكور، فإنه لا يزال محفوظًا في خزينة القسطنطينية”.

رعايته للفقراء

لم يكن القديس يوحنا كارزًا بالإنجيل من على المنبر فحسب، لكنه يشهد لحق الإنجيل في سلوكه وتصرفاته. فقد تسلم القصر الأسقفي الذي أقامه سلفه الأسقف نكتاريوس، وقد تبقى به بعض قطع من المرمر لم تكن قد استخدمت بعد، فباعها وقام بتوزيع ثمنها على الفقراء. كما ألغى النفقات الباهظة في الولائم والاستقبالات الكبرى. عاش في دار الأسقفية ناسكًا متعبدًا، قليل النوم، كثير الصلاة، لا يحضر الولائم، ولا يتألّق في ملبسه، غير محبٍ للبذخ، كل ما يتوفر لديه من أموال يقوم بتوزيعها على الفقراء أو الإنفاق بها على المستشفى.

نستطيع أن نلمس مدى عشقه للعطاء وحبه للفقراء من تقديسه هذا العمل، حيث يتصور نفسه وهو يمد يده للعطاء أنه يقدم ذبيحة حب على مذبح مقدس، يتقبلها الله رائحة رضى. يرى في الفقراء مذبح الله المقدس، لا بل يرى فيهم السيد المسيح نفسه يمد يده ليتقبل عطية الحب من الإنسان، إذ يقول:

[إنها تقيم من البشر كهنة!

نعم، إنه كهنوت يجلب مكافأة عظيمة!

الإنسان الرحوم (كاهن) لا يرتدي ثوبًا إلى الرجلين، ولا يحمل أجراسًا ولا يلبس تاجًا، لكنه يتقمّط بثوب الحنو المملوء ترفقًا، الذي هو أقدس من الثوب المقدس!

أنه ممسوح بزيت لا يتكون من عناصر مادية بل هو نتاج الروح!…

يحمل أكاليل المراحم، إذ قيل: “يُتوّجك بالمراحم والرأفات”.

عوض الصدرية الحاملة اسم الله يصير هو نفسه مثل الله. كيف يكون هذا؟ إنه يقول: لكي تكونوا مثل أبيكم الذي في السموات”.]

اهتمامه بالعذارى والأرامل

كان في مدينة القسطنطينية بيت خاص بالعذارى والأرامل من بنات الأشراف، وكان قد اعتراهن الكثير من الفتور الروحي، فأعطاهن الأب البطريرك اهتمامًا خاصًا حتى سلكن في حياة روحية سامية، كما منعهن من التردد على البيوت والملاعب والحمامات العامة.

وحرم الأب البطريرك على الآباء الكهنة قبول العذارى في بيوتهم حفظًا لسمعتهم، ومنعًا من إثارة أي شك لدى الشعب.

أوجب على العذارى والأرامل العمل ليحفظهن من الفتور والضعف الروحي بسبب الفراغ أو الملل، فكن يقمن بنسج ثياب الفقراء، والاهتمام بزينة الكنائس، والخدمة في المستشفيات. كما نصح الأرامل والحدثات غير القادرات على السلوك باحتشام أن يتزوجن ثانية، فالترمل في ذاته ليس خيرًا ولا شرًا، إن لم يتحول إلى طاقات حب لله وخدمته.

إذ نتحدث عن خدمة العذارى والأرامل لا نقدر أن نتجاهل الإشارة إلى الأرملة الشماسة أولمبياس Olympias التي نالت شهرة فائقة في ذلك الحين، وارتبط اسمها باسم القديس يوحنا. لقد أعجب القديس الأسقف بالشماسة الأرملة من أجل حبها لله، وسخائها في العطاء مع نسكها وتواضعها، فأعطاها اهتمامًا خاصًا، واستغل طاقاتها في الخدمة، حتى أدركت القسطنطينية كلها ذلك، لذلك عندما نُفي الأسقف انصبت عليها اضطهادات كثيرة، لكنها أيضُا تقبلت رسائل تعزية من أبيها المتألم، تُعتبر مصدرًا هامًا لتاريخ حياته في أيامه الأخيرة.

مشكلة الاخوة الطوال القامة

راجع سيرة البابا ثاوفيلس ال 23.

مع الملكة أفدوكسيا

وكان يبكت الخطاة وكل ذي زلة مهما كان مقامه.

كانت أفدوكسيا الملكة زوجة أركاديوس محبة للمال، فاغتصبت بستانًا لأرملة مسكينة. شَكَت الأرملة أمرها للقديس الذي توجه إلى الملكة ووعظها كثيرًا وطلب منها إرجاع البستان إلى صاحبته، وإذ لم تطعه منعها من دخول الكنيسة ومن التناول.

تملكها الغيظ وجمعت عليه مجمعًا من الأساقفة الذين كان قد قطعهم لشرورهم وسوء تدبيرهم، فحكموا بنفي القديس. فنفى إلى جزيرة ثراكي، ولكن هذا النفي لم يستمر أكثر من ليلة واحدة، إذ هاج الشعب جدًا وتجمهر حول القصر الملكي طالبًا بطريركه.

بينما كان الناس في كآبتهم على راعيهم البار حدثت زلزلة عظيمة كادت تدمر المدينة، فزعت منها القلوب، وظن القوم أنها علامة غضب الله على المدينة بسبب نفى القديس.

أما أفدوكسيا فقد انزعجت واضطربت روحها فهرولت إلى زوجها وطلبت منه أن يعيد القديس من منفاه. وما أن أبصر الشعب راعيه حتى تبدل حزنهم إلى فرحٍ وعويلهم إلى ترانيم البهجة والسرور.

نياحته في المنفى

ولم تدم هذه الحال طويلاً حيث كان يوجد بالمدينة ساحة فسيحة بجوار كنيسة أجيا صوفيا أقيم فيها تمثال من الفضة للملكة أفدوكسيا. وحدث يوم تنصيبه أن قام بعض العامة بالألعاب الجنونية والرقص الخليع، ودفعهم تيار اللهو إلى الفجور والإثم. فغار القديس يوحنا على الفضيلة التي امتهنت وانبرى في عظاته يقبح هذه الأعمال بشجاعة نادرة. فانتهز أعداؤه غيرته هذه ووشوا به لدى الملكة بأنه قال عنها: “قد قامت هيروديا ورقصت وطلبت رأس يوحنا المعمدان على طبق”. فكانت هذه الوشاية الدنيئة سببًا قويًا لدى الملكة للحكم عليه بالنفي والتشديد على الجند الموكلين بحراسته بعدم إعطائه الراحة في سفره، فكانوا يسرعون به من مكان إلى آخر حتى انتهى بهم السفر إلى بلدةٍ يقال لها كومانا، وهناك ساءت صحته وتنيّح بسلام سنة 407م.

فى عهد تملك ثاؤدوسيوس الصغير ابن الملك أركاديوس، وفي سنة 437م أمر بنقل جسد هذا القديس إلى القسطنطينية حيث وُضع في كنيسة الرسل.

وتعيّد الكنيسة بهذا التذكار في الثاني عشر من شهر بشنس.

من كلماته

v  تأملوا هذا التقدم العجيب! إنه يرسل ملائكة إلى البشر، ويقود الناس إلى السماويات. هوذا سماء تقام على الأرض لكي تلتزم السماء بقبول الأرضيين.

v  عندما يحل بنا أمر ما لم نكن نتوقعه، لا نتذمر ولا تخور قلوبنا، بل نتحمل ذلك من الله الذي يعرف هذه الأمور بدقة، حتى يمتحن قلوبنا بالنار كيفما يُسر، إنه يفعل هذا بهدفٍ معين وبقصد فائدة المجرّبين، لذلك يوصينا الحكيم قائلاً بأن نخضع لله في كل الأمور، لأنه يعرف تمامًا متى يخرجنا من فرن الشر. (حكمة يشوع 1: 1-2)

نخضع له على الدوام، ونشكره باستمرار، محتملين كل شيء برضى، سواء عندما يمنحنا بركات أو يقدم لنا تأديبات. لأن هذه الأخيرة هي نوع من أنواع البركات.

فالطبيب ليس فقط يسمح لنا بالاستحمام (في الحمامات العامة)… أو الذهاب إلى الحدائق المبهجة، بل وأيضًا عندما يستخدم المشرط والسكين، هو طبيب!

والأب ليس فقط عندما يلاطف ابنه، بل وعندما يؤدبه ويعاقبه… هو أب!

وإذ نعلم أن الله أكثر حنوًا من كل الأطباء، فليس لنا أن نستقصي عن معاملته، ولا أن نطلب منه حسابًا عنها، بل ما يحسن في عينيه يفعله. فلا نميز إن كان يعتقنا من التجربة أو يؤدبنا لأنه بِكِلا الطريقين يود ردّنا إلى الصحة، ويجعلنا شركاء معه. وهو يعلم احتياجاتنا المختلفة، وما يناسب كل واحدٍ منا، وكيف، وبأية طريقةٍ يلزمنا أن نخلص.

لنتبعه حيثما يأمرنا، ولا نفكر كثيرًا إن كان يأمرنا أن نسلك طريقًا سهلاً وممهدًا أو طريقًا صعبًا وعرًا.

القمص تادرس يعقوب ملطي: القديس يوحنا الذهبي الفم.

من كتاب القمص بيشوى كامل حامل الصليب

18 أفريل 2010

أهداء الى أخى عادل جرجس لشغفه الدائم على القراءة للقديسين

مقدمة

 

أعتقدت للحظة أنى قد أستطيع المرور بدون البحث فى حياة هذا القديس المعاصر الذى هو فخر لكل المسيحيين والذى أطلق عليه بكل فخر وأعتزاز لقب الباحث عن الخروف الضال المتمثل بسيده وإلهه وإلهنا كلنا وفادينا ومخلصنا يسوع المسيح ولكنى عجزت عن تنفيذ هذه الفكرة الشريرة ووجدتنى أذهب من مقال إلى الآخر وأنا مشتاق لمعرفة المزيد الذى هو تعزية حقيقية لكل محبى يسوع المسيح المبتعدين بفعل الشر الموجود فى العالم أن هناك الكثير من أمثال هذا القديس الذين أخذوا على عاتقهم البحث عن الخروف الضال والأتيان به ألى حضن المسيح, وهذا ما وجدته حتى الآن وسأقوم بالتحديث عند عثورى على المزيد.

 

أعود للكتاب.

 

 

 
 

 


1- غرفة من صفيح
لم يكن ابونا بيشوى ينشغل بالماديات كثيرا وكان مبدأه دائما :” أن كان لنا قوت وكسوة فلنكتف بهما ” في بداية رسامته كاهنا كان يسكن مع أسرته نظرا لمرض والده واحتياجه لمتابعته يوميا .. وبعد ذلك انتقل إلى مكان آخر وكانت صاحبة المنزل سعيدة جدا بسكن ابونا بيشوى عندها . ولتفكير ابونا الدائم في الكنيسة ، عرض على صاحبة المنزل اقتراح بتعلية دور وعمل شقتين للطالبات لكي يتابعهن عن قرب ، وتم له ذلك بنعمة ربنا . ويذكر عن ابونا بيشوى انه ما من احد طلب منه شيئا إلا واستجاب له . حتى شقته كثيرا ما تنازل عنها بالتبادل مع جيرانه فى نفس العمارة أكثر من مرة حتى أصبحت شقته فى الدور الأخير!!!!!! ( تأمل يا صديقي المحبة والتضحية لأبينا والى أى مدى وصلت اليه ) أما تاسونى انجيل فتذكر عنه انه في أحد الأيام قال لها : ” تعتقدي إننا بنخدم الفقراء كما ينبغي ؟ ” فردت عليه تاسونى أنجيل : ” انت تفتقدهم بصفة مستمرة .. وترسل لهم احتياجاتهم بنفسك في منازلهم .. ماذا يمكن فعله أكثر من ذلك ؟!!! ” فإذا أبونا يجيبها ” لا…. لا… لازم نسكن في وسطهم ، ايه رأيك نأخذ حجرة من الصفيح وسرير وترابيزة وكام كرسي وخلاص … هو المسيح يعنى كان بيكلمنا من السماء ؟! مش جه وسطنا وعاش مثلنا .. فلازم إحنا كمان نسكن وسط الفقراء … لكن تاسونى انجيل لأنها لم تكن على هذا المستوى الروحى فاعتذرت بعدم المقدرة على تنفيذ هذا الإشتياق .

هكذا يا أصدقائى … كان يدور فكر أبونا بيشوى .. أن ما نسمعه عنه وعن المعجزات التي تمت بصلاته لم تأت من فراغ .

2- بلوفـــــر جديــــــد
في إحدى ليالي الشتاء حوالي 1969 عاد ابونا الحبيب بيشوى كامل إلى منزله في ساعة متأخرة ( كعادته ) وكان في صحبته أحد أبنائه الشبان . ولما دخل طلب من تاسونى أنجيل أن تحضر له أي بلوفر لكي يلبسه. فذهبت لتحضره له وهى متعجبة لهذا الطلب لأنه كان يرتدى بلوفرا جديدا … ولكن ازداد عجبها عندما رأته يخلع ملابسه في عجله حتى خلع البلوفر ولبس الآخر الذي قدمته إليه .. ثم طلب منها أن تلفه بعناية لأنه سيقدمه كهدية .. ولما بادرته بالسؤال لما هذا يا أبى وهذا البلوفر جديد وجميل ؟!!! أجابها فى وداعته المعهودة ( انا ممكن البس أى حاجة لأنى بلبسه من الداخل . أما هذا الشاب فانه طالب بالجامعة ولا يليق أن يلبس أقل من زملائه ).. والأمر الثانى : لا يصح أن نعطى ربنا من فضلاتنا بل من الباكورات أي ليس الأمور التي نستغني عنها بل من أعوازنا ) . [ليس المنتفع بالعطاء هم الفقراء بل الذين يعطون] “من أقوال ابونا الحبيب بيشوى كامل”

3- أنــــت حرامــــــي
تقدم أحد الأشخاص لأبونا بيشوى وكان خادما وقال له :” أنا أحيانا اقبل مجدا من الناس وأفرح به” وكان ذلك قبل أحد العشيات ولكن أبونا لم يجاوبه بكلمة ولم يعطه إرشادا وإنما قال له : ” انت هتحضر العشية ؟ ” فأجاب الخادم بالإيجاب وعند بداية العظة فتح أبونا بيشوى النيران على هذا الخادم قال له : من انت يا خادم يا للي بتسرق مجد ربنا .. انت حرامـــــــــي .. بتسرق مجد الله .. انت لا تصلح أن تكون خادما . هو انت نسيت هيرودس اللي سرق مجد الله حصل له ايه ؟ واخذ أبونا العظة كلها على هذا الخادم ، كان الكلام ينزل عليه كالصاعقة التي دمرت فيه كل مجد ارضي زائل وأطفأت فيه كل شهوة مجد شخصي . وما أن انتهت العظة حتى لاحظ … أن كلمة الله أصابت الهدف وان ذلك الشاب انصرف من الكنيسة يدور حول نفسه من قوة الكلمة . وفى اليوم الثاني فوجئً الخادم… بتليفون من أبونا بيشوى الذي قال له : ” ازيك يا فلان ؟ ايه أخبارك ؟” فقال له الشاب : ” العظة كانت شديدة قوى يا أبونا ولم استطع احتمالها ، كانت قاسية للغاية ” . فقال له أبونا : ” ما تخافش لازم نضرب الدمل ونطلع الصديد ولازم تشعر بألم شديد طبعا ولكن أنا بصلي لك ، خليك قوى وأنا معاك اى وقت تعال .” فهل بعد تلك العلقة الساخنة وحكمة أبونا في العلاج يرجع هذا الشاب إلى سرقة مجد الله ؟!!

4- صـــــــــــلاة أم نــــــــــار؟
في منتصف الستينات انتدب قداسة البابا كيرلس السادس أبونا بيشوى لحضور مؤتمر الكنائس العالمي في لبنان ثم جنيف. فاستأذن أبونا من قداسة البابا أن يسمح له بالمرور أولا على مدينة القدس لشدة اشتياقه لهذه الزيارة المقدسة فوافق البابا على طلبه وحدث بينما هو بالقدس إنه طلب من الراهب القبطي المسئول هناك يشترك معه في صلاة القداس الإلهي. فرفض الأب الراهب لأن النظام هناك لا يسمح لأي كاهن ضيف أن يصلى… وفى أثناء الصلاة وبعد تلاوة قانون الإيمان طلب أبونا الراهب من أبونا بيشوى أن يصلى صلاة الصلح … فتهلل أبونا بيشوى جدا ، وبشوق كبير تقدم إلى المذبح وأمسك باللفائف وبدأ صلاة الصلح . ووقف الراهب في جانب الهيكل ، وبينما هو ينظر تجاه المذبح إذ بعمــــــــــود نــــــــــــار خـــارج من فـم أبونـا بيشــوى ومرتفع نحو السماء..
” تـأمــل صديقـي عـمـــق صــــلاته وقوتهــا ” .. فذهل للغاية .. وفى ذهوله أوقف أبونا بيشوى عن الصلاة ، وأغلق باب الهيكل ، بعد أن طلب من الشمامسة ترديد أي لحن .. ثم طلب من أبونا بيشوى يعرفه من هو ؟! فعرفه أبونا بيشوى بنفسه بمنتهى البساطة . ثم استكملا القداس الإلهي..
عزيــــــزي ..
لا تدع هذه الواقعة تبهرك وعمود النار يشدك أكثر من المعنى المخفي وراءها. لكن أنظر كيف تحولت الصلاة إلى عمود نار ..!! من فم إنسان لا يفكر في الأعمال الخارقة بل كان همه الوحيد أن ينفذ وصية الإنجيل بتدقيق وأمانة ويصلى لله بإخلاص.
*واعلم أن كل كلمة تنطق بها في صلاتك من قلبك بقوة وإيمان تصعد إلى فوق مثل عمود نار يخترق أبواب السماء ، ويحمل طلبتك إلى الله ويستدر مراحمه

بـــــركة خاصة لمـدينة راكوتـــــى (الإسكندرية ) المــدينة المحــبة للمسيح
مدينة راكوتى الإسم القبطى لمدينة الأسكندرية مدينة مار مرقس رسول السيد المسيح إلى ارض مصر المدينة المحبة للمسيح قد نالت بركة السيدة العذراء حينما اتتها حاملة الطفل يسوع , كان للبطريركية قطعة أرض على خط الترومواى الرمل قرب محطة سبورتنج أقامت عليها “سقيفة” للصلاة تمهيداً لبناء كنيسة .. ولم يكن لهذه السقيفة كاهن وكان يتعاقب عليها اسبوعيا احد الآباء الكهنة خدام الكنيسة المرقسية , ومرت السنوات والحال كما هو , وعندما جلس البابا كيرلس على كرسى مار مرقس .
وفى يوم 9 هاتور سنة 1675ش الموافق 18/11/1959م ذهب البابا لزيارة مقر الكرازة المرقسية , وجاء إليه ابونا مينا اسكندر ليعبر عن فرحته ولينال بركته , ودار بينهما حديثاً عن هذه السقيفة , قال الراعى العارف بالأمور : ” ليس من الممكن بناء الكنيسة المطلوبة إلا متى كان لها راع خاص بها ” , وحدث ان دخل الخادم الأمين سامى كامل يصحب فصله فى التربية الكنسية , فقال ابونا مينا فى فرحة تلقائية : ” ها هو الشاب الذى يصلح لأن يكون كاهناً ” , وبعد حوار قصير قال البابا كيرلس أنه سيرسمه فى الأحد التالى وفقاً لإلهام من مار مرقس أى بعد أربعة أيام من هذه المحادثة القصيرة .
أما الشاب الذى نال كرامة الكهنوت هو أبونا بيشوى كامل أحد قديسى الكنيسة القبطية فى العصر الحديث , وقد كان دائما يتبع إقامة الصلوات حسب الطقس الآبائى .. التسبحة ورفع بخور عشية وباكر .. ويصل إلى قمتها القداس الإلهى , فلقد أشتعل بمحبة الكنيسة وبصلواتها .
ولم يكن يطلب نقوداً من أحد لأنه كلن يطلب روحانيته وروحانية شعب المسيح أولاًَ فإكتفى بوضع صناديق فى أركان السقيفة ولم يشر عن قرب ولا عن بعد الحاجة إلى تبرعات .. ومع ذلك فالمال الذى وصل إلى هذه الصناديق مكن أبانا بيشوى والعاملين معه من إقامة الكاتدرائية الفخمة التى على أسم مار جرجس مكان السقيفة ومن بناء ست كنائس أخرى متناثرة فى أحياء الأسكندرية

وقد تم تكريس هذه الكاتدرائية يوم الأحد 9 هاتور سنة 1684ش – الموافقة 17 / 11/ 1968 م وهذا اليوم هو اليوم التى تكرست أول كنيسة على أسم البطل الشهيد بمدينة اللد مسقط رأس مار جرجس وأنتدب البابا الأنبا مكسيموس مطران القليوبية لأقامة شعائر التكريس .
وكانت الكنيسة قد طبعت نبذة وزعتها على الحاضرين كتب فيها : إن تكريس الكنيسة هو عيد يبتهج فيه المؤمنين ليقينهم بأن الرب يتنازل ليتقبل من أولاده تقديمهم له بيتاً مكرساً ومفرزا لعبادته فيه ” .. ” أنها محبة عظمى وتنازل لا يوصف أن يهبنا الرب هذه العطية فيقيم كلامه معنا ويرضى بالسكنى فى وسطنا فى بيت مخصص ومكرس له يدعى أسمه عليه ويكون لعبادته وخدمته وحده دون سواه .. نشكرك ايها الإله الحى لأنه : ” هوذا السموات لا تسعك فكم بالأقل هذا البيت (2ايام 6: 18)
فى الكنيسة لا نعيش فى ظلال ولا رموز لكننا ننال عربون السموات , فنحن نقول يوميا : ” إذا ما وقفنا فى هيكلك المقدس نحسب كالقيام فى السماء ( القطعة الثالثة من صلاة الساعة الثالثة بالأجبية كتاب الصلوات )

وكان أبونا بيشوى كامل هو أول من بدأ سهرة صلاه ودراسة الكتاب فى ليلتى السنة القبطية والميلادية العامة فى الكنيسة ليستقبل الأقباط المسيحيين سنتهم من اولها مع الرب يسوع .
أيريس حبيب المصرى – قصة الكنيسة القبطية – الكتاب السابع – ص 55 – 56

الخـــــــــــدمة على الشاطئ الغربى للولايات المتحدة الأمريكية
فى نوفمبر سنة 1969 م أنتدب البابا كيرلس السادس القمص بيشوى كامل ليذهب إلى لوس أنجيلوس لرعاية أبناء الكنيسة القبطية فى المهجر

طــــــــــــــرائف مع أبونا بيشوى كامل

كانت هناك سيدة سمينة جدا جدا موجودة فى مكان كان يوجد فيه ابونا بيشوى ، فقالت لأبونا أنا عاوزة اذهب لسيدنا قداسة البابا شنودة الثالث علشان يخفف الصيامات على الناس شوية ، فقال لها ابونا بيشوى لو انت رحت لسيدنا ها يزود عليك الصيامات بل ارسلى الشاب ( ده ) اللي هناك لأنه رفيع جدا وهزيل هو اللي يروح لقداسة البابا.
************************************************** ************************************
لكي يشغل ابونا بيشوى تاسونى انجيل عن تعب الصعود على السلالم بدون مصعد لأنه كان متعطلا ذلك اليوم قال لها عدى السلالم وكل شوية يقول لها بقوا كام ؟ فتقول له على العدد حتى وصلوا إلى الشقة وكانت في الدور الحادي عشر تقريبا وكان ذلك سنة 1978 اى أثناء فترة مرضه . ولما قرع الباب وفتح له سكان الشقة قالوا بتأسف شديد يا أبونا طلعت السلم تانى وانت لسه كنت هنا الصبح ( كان ابونا بيشوى عندهم لزيارة عائلهم المريض بالقلب وفى حالة متأخرة ) ولما هم بالدخول رأوا زوجته خلفه فقالوا وكمان تعبت المدام . فقال لهم لا انا خليتها تعد السلالم.

**************************************************
في يوم هم أن ينزل رجل كان يعمل شغل نقاشة عند ابونا وهو زعلان وقال أنا مش هقدر آجى تانى ، لأن تاسونى لفتت نظره إلى بعض الأعمال التي تحتاج إلى عناية وعدم كروته فزعل الرجل فنادى عليه ابونا بيشوى وقال له : نازل زعلان ليه ؟ قال له المدام بتاعتك مش مبسوطة من الشغل بتاعى فقال له ابونا بيشوى في مرح انت لم تحتملها ساعتين يا شيخ امال أنا اعمل إيه اللي بقالي معاها كم سنة وهنا ابتسم الرجل وطلع ليكمل عمله .

**************************************************
فكر أبونا القمص بيشوى كامل فى أن تكون هناك كنيسة فى منطقة سيدى بشر – رغم أنها ليست منطقة خدمته – و كان لديه مبلغ بالكنيسة فوجد قطعة أرض خالية بمساحة حوالى 900 م بمبلغ 9 آلاف جنيه وقد أكمل المبلغ مع أبونا لوقا سيداروس من بعض الأحباء .

فى سنة 1971 م و كانت قطعة الأرض جبل يرتفع فى الجهة الشرقية بإرتفاع حوالى دورين و حولها جبال و من جهة بحرى عمارات كانت المساحة التى أُقيمت عليها الكنيسة فى ذلك الوقت 10 م × 14 م فقط مأخوذ عليها ترخيص ورشة بلاط ، و فى12 يوليو1971 تحولت هذه الورشة إلى “كنيسة القديسين مار مرقس و البابا بطرس خاتم الشهداء” فى فجر عيد الرسل سنة 1971 جاء أبونا بيشوى و معه نيافة الأنبا مكسيموس مطران القليوبية المتنيح و بدأ أول قداس إلهى بالكنيسة .
ولما كان نيافة الأنبا مكسيموس نيح الله نفسه كان يحب و يريد أن يسمى الكنائس على أسماء البطاركة أبطال الإيمان فلما قال له أبونا بيشوى كامل إنه سوف تُفتح كنيسة فى سيدى بشر قال له : نسميها على إسم ” البابا بطرس خاتم الشهداء ” ( البابا رقم 17 ) و جاء إلينا القديس العظيم مار مرقس الرسول فى كنيستنا ليباركنا وكان كاهن الكنيسة ” القس مقار ” أول كاهن للكنيسة قد رسم على الكاتدرائية المرقسية لأن الكنيسة لم تكن افتتُحت بعد حيث أن رسامته كانت 5/5/1971 و افتتاح الكنيسة 12/7/1971 فرأى أبونا بيشوى أن يكون الكاهن على مذبحه كما هو فأضاف إسم مار مرقس ليصبح اسم الكنيسة مار مرقس و البابا بطرس خاتم الشهداء .
وفي عام 1973 تمت سرقة مراوح الكنيسة ولكن رجعت بالصلاة بطريقة معجزية ففي يوم 1 امشير لم تكن هناك صلاة قداس ولما انتبهوا ان المراوح قد سرقت ولم يكن هناك شيئاً يفعلوه قرروا الصلاة والصوم ورفع القداسات ثلاث ايام وحدثت المعجزة بان قبض على السارق واستعادوا المراوح وكان هذا اليوم هو تذكار تكريس أول كنيسة على اسم البابا بطرس وفي أعوام 1973 -1974 – 1975 م حدثت بعض التعديلات والبناء في الدور السفلي حيث لم يكن هناك أي مباني أخرى
وفي عام 1976 م تم اختيار الشماس سامي صادق كاهناً للكنيسة باسم القس ميصائيل صادق وفي نفس العام قد نعمنا بزيارة قداسة البابا شنودة الثالث الثانية لكنيستنا
وفي 8 مايو 1986م الموافق عيد استشهاد مارمرقس الرسول تم إنشاء أول بيت بأبي تلات والمبنى الخرساني قد انتهى في عيد مارمرقس نوفمبر 1986 م وقد أكمل التشطيب في 8 مايو 1987 م , و في عام 1987 م تم البداية في بناء مبنى مارمرقس بالكنيسة الذي به الحضانة والخدمة التعليمية . وفي يوم 30 بابة الموافق نوفمبر 1987 م بعد قداس عيد مارمرقس جاء اثنين من خدام الكنيسة إلى أبونا مقار بمنزله بمفاجأة هى أنهم معهم قرار ترميم الكنيسة من الحي رسمياً وفي يوم 20 نوفمبر 1988 م بدأ العمال والخدام وآباء الكنيسة الكل بروح واحد فرد الخشب على السقف القديم بالدور الأسفل السقف الجديد بكل حماس وتم عمل 75 % من الأعمال الخشبية تقريباً ولكن جاء قرار إيقاف العمل وكان قراراً قاسياً أمام الرغبة الكامنة في قلب كل فرد في الكنيسة ولكن بعد صلوات وأصوام قد استأنفوا العمل في 25 نوفمبر 1988م وفي 1990م تم رسامة الشماس يوسف وهو من أبناء كنيستنا قساً باسم أبونا سيرافيم ولكنه الآن يخدم بكندا , و وبعد الانتهاء من بناء الدور الأرضي ومع التمتع بالصلاة فيه وفي اسبوع الآلام في عام 1993م تم عمل شادر وبدأ بناء الكنيسة العلوية وتم صلاة الجمعة الكبير في نفس الأسبوع بها وكان لايزال سقفها بالصاج , وفي يناير عام 1992م تنيح الشماس ذو الغيرة المقدسة الملتهبة والخادم الأمين الأستاذ يونان محفوظ مليكه وهو أحد الشموع التى أضاءت في طريق خدمة الكنيسة , وفي عام 1994م ومع بداية الصيام الكبير تم التفكير في عمل البلكونات في الكنيسة من أجل الزحام

مواقف من حياة ابونا بيشوى كامل_الجزء الثانى
إستمر ابونا بيشوى و حتى بعد نياحته يعمل و بقوة اكبر لإرجاع الخروف الضال. كان هناك شخص يعيش لملذاته. حاول معه الكثيرون و لكن فشلوا، و فى يوم من الأيام قال له خادم “اؤكد لك انك لو جئت معنا لزيارة كنيسة ابونا بيشوى و أخذ بركة مزاره ستتغير . فأجابه و” أنا قبلت التحدى سأذهب معك لأثبت لك انه لا أحد ممكن أن يغيرنى”. و ذهب مع الرحلة فى سيارة اتوبيس، و فى الطريق نعس السائق، و انحرفت السيارة و صدمت صخرة كبيرة على حافة هاوية كبيرة . و نزل الركاب من نافذة فى آخر الأتوبيس. كان هناك ونش يسير وراءهم و رأى سائقه الحادث فتوقف لمساعدتهم، و ربطوا الاتوبيس فى الونش لسحبه و لكن لم يتمكنوا. فإقترح مشرف الرحلة أن ينادوا كلهم أبونا بيشوى فنادوا كلهم بصوت عالى يا ابونا بيشوى (ثلاث مرات) فتحرك الاتوبيس بسهولة، و وصلوا الكنيسة و هناك ابتدأ الشخص (الذى تحدى الخادم) يبكى بقوة فطلب الخادم من افراد الرحلة أن يتركوه بمفرده فى مزار ابونا بيشوى، فظل بمفرده مدة ثم خرج أن يقابل كاهن ليعترف و تغيرت حياته و اصبح خادما بشفاعة ابونا بيشوى.

– كان ابونا بيشوى يعطى نصيحة لكل اولاده أن يصلوا دائما و كان يقول لهم
“حينما نواجه أية مشكلة نصلى، و مع المسيح لا يوجد شىء صعب أو مستحيل”.
و كان يقول لهم “لا تقلقوا كل المشاكل ستحل مع الرب، و كان يترك المشاكل على المذبح فى القداس و دائما كانت تحل .

– كان دائما يقول “نحن أولاد اللـه، أولاد الملك، كل هذا الميراث، ماذا تريدون اكثر من ذلك؟

– بعد اربعة عشر عاما من الخدمة كتب ابونا بيشوى فى مذكراته : “ويل لى من اجل النفوس التى كان من الممكن أن اربحها و لم افعل” !

تنيح أبونا بيشوى كامل فى الحادى و العشرون من شهر مارس عام الف تسعمائة تسعة و سبعون و كان عمره ثمانية و أربعون عاما.
بركة صلواته فلتكن معنا جميعا ،
آمين

   .تمجيد لأبونا بيشوى كامل   حبيبنا أبونا بيشوي

بحكمة الهية وصلاة روحانية عطرت الاسكندرية

بقلب يسوع المسيح أشفق علي القطيع بروحه الوديع

بصليبه و إنجيله و بسهره و تهليله فاق كثيرين من جيله

و بذله المثالي بقوة الفادي إلى الميل الثاني

ببذلك الجزيل صرت لعصرك إنجيل يا حبيب عمانوئيل
يا نبع جاري فياض ينبوع حبك قد فاض علينا و أيضا زاد
يا قدوة و مثال علي مدي الأجيال يا زاهد الأموال
السلام لك يا قديس يا حبيب يسوع العريس نلت مقام نفيس
للأطفال الصغار حبيت و للشباب قد راعيت و للخطاة صليت
السلام لمن جال الربوع و ذاب مثل الشموع فجذب حوله الجموع
هو انطونيوس الجديد صاحب الرأي السديد ذو الحب الشديد
عرفنا الكنيسة بذخائرها النفيسة بأسرارها و قدسيها
عرفنا بسحابة شهود كان هو عليها مسنود أولهم مريم أم المعبود
انشأ مذبح كثيرة بشجاعة و غيرة بأتعاب مريرة
أيضا في المهجر الفسيح خدم حبيب المسيح بقوة بولس السليح
اما قوة صليبنا اللي رسمه أمامنا هو حياته و حياتنا
لم ينس أولاده في وسط أمراضه أعطاهم إرشاده
تحمل الآلام بفرح و سلام و أكملها بتمام
في 12 برمهات دعاه رب القوات ليستوطن السموات
انهي غربته قوام جاهد حفظ الإيمان و اكمل سعيه بسلام
شعبك يطوبك و الملايكة تهنئك و المسيح يكللك
أذكر وحدة الإيمان و الخدمة و أولادك كمان أمام الفادي الديان
يا البناء أبونا البار رتلوا بانتصار بالدف و المزمار
تفسير أسمك في أفواه كل المؤمنين الكل يقولون يا اله
أبونا بيشوي أعنا اجمعين
أو هذه بتنسيق مختلف
بحكمة الهيه وصلاة روحانية
عطرت اسكندرية بنيوت امنريت بيشوى
بقلب يسوع المسيح اشفق على القطيع
روحه الوديع بنيوت امنريت بيشوى
بصليبه وانجيله وبسهره وتهليله
فاق كثيرين من جيله بنيوت امنريت بيشوى
وبذله المثالى بقوة الفادى
الى الميل الثانى بنيوت امنريت بيشوى
ببذلك الجزيل صرت لعصرك انجيل
يا حبيب عمانوئيل بنيوت امنريت بيشوى
يا نبع جارى فياض ينبوع حبك قد فاض
علينا وايضا زاد بنيوت امنريت بيشوى
يا قدوة ومثال على مدى الاجيال
يا زاهد الاموال بنيوت امنريت بيشوى
السلام لك يا قديس يا حبيب يسوع العريس
نلت مقام نفيس بنيوت امنريت بيشوى
الاطفال الصغار حبيت والشباب قد راعيت
وللخطاة صليت بنيوت امنريت بيشوى
السلام لمن جال الربوع وذاب مثل الشموع
فجذب حوله الجموع بنيوت امنريت بيشوى
هو انطونيوس الجديد صاحب الراى السديد
ذو الحب الشديد بنيوت امنريت بيشوى
عرفنا الكنيسة بذخائرها النفيسة
باسرارها وقديسيها بنيوت امنريت بيشوى
عرفنا بسحابة شهود كان هو عليها مسنود
اولهم ام المعبود بنيوت امنريت بيشوى
دى الست العذراء مقامها رفيع وميخائيل لابليس مريع
وفى النجدة سريع بنيوت امنريت بيشوى
ويوحنا الصايغ مرسول ومارمرقس الرسول
ودميانة ويوستيناالبتول بنيوت امنريت بيشوى
والمجدلية صاحبة النصيب اختارت اقدام الصليب
بالتوبة وسكب الطيب بنيوت امنريت بيشوى
وانبا بيشوى شفيعه ومارجرجس حبيبه
والعجايبى معينه بنيوت امنريت بيشوى
انبا مقار والروميان ويؤنس كامى كمان
وبيصاريون صياد تمام بنيوت امنريت بيشوى
اثناسيوس وديقسقوروس وخادم الشهداء بطرس
وانبا ابرام وكيرلس بنيوت امنريت بيشوى
انشا مذابح كثيرة بشجاعة وغيرة
باتعاب مريرة بنيوت امنريت بيشوى
ايضا فى المهجر الفسيح خدم حبيب المسيح
بقوة بولس السايح بنيوت امنريت بيشوى
اما قوة صليبنا اللى رسمه امامنا
هو حياته وحياتنا بنيوت امنريت بيشوى
لم ينسى اولاده فى وسط امراضه
اعطاهم ارشاده بنيوت امنريت بيشوى
تحمل الالام بفرح وسلام
واكملها بتمام بنيوت امنريت بيشوى
فى 12 برمهات دعاه رب القوات
ليستوطن السموات بنيوت امنريت بيشوى
انهى غربته قوام جاهد حفظ الايمان
واكمل سعيه بسلام بنيوت امنريت بيشوى
شعبك يطوبك والملايكة تهنئك
والمسيح يكللك بنيوت امنريت بيشوى
اذكر وحده الايمان الخدمة واولادك كمان
امام الفادى الديان بنيوت امنريت بيشوى
يا ابناء ابونا البار رتلوا بانتصار
بالدف والمزمار بنيوت امنريت بيشوى
تفسير اسمك فى افواة كل المؤمنين
الكل يقولون يا اله ابونا بيشوى اعنا اجمعين 

اقوال ابونا بيشوى كامل عن التوبة والاعتراف

+ التوبة للنفس كمخاض المرأة . ولكن نصيبها رؤية المسيح كما ترى المرأة طفلها مولوداً .
+ الانسان المسيحى انسان يجدد ذهنه دائماً بالتوبة وليس حياته .لأن الحياة تجدد مرة واحدة بالميلاد الثانى . أما تجديد الذهن فعملية يومية تتم بالتوبة .
+ فى اللحظة التى يسقط فيها الانسان فى نقد الآخرين، فى اللحظة عينها تهرب منه التوبة .
+ التوبة عمل إيجابى لا تقف عند مجرد عدم فعل الشر ، بل تنتهى إلى الشوق إلى فعل الخير .
+ التوبة فى المسيحية قيامة مفرحة سعيدة نهايتها حضن الآب وقبلاته حيث الفرح والسلام والطهارة والشبع.
الابن الضال : كان يرى الحلة الأولى المعمودية والحياة مع المسيح قيداً .. أما الآن فإنه يراها عمق الحرية .
كان يرى العجل المسمن أكلة مصحوبة بالقيود .. أما الآن فأصبح يرى فيها جسد الرب ” أكلة القائمين من الموت ” .
كان يرى فى وصايا أبيه سجناً وقيوداً .. أما الآن فإنه يرى فيها رباطات المحبة وأحضان الآب وقبلاته .
+ الرب يظهر بذاته للنفس التائبة ليقيمها .
+ اعتراف بلا توبة لا قيمة له .
+ المرأة الخاطئة أجمل مفهوم للخلاص .
+ التائبون أحسـن الكارزين فى الكنيسة وبسببهم يرجع الخطاة إلى الله .
+ محبة الله للخطاة والتائبين أكثر من أولاده المواظبين على العبادة دون توبة .
+ طوبى للزوانى التائبين لأنهم يسـبقونى أنا الكاهن إلى الملكوت ، طوبـى
للعشارين محبى المال ، والعالم وشهواته التائبين لأنهم يسبقونى أنا الكاهن إلى الملكوت .
+ التوبة عمل مستمر وتام . فهى امتداد للمعمودية . ويظل المسيحى يعيشها طول حياته .
+ التوبة فعل مستمر .. صلب مستمر للذات ، ولشهوات الجسد وللعالم ونمو للإلتصاق بالمسيح .. ونمو فى محبة المسيح ، والحياة مع المسيح ، ولأجل المسيح .
+ الخطية لها ثمار ردية : مرض .. ألم .. عدم سلام قلق .. ضيق .. اضطراب .. خوف .. حقد .. شهوة .. إلخ .
والانسان الذى يعيش تحت نيرها فهو يجنى ثمارها الذى لم يحس بخطاياه ، والذى مازال ساقطاً فى كبريائه وبره الذاتى صعب عليه أن يتلامس مع يسوع .. أى مخلص حياته .
+ لا تقل غيرى يخطئ .. لأن الدفاع وعدم الاعتراف = الكبرياء .
+ كل الشر فى حياتنا سببه نحن وليس الله ، أو الظروف ، أو المجتمع .
+ السقوط ليس معناه تغير الطبيعة ، ولكن معناه تلوث الطبيعة .
إن صرفت وجهك عن خطاياك ووضعتها خلفك على ظهرك . فإن الله سيراها ولا يصرف وجهه عنها . إذاً ضع آثامك أمامك إن كنت تريد أن الله لا يراها .
+ الله لا يهلك خاطئاً إلاَّ إذا استنفذ كل الوسائل فى توبته .
+ أنا انسان دائماً تحت الخطية .. ربما يعبر الملاك فى أى وقت يجدنى متسلحاً فى دم المسيح .. يرى العـلامة ويعبر عنى .
+ وقفتى أمام تيار الدم .. اعتراف قبل الصلاة بخطيتى وضعفى ومسكنتى .
+ الإنسان على صورة الله مخلوق . عندما يتوب الانسان تحت أقدام يسوع .. يرى فى يسوع الصورة المفقودة .. يرى الجمال الأصلى المفقود ..
+ طالما تجملت بالمساحيق .. وتجملت بالملابس .. وتجملت بالخلاعة .. ووقفت
أمام المرآة لتنظر جمالها .. وإذ بها ترى قبحاً ورذيلة وشر يخفى تحتـه جمالاً
حقيقياً مفقوداً .. ولكن تحت أقدام يسوع وجدت صورتها المفقودة فأحبتها .. ولا ترضى أن تتركها فتفقد صورتها الأولى .
+ الوقوف تحت قدمى يسوع هو تلذذ بصورة الانسان الأولى وللجمال المفقود .
+ لا يوجد شئ يسبب فرحاً للانسان إلاَّ إحساسه بالتغيير من الداخل ، وإحساسه بالقوة فيه فى الداخل ، وإحساسه بالمسيح غير المحدود يحيا فيه فى الداخل .
+ أحياناً يفرح الانسان بمال أو فستان أو مركز .. ولكن الفرح الحقيقى هو الإحساس بقوة التغيير .. قوة حياة المسيح فينا .
+ هذا هو سر المسيحية : الفرح الذى لا ينطق به .. فرح القوة الداخلية .
+ نينوى مدينة عظيمة لله .. فى توبتها المقبولة .. فى الدرس الذى أعطته للعالم كله .. فى صومها .. فى صلاتها .. فى إيمانها .
+ إذا صدأ الحديد ليس معناه تغير طبيعته ، ولكن إذا مسح الصدأ بالصنفرة تظهر الطبيعة الأولى من جديد .
النفس التى تحيا التوبة .. تظهر الطبيعة الجديدة .
النفس التى تمتلئ بالروح ، بالصلاة ، بالحب .. تظهر فيها الطبيعة الجديدة .
+ إذا كانت توبة فرد تجعل ملائكة السماء تفرح .. فكم يكون توبة مجموعة خدام أو أسرة أو مدينة بأكملها!!
+ التوبة إرتفاع إلى أعلى جبل التجلى حيث الفرح الدائم وحيث الابتعاد عن الأرضيات .
+ أعطنى يارب أن أصعد إلى أعلى الجبل خذنى خذنى هذا حقى أنا ابنك .
+ إن الرب لم يمنحنى المغفرة فقط بل منحنى الروح القدس ، وبالروح القدس عرفت الله نفسه .
منــاجاة
الهى أعطنى أن أعترف بقوة لكى تصير خطيتى أمامى .. وأعطنى أن أذكرها كل حين كى لا أعود إليها وأتمتع ببركات التوبة .
فى المساء أقف أمامك وأقول العمل الذى أعطيتنى قد أتممته .. أشكرك وأعتذر عن إنحرافاتى الفكرية ، ونسيانى وعدم تسليمى أحياناً .. وتكون ختام صلاتى هو الارتماء فى حضن الآب كابن صانع مشيئة أبيه .
+يا نفسى اعترفى بأن مياه العالم ولذته لن تشبعكِ ،اعترفى بخطيتك ، الرب يسوع عطشان لخلاصكِ .
+ التوبة ليست من صنع الانسان لذلك يقول أرمياء النبى ” توبنى يارب فأتوب” .
+ سر التوبة هو عمل الروح القدس باستمرار فى حياة العروس من أجل غسلها ” بالدم ” وتقديسها وتبريرها باسم الرب وبروح الهنا ( 1 كو 6 : 11 ) .
+ عندما تدعو الكنيسة للتوبة .. أى تكنس بيتها للبحث عن الدرهم المفقود .. يلقى الروح القدس أشعته على النفوس المخلصة لتتوب وتعلن عن وجودها .
+ الروح لا يثمر ثمر البر إلا فى النفس التائبة .
+ التوبة هى أهم علامات الحب .
+كلما أحس التائب بأنه أحزن بخطيته الرب الذى أحبه وأن صليب يسوع المسيح مرفوع أساساً من أجل غسل خطاياه وخلاصه منها كلما كانت توبته سليمة وصادقة.
+ هناك إذاً توبة مزيفة فيها خداع للنفس .. وتوبة حقيقية من عمل الروح القدس.
+ كل لحظة يهمل ” الانسان ” التوبة يفقد قوة القيامة . لأنه يعيش ضعف الفتور وقوة السقوط .
+ التوبة لا تقف عند الندم على الخطية ولكنها تتقدم خطوة أخرى إيجابية . وهى كيف يبدأ التائب حياة جديدة مع الله ؟!
+ التوبة تتدرج من الحزن على خطايا واضحة مثل القتل والزنا والسب والشتيمة والحلفان والسرقة .. إلى إدراك أن عدم المحبة ( محبة أخيك كنفسك ) هى قتل . ” من يبغض أخاه فهو قاتل نفس ” ( 1 يو 3 : 15 ) .. إلى أن النظرة الشريرة هى زنا ومحبة المديح هى سرقة مجد الله .
+ لقد ارتبط سر التوبة بالقيامة ارتباطاً مستمراً بدون انفصال لحظة واحدة .
+ الاعتراف ليس سرد خطايا بل توبة وحزناً . لأنه ” طوبى للحزانى لأنهم يتعزون ” .
+ الاعتراف المستمر يعمل على تنقية النفس ويدفعها لحياة جديدة .. خاصة عندما تؤهل لشركة جسد الرب ودمه .
 


ودى ممكن كل واحد يعرف برجه بيقول ايه مع ابونا بيشوى:
برج الملايكة 21/3 الى 20/4
+ أيها الرب يسوع أن الصليب كان الوسيلة الوحيدة للقاء اللص معك. ما أسعدها ساعة و ما أمتعه صليب ” أبونا بيشوى كامل “

برج الودعاء 21/4 الى 20/5
+ يا أبتاه.. كل المشاكل، كل التفكير في هموم العالم.. كل ما يسبب لي شرودا في الصلاة، أعطني أن أضعه بين يديك و أقول : لتكن مشيئتك ” أبونا بيشوى كامل ”

برج القديسين 21/5 الى 20/6
+ يا أبتاه.. الآن أعطني أن أقرأ في كل حركة طول يومي، ما هي مشيئتك، و أتممها بأسرع ما يكون، و بفرح عظيم. عندئذ سأرى من حيث لا أدري إني في حضن أبي ” أبونا بيشوى كامل ”

برج المعترفين21/6 الى 20/7
+حدثيني يا أم الله القديسة، ماذا حدث لك عندما انغرست الحربة في جنب ابنك؟ كعادتك سوف تصمتين لأنك لن تتذمري أبدا و لم تشتكي أبدا ” أبونا بيشوى كامل ”

برج حاملى الصليب 21/7 الى 20/8
+ ربي يسوع أنا لا أطلب صليبا معينا.. و لكن الذي تختاره مشيئتك لي، و أنا لا أريد أن أعرض عليك خدماتي.. بل أن تستخدمني أنت فيها ” أبونا بيشوى كامل ”

برج الكارزين بالكلمة 21/8 الى 20/9
+ربى يسوع.. إني أتأملك مصلوبا و قلبي كالصخر، ما هذا الجفاف الروحي؟ يارب أفض فيّ ينبوع دموع.. يا ربي يسوع اضرب الصخرة فتفيض دموعا ” أبونا بيشوى كامل ”

برج العذارى الحكيمات 21/9 الى 20/10م

+إلهي.. عرفت جيدا معنى قولك لي أن أحمل صليبي كل يوم كما حملت صليبك أنت.. صليبي هو جهادي ضد الخطية، و صليبك هو خطيتي التي فشلت أنا في مقاومتها ” أبونا بيشوى كامل ”

برج المجاهدين 21/10 الى 20/11
+ ربى يسوع.. جبيني المملوء بالأفكار هو الذي يستحق إكليل الشوك، فأربط فكري بأشواكك المقدسة، و أعطني فكر المسيح ” أبونا بيشوى كامل ”

برج الاطهار 21/11 الى 20/12
+إن التأمل المتواصل في صلب ربنا يكسب النفس حرية وسلاماً وقوة وغفراناً ” أبونا بيشوى كامل ”

برج البسطاء 21/12 الى 20/1
+ليس هناك قوة في الوجود تربط يسوع إلا خطيتي… لأنه صنع هذا محبة لي. إذا لم تكن هذه الرباطات إلا رباطات خطيتي ” أبونا بيشوى كامل ”

برج خدام المسيح 21/1 الى 20/2
+ ربى يسوع أنت الذي تعطى الماء الحي الذي يشرب منه لا يعطش إلى الأبد، ثم بعد ذلك تعطش إلىّ.. سبحانك ربى.. يا لمحبتك لي أنا الساقط ” أبونا بيشوى كامل ”

برج الحكماء 21/2 الى 20/3
+ ربى يسوع … أعنى أن احمل صليبي بقوة و شجاعة و حب للحق و تمثلا بك و بفرح و سعادة للشهادة لك في عالم مخادع ” أبونا بيشوى كامل

من أقوال أبونا بيشوى كامل
عن الأسرة:

 vالمسيحية حياة والبيت هو المجال العملى لهذه الحياة .
vمحبة الله والصلاة والصوم وقراءة الانجيل ، ومحبة الآخرين ، وعدم مسك السيرة ، والإدانة ، وحياة
الإيمان ، والشكر ، والاحتمال والاتضاع كلها يحياها الطفل فى البيت .
v

الأسرة التى تلتف يومياً حول مذبح الصلاة العائلى ، وكلمات الإنجيل المقدس.. ينشأ شبابها فى هدوء نفسى ، وشبع روحى ، وحب للقداسة .

 vالبيت الذى يحـرم أطفاله من العطـف بسبب انهماك الوالـدين فى العمل يـزرع فى الأطفـال

بذرةالانحراف والتمرد وسرعة الانزلاق .
v

إن كثرة التذمر والشكوى التى نبديها أمام أولادنا ستنتج لنا جيلاً من الضعفاء الخائفين . وحاجتنا اليوم هى إلى سماع صوت الرب ” أنا هو لا تخافوا ” ( مر 6 : 50 ) .

عن السلوك المسيحى
vالمسيحية هى حياة المسيح فى أولاده . فهى ليست وصايا سامية ولكنها حياة

 بالمسيح، المسيح يحيا فىَّ وروحه القدوس يسكن فىَّ ، وجسده ودمه هما طعامى، والمسيح

هو نور حياتى وهو طريقى وليس مجرد مرشد للطريق. والمسيح الحال فىَّ هو قوتى وغلبتى فالغلبة ليست أمر يأتى من الخارج .
vليست المسيحية تنفيذ لوصايا مستحيلة بالنسبة للبشر لكن المسيحية هى حياة يسوع فى البشر
vالمسيحية تكشف عن حضن المسيح ولذة الحياة فيه . هل اختبرت ذلك يا أخى؟!!
vالمسيحية ليست فيها انطواء على النفـس بل حـرية إيجابية.
vالمسيحية شجاعة فى ضبط النفس .. وقوة إيمان.. وعمق فى الحب .. شجاعة فى الترك .. كما فعل
الأنبا أنطونيوس .
vليس فى المسيحية شيخوخة ولا يأس .
vإن حياتنا اليوم ما هى إلاَّ ثمرة دم المسيح . حياة مغسولة بقوة الدم ـ قادرة على عبور الخطية واغراء العالم وضيقاته كل لحظة .
vالمسيحى الذى قد رسم أمام عينيه يسوع المسيح مصلوباً .. يسلك فى النصرة الدائمة لأن المهلك يرى
علامة الصليب ويهرب .
vالمسيحى إنسان عابر طريق يسعى للوصول لهدف..
vالمسيحى المجاهد . له عدو صياد ينصب له فخاخاً .
vالمسيحى الذى لا يصلى لمَن أساء إليه أو إلى مسيحه هو مسيحى كاذب. لو حمل

صليباً ولكن لم يغفر أو يصلى لمَن أساء إليه كما غفر المسيح لصالبيه ودافع عنهم على الصليب .. فليست له معرفة بالصليب .
vوالمسيحى الذى لا يحب كل الناس من كل لون وجنس ودين هو مسيحى منافق.
vالمسيحى عليه أن يعيش بلا هم .. فلا سند للانسان إلاَّ الله وحده الذى خلصه وفداه ويرعاه ويحصى شعور رأسه .
vمكان العالم بالنسبة للمؤمن وراء ظهره ، وعينه شاخصة دائماً للأمام ولا ينظر إلى الخلف

” ليس أحد يضع يده على المحراث وينظر إلى الوراء يصلح لملكوت الله ” ( لو 9 : 62 ) .
vانظر لنفسك أنك فى مستوى أرفع من هذا العالم التافه.فأنت الآن بعد أن كبرت عندما تنظر إلى أطفال تلعب تقول : ( بلاش كلام فاضى ) . أصبحت هذه الأمور ليس لها قيمة عندك .
vكل أمر يمكن أن يربكك القه خلفك . قد يعيده عليك الشيطان وقد لا تنجح 100% لكن املأ قلبك بالرجاء وقل : ” لا تشمتى بى يا عدوتى إذا سقطت أقوم ” ( مى 7 : 8 ) .
vالسلوك الخارجى هو دائماً ثمرة الحياة الداخلية .
vتتميز حياة المسيحى بأن حياته هى حركة عبور مستمر من مجد إلى مجد .
vالمسيحية هى حب للمسيح من كل القلب ..هى حب مبذول حتى الدم المسفوك ..هى جهاد حتى الدم ..
vفرح المسيحى ناتج عن وجود الله واتحاده بطبيعتنا .
vالشخصية المتكاملة فى المسيحية ليست هى الشخصية التى تعودت حسب منطق العالم اللف والدوران
والكذب تحت اسم الشطارة أو الحكمة .. هذه حكمة شيطانية .
vسر سعادة المسيحى هو أن يضع مستقبله كله فى يد الآب ضابط الكل .
vحياة المسيحى عبارة عن طريق مملوء بالصلبان اللذيذة التى ينتهى كل منها بالمجد .
vانسان يخاف العيش بأمانة لئلا يفتقر … هو مسيحى كاذب .
vانسان يسمى اسم غير مسيحى خوفاً من المستقبل … هو مسيحى كاذب .
vإن المسيحية جاءت لتخلق شباباً وشابات يغلبون العالم بالصليب حتى الدم .
vإذا ذهبت للعمل وضايقونى قليلاً على درجة وشوية الكلام الفاضى اللى بنسمعه.. فوجدت أفكارى تعطلت
وتعبت نفسى .. واضطربت، أسأل نفسى أين أنا الآن ؟ العالم وراء ظهـرى

.. ونظرى لكنعـان . فليأخـذوا الدرجة لأنى سآخذ 100 درجة فوق فى السماء.. وحتى إذا أخذت الدرجة هل لها علاقة بموضوع السماء؟ ليس لها علاقة !!
vلا تهتموا بالغد أى اعملوا ولا تحملوا هماً فشعور رؤوسكم محصاة .. أنتم أفضل من عصافير كثيرة ..
الماضى لنتركه لدم المسيح الذى طهرنا من كل خطية . والمستقبل لا نهتم به، أما الحاضر فأنا ابن الله المحبوب وأقول

: ” لتكن مشيئتك يا أبانا ” .
vالقديسون الذين ساروا فى الخطوات العملية التى رسمها الرب يسوع بدقة وبأمانة أعطوا مسيحيتنا
الصبغة العملية .
vالنفوس العابدة ينفتح قلبها لكى تطل على الأبدية. فتفرح دائماً بالمسيح

رجاءها الذى يتحدى الموت والعالم الحاضر وتجتاز آلام العالم وتجاربه بإيمان بالحياة فى المسيح التى لا موت فيها أبداً بل حياة وحب وسلام .
vالله وحده غايتنا فى كل شىء .. هو خالقنا ونحن ملكه . فعلينا أن نثمر لأجله كالشجرة لصاحبها .
vالانسان له سلطان على كل شىء . ولكنه وكيل سيعطى حساب الوكالة .
vهو ليس صاحب الأرض ولكنه مأخوذ منها . لذلك يهتم بها ولكنه سيتركها يوماً .
vحجم الانسان ليس هو حجم جسده البشرى .. ولكن هو حجم الله بروحه الساكن فيه . جليات رمز للعالم

.. له قوة مادية كبيرة ..وداود رمز للمسيحى الوديع معه الله . جليات الضخم + ترس ورمح وسيف = لا شىء .

داود الصغير الوديع الأعزل + الله = ما لا نهاية .
vإن التصق الانسان بالله صار عظيماً .وإن التصق بالأرض صار حقيراً دنيئاً .
vيجب أن يتحلى الانسان بصفات الله ، ويحافظ على هذه الصورة . وصفات الله هى : المحبة .. الوداعة
الطهارة .. إلخ .
vالانسان يميل للكبرياء ولا يغلبه إلاَّ تواضع المسيح .
vالانسان حياته فى صلته بالله ..وعريه ، وخطيته ، وموته فى إنفصاله عن الله.. وإحساسه بذات مستقلة
عن الله .
vقيمة الانسان لا تزيد عن حفنة التراب ..
vولكن البعض صاروا عظماء يقدسهم العالم ويكرمهم للآن ..

 هؤلاء هم الذين التصقوا بالرب وصاروا كباراً جداً مثل نوح البار ، وإبراهيم رجل الإيمان ، ويعقوب المحب للاله ، ويوسف الصديق .
vيقاس الانسان بقوة شخصيته ، وبنائه الداخلى .. والمقياس هو مدى عمل الله فى حياة هذا الانسان .
vإن النفس الروحانية لا تسعى لاكتساب تقدير أى خليقة .. إذ هى تعرف جيداً أنه لا حق لها فى ذلك ..
فيسوع وحده هو سيد النفوس وملكها الأوحد الذى يحق له كل حب ومجد .
vالقديسون هم أناس بشر إلى أقصى حد. أكثر من جميع الناس يعرفون ضعفهم وحقارتهم كبشر.
vالجسد الروحانى المأخـوذ من المسـيح ليس للحية سـلطان عليه بل أعطانـا السـلطان أن نـدوس
الحيـات والعقارب .
vقلب مفرغ للمسيح وحده يردد دائماً ” رئيس هذا العالم آت ولكن ليس له فىّ شئ ” .
vليتنى أسبح مع الملائكة .. أفرح بالخلاص بخاطئ يتوب .. وأسرع مع الرعاة.. وأسجد مع المجوس ، فى خضوع وتسليم …
vليكن هدفك هو الحياة مع يسوع وليس مجرد ذكر الاسم ( اسم يسوع ) وردده بفرح وسرور وهدوء .
vإذا عاش الانسان باحثاً عن اللذة وكاتماً إياها فى ذاته يملأ حياته بالأفكار الجنسية ، وتتحول حياته إلى
جحيم مشتعل .
vأكبر مكافأة للانسان المخلص أن يكون على صورة المسيح .
vالله له مقاصد فى حياة كل انسان يصل إليها بكل الطرق .
vهل أنا سائر حياتى فى دائرة مقاصد الرب ؟!
vمَن أراد أن يسير فى مقاصدى (أى يكون لى تلميذاً) ينكر نفسه .. يحمل صليبه.. ويتبعنى
vالوحدانية والشركة فى الـزواج المسـيحى تعنى أولاً وأخيراً الشركة والوحدانية فى الله رأس الأسرة .
vإن الزواج ليس هو السماح القانونى لرغبتين جسديتين أو لحساب أحد منهم .. بل الزواج هو ظهور الحب الالهى فى الحب البشرى عن طريق السر .
vإن كلمة عذراء لا تعنى مجرد عدم الزواج . بل تعنى عذراوية القلب . أى عدم ارتباطه بشئ فى العالم ،
وتفرغه بالكامل لحب العريس السماوى .
vبقدر ما تشتهى النفس بقدر ما يعطيها الله .. بقدر شهوة النفس للمسيح بقدر ما تأخذ .. فالذى طلب إكليل شهادة ..

 أخذ. والذى طلب بتولية … أخذ. والذى طلب مجرد حياة مسيحية عادية أخذ. المسيح يعطى على أساس مقياسين

: المقياس الاول شهوة النفس، والمقياس الثانى: حسب غناه .
vالمسيح أعطانا لا أن نعرفه أو نؤمن به بل أن نحيا به وأعطانا روحـه لا ليعلمنا فقط بل ليسكن فينا ويغيّر شكلنا

، ويجدد ذهننا ، ويأخذ كل يوم مما للمسيح ويعطينا.
vالحياة فى المسيح هى حركة ، وخبرة ، وتجديد ، ونمو بالروح لا يتوقف .
vجثسيمانى هى تسليم المشيئة ” لا مشيئتى بل مشيئتك”.
vالجلجثة هى الثبات فى الصليب لكى ” لا نحيا نحن بل المسيح يحيا فينا ” .
vإن الفراغ فى حياة الشباب ليس فراغاً من ناحية طول الوقت … بل هو فراغ نفسى روحى .
vإن إنحرافات الشباب اليوم سببها القلق والاضطراب .. وهم فى حاجة إلى نور المسيح وصدره الواسع.
vالمشكلة الحقيقية تكمن فى سطحية أبناء المسيح. فلو ضربوا بجذورهم فى الأعماق لتحولوا إلى منارة
تهدى شباب العصر المتخبط .
vالشر ليس من طبيعتك لكنه كالزوان يغرسه فيك العدو فلا تيأس .. وعندما تقلع الزوان من قلبك يظهر لك جمال طبيعتك
vمشاكل الشاب عندما تحل بالاشباع الجنسى ، وتركيز الحديث مع الشباب عن الكبت والاختلاط ، والجنس
أكثر من الحديث عن المسيح والتوبة … كل هذا بلا شك هو جنوح من السفينة (سفينة حياتنا) لتصطدم بصخرة هذا العالم .
vإذا ترك الانسان زمام حياته يتحول إلى أسير لأهوائه وعبد لمطالبها المهلكة.
vيا أحبائى الشبان ـ إن يسوع القائم بجراحاته أكبر شهادة لكم على القوة الكامنة فيكم … العالم جرحه
وهو غلب العالم … العالم كل يوم يجرحكم .. فانظروا لرئيس إيمانكم يسوع الغالب . خطايانا جرحته …

وهو غلب وقام بآثار جراحاته .. انظروا إلى رئيس إيمانكم .
المسيحى الذى يتمسك بالحـق فى حياته وعمله يتهمه زملاؤه أنه غير متفتح الذهن … المسيحى
المتسامح يتهمونه بالعبط …الذى يترك العالم ليعبد الله فى دير يتهمونه بالهروب …
vالانسان الشهوانى هو عريان من ثوب الطهارة …
vالانسان الغضوب والحقود هو عريان من ثوب المحبة …
vليست الطهارة مجرد امتناع عن النجاسة بل هى انشغال بالله وحب للمسيح وامتلاء من الروح القدس.
إن سكن الرب فى قلوبنا هربت النجاسة من حياتنا .
vعندما تسقط لا تفكر كثيراً فى الخطية بل أسرع وتطلع إلى يسوع حينئذ هو ينقذك من الغرق كما أنقذ
بطرس .
vإذاً بقدر ما تحب الله وتصلى وتدرس فى كتابه المقدس بقدر ما تعيش فى حياة القداسة.
vالقلب الذى لا يسكن فيه يسوع هو مكان للنجاسة ومنه تتدنس حواسنا ونظراتنا وأفكارناً.
vلا تنظر بلذة إلى الشر بل أهرب منه.
vأحفظ يدك ، هل تستخدم أعضاء المسيح فى الشر؟
vلا تستمع إلى كلمات الشر حتى و إن أجبرت على سماعها ولا تسمح لها بأن تجد فيك مكاناً ولا تتلذذ بها.
vالفكر هو فتحه صغيرة يتسرب منها الشر قليلاً قليلاً فيغرق سفينة حياتك، هو الثعلب الصغير الذى يتلف
الكرم، إحذر من الفكر لشرير الذى يأتيك فى صوره نقية ومتى وجد له مكاناً فيك تسلّم القيادة وسلمك إلى أفكار أخرى أشر منه .
v” العقل الكسلان معمل للشيطان ” فالخطية تدخل بسبب استرخاء الجسد ،

اشغل نفسك بقراءة سير القديسين الأطهار وبالرياضة الروحية والجسدية .
vالصوم المصحوب بالصلاة يعطيك قوة لتتغلب على شهوات الجسد.
vمقاومة النظرات والكلمات والأفكار الشريرة سهل ما دامت خارجة عنك ولكن عندما نتأمل فيها يصعب عليك مقاومتها لأنها تصبح خارجة منك .
vبأصوام وصلوات كثيرة نقتنى فضيلة الطهارة.
+تمسك بإلهك واعتز به وافتخر به واتكل علية اتكالاً مطلقاً والرب معك .
+التوبة هى الوسيلة الوحيدة لاكتشاف حب الله نحونا .
+الخدمة بدون حب المصلوب هى مجرد عمل بشرى له نهاية .
+إن الخدمة هى حب متدفق موجه للمسيح نظير حبه وغفرانه لنا على الصليب .
+الله طبيعته حب ، فالمحبة مع الاتضاع والصلاة هى المسار الوحيد لإدراك الله .
+إن كان تنفيذ وصية الإنجيل مستحيلاً فالله أعطانى روحة قبل أن يأمرنى بوصيته .
vإن سر سقوطنا هو عدم الإحساس بوجود الله معنا ، بينما الإيمان بوجود الله يحصنا باستمرار من الانزلاق فى الخطية
vالمسيحى مجند للشهادة للمسيح بمحبته، وبأعماله الحسنة، وبمجاوبة كل من يسأله عن سر الرجاء
vللوسط الذى يعيش فيه الانسان أثر عميق فى تكوين ميوله واتجاهاته، والتأثير على روحياته .. لذلك فى
أكثر من مكان يحذر الكتاب المقدس من الأوساط الشريرة ويقول ” اعتزلوا من وسطهم ” .
vأيها العزيز .. عليك أن تعمل كل جهدك فى أن تهرب من كل شر وشبه شر ..
واسمع نصيحة الرسول ” أما الشهوات الشبابية فاهرب منها ” ( 2 تى 2 : 22 ).
+ واسمع صـوت الملاك للـوط “اهرب إلى الجبـل” ( تك 19 : 17 ) .
+ اهرب من وقفة لا تمجد المسيح.
+ اهرب من رحلة أو فسحة فيها عثرة.
+ اهرب من أصدقاء يبعدونك عن محبة المسيح.
+ اهرب من كتاب يفسد روحك ..
+ اهرب إلى جبل الصلاة ..
+ اهرب لحياتك .
vالمسيحى هو انسان عندما يكره الخطية يتركها إلى الموت .. ليس هناك ميوعة فى حياته. لأنه لا يعرف أنصاف الحلول ..
vيجب أن نكثر من المطانيات بانسحاق .. والسجود فى الصلاة .. والجلوس فى المتكأ الأخير .. والإحساس بأنى أول الخطاة ـ وعدم الإدانة (لأن الإدانة تعنى أنى أبر من غيرى)، وأن نقلل من الضحك والهزار ونكثر من الحزن على الخطية، والبكاء فى الصلاة مع الفرح والابتهاج بالخلاص.
vما بالك لو تحدثنا عن اهتمامنـا بالأمور المادية ـ عدم القناعة، التذمر، الحديث المستمر عن الغلاء،
الهجرة، مشاكل العمل ـ ثم لو تحدثنا عن الاهتمام بماتش الكورة، إلخ .. وبعد ذلك كله نقول “طوبى للحزانى لأنهم يتعزون” ؟؟!!!!!!
+ اختفاء الشكر من حياة المسيحى هو فشل فى المحبة وكثرة الشكوى والتذمر هو حالة مرضية فى المحبة.
vاجتماعاتنا محتاجة لصلوات لأجل توبة النفوس البعيدة، والنفـوس الموجـودة فيها أيضاً حتى يعمل فيها
الروح القدس .
vالانسان فى يد الله .. يعمل الله به كل شىء، يعمل المعجزات .. يستطيع الانسان كل شىء بالله العامل فيه
vكل شاب أو شابة ، أو رجل أو إمرأة يثبت فى المسيح بالصلاة الدائمة يصبح مجرد ذكر اسمه قوة لا
يستهان بها .. ومجرد اسمه كرازة ..
vماذا نقول عن معاملة الفقراء.. هل عصب المحبة يربطنا بهم عن طريق الرأس؟ .. أم نحن نسحق
نفوسهم ونذلهم ليس إلاَّ لأننا نحن فقراء فى المحبة . فيضمر العصب الذى يربطنا بالرأس .
vالكنيسة ليست مجرد مجموعة أفراد .. بل أعضاء فى جسد المسيح .. يربطهم عصب المحبة بالرأس.
vهناك فرق بين انسان يقدم ماله للفقراء شفقة عليهم وبين انسان يصنع هذا الأمر من أجل المسيح .
vالانسان الذى امتلأ قلبه بمحبة المسيح ، وبالأعمال المقدسة النافعة هو انسان يتساءل هل يوجد وقت
فراغ؟!
vإذا إمتلأ القلب بمحبة المسيح لم تعد التسلية إلاَّ أمراً عابراً فى حياة المسيحى.
v

الحياة فى المسيح هى حركة.. وخبرة.. وتجديد.. ونمو بالروح لا يتوقف..

منـاجاة :
لا تطلبى يا نفسى تعزية من الخارج .. إجعلى تعزيتكِ فى الله وحده “حبيبى لى وأنا له الراعى بين السوسن” (نش 2 : 16).
يا يسوعى .. إجعلنى غير خاضع لأحد فى هذا العالم إلاَّ لك ولكنيستك المقدسة..
هبنى ألاََّ أبالى بأمور الدنيا .. ولا أتأثر بالاستحسان ولا النقد، وألاَّ يلهينى عنك تعدد واجباتى وعلاقاتى .
اجذبنى يا يسوع كما جذبت طهارتك المرأة الخاطئة.
عثرة لكِ يا نفسـى عـندما لا تحـتملين من يخدش كرامتك .. لا فى المنزل، ولا فى العمل .. ولا حتى فى خدمة الكنيسة .
+ عثرة لك يا نفسى عندما تشتهين المتكأ الأول، وصوت الرب يدعوك إلى المتكأ الأخير ..
+ عثرة لك يا نفسى حين تقيمين حفلاتك لأصدقائك، وأغنياء جيرانك، ولا تدعين العرج والجدع والمساكين ..
+ ربى يسوع .. أوصيتنى بالصدق .. والمحبة .. والمواجهة فى شجاعة واتضاع .. والزهد .. وإنكار الذات ..
+ وتحذرنى من الأساليب الاجتماعية العالمية .. وتقول لى: الماء الذى يعطيه العالم الذى يشرب منه يعطش .. أما الماء الذى أعطيه أنا.. فالذى يشرب منه لا يعطش إلى الأبد ( يو 4 : 13 ،
 


أقوال أبونا بيشوى كامل عن المسيحى والمسيحية:
+ المسيحية هى حياة المسيح فى أولاده .
+ المسيحية ليست هى وصايا سامية ولكنها حياة بالمسيح . فالمسيح يحيا فىَّ وروحه القدوس يسكن فىَّ ، وجسده ودمه هما طعامى والمسيح هو نور حياتى وهو طريقى وليس مجرد مرشد للطريق . والمسيح الحال فىَّ هو قوتى وغلبتى وليس الغلبة أمر يأتى لى من الخارج .
+ ليست المسيحية تنفيذ لوصايا مستحيلة بالنسبة للبشر لكن المسيحية هى حياة يسوع فى البشر .

+ المسيحية تكشف عن حضن المسيح ولذة الحياة فيه . هل اختبرت ذلك يا أخى؟!!

+ المسيحية ليست فيها انطواء على النفـس بل حـرية إيجابية.

+ المسيحية شجاعة فى ضبط النفس .. وقوة الإيمان.. وعمق فى الحب .. شجاعة فى الترك .. كما فعل الأنبا أنطونيوس .

+ ليس فى المسيحية شيخوخة ولا يأس .

+ إن حياتنا اليوم ما هى إلاَّ ثمرة دم المسيح .

+ حياة المسيحى هى حياة مغسولة بقوة الدم ـ قادرة على عبور الخطية واغراء العالم وضيقاته كل لحظة .

+ المسيحى الذى قد رسم أمام عينيه يسوع المسيح مصلوباً .. يسلك فى النصرة الدائمة لأن المهلك يرى علامة الصليب ويهرب .

+ المسيحى انسان عابر طريق يسعى للوصول لهدف..

+ المسيحى المجاهد . له عدو صياد ينصب له فخاخاً .

+ المسيحى الذى لا يصلى لمَن أساء إليه أو إلى مسيحه هو مسيحى كاذب .

+ والمسيحى الذى لا يحب كل الناس من كل لون وجنس ودين هو مسيحى منافق.

+ والمسيحى الذى يحمل صليباً ولا يغفر أو يصلى لمَن أساء إليه كما غفر المسيح لصالبيه ودافع عنهم على الصليب .. ليست له معرفة بالصليب .

+ المسيحى عليه أن يعيش بلا هم .. فلا سند للانسان إلاَّ الله وحده الذى خلصه وفداه ويرعاه ويحصى شعور رأسه .

+ مكان العالم بالنسبة للمؤمن وراء ظهره ، وعينه شاخصة دائماً للأمام ولا ينظر إلى الخلف ” ليس أحد يضع يده على المحراث وينظر إلى الوراء يصلح لملكوت

الله ” ( لو 9 : 62 ) .

+ انظر لنفسك أنك فى مستوى أرفع من هذا العالم التافه .

+ فأنت الآن بعد أن كبرت عندما تنظر إلى أطفال تلعب تقول : ( بلاش كلام فاضى ) . أصبحت هذه الأمور ليس لها قيمة عندك .

+ كل أمر يمكن أن يربكك القه خلفك . وقد يعيده عليك الشيطان وقد لا تنجح 100% لكن املأ قلبك بالرجاء وقل : ” لا تشمتى بى يا عدوتى إذا سقطت أقوم ”

( مى 7 : 8 ) .

+ إذا ذهبت للعمل وضايقونى قليلاً على درجة وشوية الكلام الفاضى اللى بنسمعه.. فوجدت أفكارى تعطلت وتعبت نفسى .. واضطربت أسأل أين أنا الآن ؟

+ العالم وراء ظهـرى .. ونظرى لكنعـان . فليأخـذوا الدرجة لأنى سآخذ 100 درجة فوق فى السماء.. وحتى إذا أخذت الدرجة هل لها علاقة بموضوع السماء ؟ ليس لها علاقة !!

+ لا تهتموا بالغد أى اعملوا ولا تحملوا هماً فشعور رؤوسكم محصاة .. أنتم أفضل من عصافير كثيرة ..

+ الماضى لنتركه لدم المسيح الذى طهرنا من كل خطية . والمستقبل لا نهتم به ”

لا تهتموا بالغد ” .

+ أما الحاضر فأنا ابن الله المحبوب وأقول : ” لتكن مشيئتك يا أبانا ” .

+ القديسون الذين ساروا فى الخطوات العملية التى رسمها الرب يسوع بدقة وبأمانة قد أعطوا مسيحيتنا الصبغة العملية .

+ النفوس العابدة ينفتح قلبها لكى تطل على الأبدية .

+ فتفرح دائماً بالمسيح رجاها الذى يتحدى الموت والعالم الحاضر وتجتاز آلام العالم وتجاربه بإيمان الحياة فى المسيح التى لا موت فيها أبداً بل حياة وحب وسلام .

+ السلوك الخارجى دائماً ثمرة الحياة الداخلية .

+ تتميز حياة المسيحى بأن حياته هى حركة عبور مستمر من مجد إلى مجد .

+ المسيحية هى حب للمسيح من كل القلب ..

+ هى حب مبذول حتى الدم المسفوك ..

هى جهاد حتى الدم ..

+ الله وحده غايتنا فى كل شىء .. هو خالقنا ونحن ملكه . فعلينا أن نثمر لأجله كالشجرة لصاحبها .

+ الانسان له سلطان على كل شىء . ولكنه وكيل سيعطى حساب الوكالة .

+ هو ليس صاحب الأرض ولكنه مأخوذ منها . لذلك يهتم بها ولكنه سيتركها يوماً .

+ حجم الانسان ليس هو حجم جسده البشرى .. ولكن هو حجم الله بروحه الساكن فيه .

+ جليات رمز للعالم .. له قوة مادية كبيرة ..

+ وداود رمز للمسيحى الوديع معه الله .

+ جليات الضخم + ترس ورمح وسيف = لا شىء .

+ داود الصغير الوديع الأعزل + الله = ما لا نهاية .

+ إن التصق الانسان بالله صار عظيماً .

+ وإن التصق بالأرض صار حقيراً دنيئاً .

+ فرح المسيحى ناتج عن وجود الله واتحاده بطبيعتنا .

+ يجب أن يتجلى الانسان بصفات الله ، ويحافظ على هذه الصورة . وصفات الله هى : المحبة .. الوداعة الطهارة .. إلخ .

+ الانسان يميل للكبرياء ولا يغلبه إلاَّ تواضع المسيح .

+ الانسان حياته فى صلته بالله ..وعريه ، وخطيته ، وموته فى إنفصاله عن الله.. وإحساسه بذات مستقلة عن الله .

+ قيمة الانسان لا تزيد عن حفنة التراب ..

+ ولكن البعض صاروا عظماء يقدسهم العالم ويكرمهم للآن .. هؤلاء الذين التصقوا بالرب وصاروا كباراً جداً مثل نوح البار ، وإبراهيم رجل الإيمان ، ويعقوب المحب للاله ، ويوسف الصديق .

+ يقاس الانسان بقوة شخصيته ، وبنائه الداخلى ..

والمقياس هو مدى عمل الله فى حياة هذا الانسان .

+ الشخصية المتكاملة فى المسيحية ليست هى الشخصية التى تعودت حسب منطق العالم اللف والدوران والكذب تحت اسم الشطارة أو الحكمة .. بل هذه حكمة شيطانية .

+ إن النفس الروحانية لا تسعى لاكتساب تقدير أى خليقة .. إذ هى تعرف جيداً أنه لا حق لها فى ذلك .. فيسوع وحده هو سيد النفوس وملكها الأوحد الذى يحق له كل حب ومجد .

+ القديسون هم أناس بشر إلى أقصى حد . أكثر من جميع الناس يعرفون ضعفهم وحقارتهم كبشر .

+ الجسد الروحانى المأخـوذ من المسـيح ليس للحية سـلطان عليه بل أعطانـا

السـلطان أن نـدوس الحيـات والعقارب .

+ سر سعادة المسيحى هو أن يضع مستقبله كله فى يد الآب ضابط الكل .

+ قلب مفرغ للمسيح وحده يردد دائماً ” رئيس هذا العالم آت ولكن ليس له فىّ شئ ” .

+ ليتنى أسبح مع الملائكة .. أفرح بالخلاص بخاطئ يتوب .. وأسرع مع الرعاة.. عدم تأجيل لا كعيسو .. وأسجد مع المجوس ، خضوع وتسليم …

+ حياة المسيحى عبارة عن طريق مملوء بالصلبان اللذيذة التى ينتهى كل منها بالمجد .

+ انسان يخاف العيش بأمانة لئلا يفتقر … هو مسيحى كاذب .

انسان يسمى اسم غير مسيحى خوفاً من المستقبل … هو مسيحى كاذب .

+ انسان يهاجر ويترك كنيسته ، خوفاً من أن يجوع أولاده فى المستقبل … هو مسيحى كاذب .

+ ليكن هدفك هو الحياة مع يسوع وليس مجرد ذكر الاسم ( اسم يسوع ) وردده بفرح وسرور وهدوء .

+ إذا عاش الانسان باحثاً عن اللذة وكاتماً إياها فى ذاته يملأ حياته بالأفكار الجنسية ، وتتحول حياته إلى جحيم مشتعل .

+ أكبر مكافأة للانسان المخلص أن يكون على صورة المسيح .

+ الله له مقاصد فى حياة كل انسان يصل إليها بكل الطرق .

+ هل أنا سائر حياتى فى دائرة مقاصد الرب ؟!

+ مَن أراد أن يسير فى مقاصدى (أى يكون لى تلميذاً) ينكر نفسه .. يحمل صليبه.. ويتبعنى .

+ الوحدانية والشركة فى الـزواج المسـيحى تعنى أولاً وأخيراً الشركة والوحدانية فى الله رأس الأسرة .

+ إن الزواج ليس هو السماح القانونى لرغبتين جسديتين أو لحساب أحد منهم .. بل الزواج هو ظهور الحب الالهى فى الحب البشرى عن طريق السر .

+ إن كلمة عذراء ليست تعنى عدم الزواج . بل تعنى عذراوية القلب . أى عدم ارتباطه بشئ فى العالم ، وتفرغه بالكامل لحب العريس السماوى .

+ بقدر ما تشتهى النفس بقدر ما يعطيها الله ..

+ بقدر شهوة النفس للمسيح بقدر ما تأخذ ..

+ فالذى طلب إكليل شهادة .. أخذ .

+ والذى طلب بتولية … أخذ .

+ والذى طلب مجرد حياة مسيحية عادية أخذ .

+ المسيح يعطى على أساس مقياسين :

المقياس الاول شهوة النفس والمقياس الثانى : حسب غناه .

+ المسيح أعطانا لا أن نعرفه أو نؤمن به بل أن نحيا به وأعطانا روحـه لا ليعلمنا فقط بل ليسكن فينا ويغيّر شكلنا ، ويجدد ذهننا ، ويأخذ كل يوم مما للمسيح ويعطينا.

الحياة فى المسيح هى حركة ، وخبرة ، وتجديد ، ونمو بالروح لا يتوقف .

+ المسيحية هى تبعية المسيح .. وخط سير المسيح هو المذود .. جثسيمانى .. الجلجثة .. القبر .. ثم القيامة . فتبعية المسيح إلى الأبدية هى مـرور بالضـرورة على جثسيمانى والجلجثة ..

+ جثسيمانى هو تسليم المشيئة ” لا مشيئتى بل مشيئتك”.

+ الجلجثة هى الثبات فى الصليب لكى ” لا نحيا نحن بل المسيح يحيا فينا ” .

منـاجاة :

لا تطلبى يا نفسى تعزية من الخارج .. إجعلى تعزيتكِ فى الله وحده .. ” حبيبى لى وأنا له الراعى بين السوسن ” ( نش 2 : 16 ) .

يا يسوعى .. إجعلنى غير خاضع لأحد فى هذا العالم إلاَّ لك ولكنيستك المقدسة..

هب لى ألاََّ أبالى بأمور الدنيا .. ولا أتأثر بالاستحسان ولا النقد ، وألاَّ يلهينى عنك تعدد واجباتى وعلاقاتى .

إن المسيحية جاءت لتخلق شباباً وشابات يغلبون العالم بالصليب حتى الدم .

إن الفراغ فى حياة الشباب ليس فراغاً من ناحية طول الوقت … بل هو فراغ نفسى روحى .

إن إنحرافات الشباب اليوم سببها القلق والاضطراب ..

وهم فى حاجة إلى نور المسيح وصدره الواسع .

المشكلة الحقيقية تكمن فى سطحية أبناء المسيح . فلو ضربوا بجذورهم فى الأعماق لتحولوا إلى منارة تهدى شباب العصر المتخبط .

ليس الشيطان أقوى منك لأنك لست وحدك .

الشر ليس من طبيعتك لكنه كالزوان يغرسه فيك العدو فلا تيأس .. وعندما تقلع الزوان من قلبك يظهر لك جمالها (طبيعتك)

مشاكل الشاب عندما تحل بالاشباع الجنسى ، وتركيز الحديث مع الشباب عن الكبت والاختلاط ، والجنس أكثر من الحديث عن المسيح والتوبة … كل هذا بلا شك هو جنوح من السفينة ( سفينة حياتنا ) لتصطدم بصخرة هذا العالم .

إذا ترك الانسان زمام حياته يتحول إلى أسير لأهوائه وعبد لمطالبها المهلكة .

يا أحبائى الشبان ـ إن يسوع القائم بجراحاته أكبر شهادة لكم على القوة الكامنة فيكم … العالم جرحه وهو غلب العالم …

العالم كل يوم يجرحكم .. فانظروا لرئيس إيمانكم يسوع الغالب .

خطايانا جرحته … وهو غلب وقام بآثار جراحاته .. انظروا إلى رئيس إيمانكم .

المسيحى الذى يتمسك بالحـق فى حياته وعمله يتهمه زملاؤه أنه غير متفتح الذهن … المسيحى المتسامح يتهمونه بالعبط …

+ الذى يترك العالم ليعبد الله فى دير يتهمونه بالهروب …

+ الانسان الشهوانى هو عريان من ثوب الطهارة …

+ الانسان الغضوب والحقود هو عريان من ثوب المحبة … 


أقوال عن غسل الأرجل للقمص بيشوي كامل
+ سر غسل الأرجل هو سر الكرازة بإنجيل المسيح .. ما أعظم ما تصنعه الكنيسة لأجلنا ..
+ الكرازة بالإنجيل عظة بل ” كما فعلت أنا بكم تصنعون أنتم أيضاً ” يا ليتنا لا نكف عن غسل الأرجل بدموعنا ومحبتنا وباتضاعنا مع يسوع الغاسل خطايا الجميع.

+ معاملاتنا بعضنا لبعض : لأخيك ، لأسرتك ، لجارك .. هى غسل الأرجل . ليكن هذا هو إنجيل كرازتك .. هذا يعنى أن أستر على خطايا أخى وأغسلها .

+ النفوس اليوم مُتعبة وأرجلها وسخة وتكره النقد والتكبر .. إنها تريد من يغسل وسخ أرجلها .

+ إن يسوع وحده هو الذى لا يتعالى عن غسل أرجل الناس كانت لذته أن يمد يده ليغسل أرجل تلاميذه ولايزال

أقوال عن الصليب للقمص بيشوي كامل
+ الصليب هو حياتى فلا حياة إلا من خلال الصليب .

+ سيظل يسوع فاتحاً ذراعيه باستمرار لأنه يريد نفسى التى مات عنها لكى يحتضنها .

+ ليس الصليب مكاناً للعدل الإلهى فقط ولكن مكاناً للحب حتى الموت

+ ليس الصليب مكاناً ساكناً علق عليه يسوع فى أحد الأيام . بل هو قاعدة حركة قلب الرب نحو البشرية كلها.

+ كان الصليب فى مظهره الخارجى تعبيراً عن ظلم العالم ، أما من الداخل فالصليب كله سرور وحب وتسليم للآب لأجل خلاص العالم .

+ الصليب هو مكان تطابق النفس مع الله ” مع المسيح صلبت “.

+ الصليب هو المنارة التى أوقد عليها المسيح نور العالم ،الذى من قبله صرنا نوراً للعالم .

+ إن الذى يسير مع يسوع حتى الصليب يستحق أن يأخذ العذراء أماً له .

+ الهرب من الصليب يعادل الهروب من المجد الإلهى .

+ الصليب مدرسة .. فالهروب منها ضياع للمستقبل .

+ الصليب هو الطريق الوحيد إلى القيامة .. فالهروب منها هو الدخول للموت الأبدى .

+ من فقد صليبه فقد مسيحيته .

+ من فقد صليبه افتقد طريقه لله .

+ من فقد صليبه صارت حياته باردة فاترة لا تعامل بينه وبين الله .

+ إن التأمل المتواصل فى صليب ربنا يكسب النفس حرية وسلاماً وقوة وغفراناً .

+ الصليب فى طبيعته أقوى درجات الحب وأعمقها .

+ بقدر ما يزداد تأملنا فى الصليب بقدر ما تتعمق شركتنا ومعرفتنا للرب يسوع .

+ إن كنت تطلب الحرية من الخطية فتدرب على التأمل المستمر فى المسيح المربوط لأجلك .

+ الصليب هو طريق الحرية من قيود العالم وشهوة الجسد.

+ الصليب لا يجب أن ننظر إليه نظره عابرة ، بل أن نتملى ونشبع منه .

+ إن تدرب الانسان على تذوق الحلاوة فى كلمة الله والصليب سيجعل النفس تتأفف من كل لذة جسدية .

+ نفس بلا صليب كعروس بلا عريس .

+ إن سقوط يسوع تحت نير الصليب= قيامى وحريتـى من عبودية الخطية .

+ الصليب هو وسيلة التحرر من الذات وصلبها .

+ ليس الصليب مجرد لون من التأمل الروحى الجميل ، ولكنه أيضاً احتمالاً للألم من أجل الوقوف ضد العالم .

+ بدون ألم ليس هناك إكليل . 

دستور الخدمة – للقمص بيشوى كامل
القلب عندما يقدم للآخرين خدمة من أجل الرب يسوع فإن صورة الرب تنطبع عليه فيستنير بنوره .
الكنيسة القائمة قوة كارزة .
الحب الالهى النابع من الصليب هو الطاقة التى تدفع الخادم لخدمة النفوس .
الذى ارتفع مع المسيح على الصليب لابد وأن يكون قد ذاق قوة الموت عن العالم وقوة القيامة ثم قوة الصعود للسماء . وبهذه القوة ينزل العالم ليخدم ثم يرتفع بأولاده مرة أخرى إلى فوق .

عمل الخادم فى الخدمة أن يغرس فى مخدوميه مفاهيم الصليب من حب الله وبذله .
على الخـادم أن يرفع مستوى الايمـان لمخدوميه إلى الدرجة التى يثقوا فيها أن المسيح غلب العالم ، وإلى الدرجة التى يرتفع بايمانهم فوق مشاكل العالم وضيقاته عندما نؤمن أن الله معنا كل الأيام وإلى انقضاء الدهر .
الوداعة صفة لكنيسة المسيح التى ولد رأسها فى مذود البقر .. هذه الصفة إن فارقت الكاهن أو الخادم أفسد الشيطان عمله .
الانطواء والانعزال هو هروب من مسؤلية الخدمة .
الرعاة تتحول علاقاتهم بالصليب إلى حياة حب وصلاة يسعون إليها بكل اجتهاد حتى تتحول الكنيسة إلى قلعة صلاة .
الراعى أو الخادم هو شهيد المحبة .. يجتهد إليها بكل قوة يستمدها من حب المسيح على الصليب ، ويحب ولا يكره .. لأن المحبة ( أى الله ) لا تسقط أبداً .
المحبة هى الرباط الذى يربط الراعى برعيته .
الهدف الذى يحرك الكاهن والخادم للخدمة هو حبه للمصلوب ، ارتباطه بالذى مات لأجله . فينظر إلى كل انسـان آت إليه كشخص موصى عليـه من رب المجد
الذى صُلب عنه .
الكاهن والخادم الغضوب يفسد الخدمة .
الكاهن والخادم المحب للادانة يفسد الخدمة .
الكاهن والخادم المحب للظهور بذاته وبخدمته يفرح قلب الشيطان .
الانسان الذى يحيا حياة المسيح بدقة وأمانة يحمل صورة المسيح ورائحته وينشرها فى كل مكان .
إن كانت عندك موهبة واحتقرت غيرك يأخذها الله منك .
اجعل قلبك مستعد للموهبة بالاتضاع ، المتواضعون هم الوحيدون القادرون على حفظ الموهبة .
كلما تزداد حياتنا مع المسيح تزداد إمتلاء .
استفد من كل الفرص حولك التى تقودك للكمال : فرصة لعمل الخير .. فرصة للصلاة .. فرصة للاتضاع .. فرصة للتضحية .. فرصة للصمت .. فرصة مشاركة المسيح فى آلامه .
إن كان الانجيل المكتوب بالحبر والقلم يبقى مئات السنين فكم بالحرى الانجيل المكتوب بريشة الروح القدس ويد الرب يسوع يبقى إلى الأبد .
الخدمة هى نبش لينابيع المياه فى حياة المخدومين لكى يتدفق فيها تيار الروح باستمرار .
الخدمة ليست إضافة جديدة للمخدومين ، بل نبش الينابيع الكامنة فيهم .
الخدمة هى ازالة الأتربة وتفجير الينابيع .. ينابيع الصلاة واشتعال القلب المستمر بحب يسوع المصلوب ، ينابيع مواهب الروح القدس ، وتوجيه هذه المواهب لبناء جسد الكنيسة .. ينابيع كلمة الله واكتشاف غنى الانجيل فى حياتنا .
الخدمة هى مساعدة المخدومين على تدفق الماء الحى من ينابيعهم باستمرار فى حياتهم اليومية .
الخدمة هى مساعدة الشاب على اكتشاف ينابيع غنى الروح وقوة الإيمان بداخله
ليواجه العالم بروح الصلاة وروح الإنجيل .
الخدمة هى مساعدة الفتاة على اكتشاف ينابيع جمال الروح وغناها .
ينبغى أن لا تخلو خدمة عن الحديث عن بركات المعمودية . والحياة الجديدة ، والأمر الثانى هو النبش عن الينابيع بالحديث عن التوبة . أما الأمر الثالث فينبغى أن تنتهى كل خدمة بحركة باطنية .. حركة صلاة داخلية .. حركة توبة .. حب .. خدمة .. دموع .. حركة تنبع من الباطن .
الخدمة بناء داخلى مستمر . فالروح باستمرار يأخذ مما للمسيح ويعطى الكنيسة كل يوم .
العمل المستمر هو من طبيعة الله ” أبى يعمل حتى الآن وأنا أيضاً أعمل ” . والعمل يستمر فى حياة القديسين بعد انتقالهم من هذا العالم .
إذا لم تجد فى الكنيسة حركة بناء فإنك ستجد فيها الكسل والخلافات والتهاون والانشغال بالإدارة وتوزيع المراكز والرسميات ..
إنك ستشم رائحة ركود الماء ونتنه ورائحة السكون الذى هو رائحة الموت .
حذار من أن تكون الخدمة مجرد إضافة معلومات خارجية بدون النبش عن الينابيع الداخلية وتدفق مواهب الروح .
الخدمة هى البناء الداخلى المبنى على الإيمان والصلاة فى الروح القدس وحفظ النفس فى محبة الله . هذه هى القاعدة المتينة التى بها نخرج لنخطف من النار .
هل للكنيسة وخدامها اليوم قلب المسيح لقبول الخطاة! إذا دخلت السامرية الكنيسة اليوم هل سندينها بكبرياء ويقف يسوع وحده المتضع ليقول لها أعطنى لأشرب !
هل سنقول للخاطئة ما قاله سمعان الفريسى ويبقى يسوع وحده يقول : ” إنها أحبت كثيراً ” .
عندما يدرك المخدومون مقدار الغنى والمجد اللذين حصلوا عليهما من وجود الله فى حياتهم . عندئذ يطفرون فرحاً ويتحققون من شدة قوتهم . وأن ” ليس بينهم أعرج ” ( أع 3 : 8 ) . بل كلهم أقوياء لا يرهبون تحديات العصر بل يُرهبون العالم بقداستهم وشجاعتهم وطهارتهم كجيـش بألوية .

إن عمل الكاهن والخادم المسيحى عموماً ليس مجرد الدعوة لحفلة فى الكنيسة أو اجتماع أو مساهمة فى عمل فقط .. بل ارتفاع بمستوى إيمان المخدومين إلى الدرجة التى يحسون فيها أنهم أغنياء بالمسيح الموجود فيهم ، فيحتقرون كل اغراءات العالم ( 2 كو 6 : 10 ) . تحس فيها الشابة أنها أغنى بالمسيح من الفستان ، ويحس فيها الشاب أنه أغنى من كل ما يشغل قلبه من متع عالمية .
بهذه القوة الجبارة الداخلية يخرج شبابنا وأطفالنا ليتحدوا اغراءات العصر .
ليس عندنا شاب أو شابة تحركها الريح وراء موضات العالم ، واغراءاته . بل عندنا بوتامينا العفيفة ، ومارجرجس الشجاع الطاهر ..
لذلك يا إخوتى لنذل الشيطان فى مخادعنا ، ونخرج للعالم بقوة الهية لنكشف للآخرين ضعف الشيطان ونفضحه وكل ألاعيبه وإغراءاته ، ونعلن لهم سر النصرة العجيبة .
العجيب أننا اليوم نقضى كل وقتنا فى الخدمة . أما هؤلاء القديسون فكانوا يعيشون أغلب حياتهم فى التوبة والاتحاد بالله ثم ينزلون فى خدمة هجومية صاروخية إلى معاقل الشر وبعد الانتهاء منها يرجعون فوراً إلى عزلتهم ، وأحياناً تكون معهم فريستهم وصيدهم .
إن يوستينا ترسم لنا بمنهج عملى كيف أن أضعف انسان فينا اجتماعياً أو مادياً يقدر أن يخدم المسيح ويكرز له باذلاله للشيطان .
إن الله مستعد أن يكرز بمجرد اسمك يا أخى القارىء مجرد اسمكِ فقط يا أختـى القارئة لو ثبتـم فى .. فى المسيح .
الثبات فى المسيح يستأصل بؤرة جميع أعمال الجسد من حياتنا التى هى زنى عبادة أوثان .. ( غل 5 : 19 ) ويحل محلها ثمار الروح القدس : ” محبة .. فرح ..”
( غل 5 : 22 ) .
إن الشباب لا يحتاج إلى نصح بقدر ما يحتاج أن يرى النفوس التى لها سلطان أن تدوس الحيات والعقارب وكل قوة العدو .
الخدمة لابد أن تبدأ من عند الصليب .. وإلاَّ كانت نهايتها الفشل . فالصليب حب لا نهاية له .
الخدمة بدون حب المصلوب هى مجرد عمل بشرى له نهاية .
خدمة بلا حب لا تنتهى إلاَّ بالتعب ، أو اليأس ، أو حب الذات ، أو كثرة التشاجر على الرياسات ، أو ترك الخدمة نهائياً .
ينبغى أن يعيش الخادم حياته كلها غارقاً فى حب المصلوب وقوة الصليب .
الحب الالهى النابع من الصليب هو الطاعة التى تدفع الخادم لخدمة النفوس .
الهدف الذى يحرك الكاهن والخادم للخدمة هو حبه للمصلوب وارتباطه بالذى مات من أجله . فينظر إلى كل انسان آتٍ إليه كشخص موصى عليه من رب المجد الذى صلب عنه ، وينظر للفقير والعريان كشخص الرب يسوع المصلوب والعريان ، وينظر للخاطىء كشخص المسيح حامل خطية كل الخطاة .
رسالة الخادم باستمرار أن ترجع كل نفس للحظيرة.
رسالة الخادم هى ربط النفوس بالصليب .
حياة الخادم وتطهيرها تبدأ من فوق المذبح .
لا إعداد للخدمة بدون الصوم والاختلاء .. كما فعل مخلصنا .
كم من الوقـت يحـتاج الرب ليصـرف الـجموع .. يصرف أكثر من 5000 آلاف ، ويودع كل واحد ، ويطيب خاطر كل واحد ، ويستمع لكل نفس برفق وحنان وطول أناة ، وبقلب مفتوح يسمع مشكلة هذا ومتاعب ذاك ..
الكاهن حامل لشعبه على كتفه ، وواضع شعبه فى قلبه .
الكاهن هو كوكيل دائم لله يقدم الصلاة والذبيحة باستمرار .
إن الموت لا يفصل الراعى أبداً عن شعبه .
خدمة الكهنـوت ليست عملاً بشرياً بل هى دعـوة الهية يتدخـل فيها الله
لاختيار مكان العبادة .. ثم يختار مَن يخدمه .
ليست الخدمة استخداماً للسلطة للدفاع عن الكنيسة لكن هى تذلل مع شعب الله ومشاركة له .
ليست الخدمة استخدام للمركز ولكن هى استخدام الله لنا من أى مركز .
الخدمة الكنسية ليست موقوفة على المركز أو المال أو المؤهلات .. الله ليس محتاجاً إلى الذهب الذى نقدمه بكبرياء بل للفلسين بانسحاق .
الذات هى سبب الضرر الذى يصيب الخدام من رعاة ولجان وتحولهم من خدام إلى رؤساء ورقباء .
الأربعون سنة الأولى فى حياة موسى ظن أنه يقدر على كل شئ .
والأربعون سنة الثانية فى حياة موسى صنع الله كـل شئ بمن أحس أنه لا شئ .
خدمة ربنا يسوع تحتاج إلى تفريق المال وليس جمعه ( كالأنبا أنطونيوس ) .
إن كنت تريد خدمة مقبولة وصفقة رابحة فقس خدمتك بمقياس الحب المقدس للمسيح .
نهاية الخادم الأمين هى الراحة .. فيستريح مع جميع القديسين فى فردوس النعيم وبعد الراحة القيامة ..
الخدمة شرف لا نستحقه ـ وليس معنى ذلك أننا نعطى أو نتفضل على الله .
الخدمة ليست تفضل من المراكز العالية ولكن الخدمة هى مشاركة فى أثقال الكنيسة .
إن الخدمة ليست تفضل على إخوتنا ولكن مشاركة فى أثقالهم .
إن الخدمة ليست دفاعاً عن الكنيسة ولكن تذلل مع شعب الله ومشاركة له … والرب يسوع نفسه إشترك مع كنيسته فى اللحم والدم وغسل أقدامها .
صفات الخادم : الحب ـ الأبوة ـ الاتضاع ـ صلب الذات .
صفات خادم الله : يرد القلوب ـ التوبة والطاعة ، ويتقدم أمام الرب ويهئ للرب شعباً مستعداً .
هيرودس كان يهاب يوحنا لأن هيرودس ذو الحلة الملوكية والمحاط بالعسكر والسلاح أضعف من يوحنا القوى بالله والعريان بالجسد .
لا تخرج من بيتك للخدمة أبداً قبل أن تؤيد بقوة من الروح القدس .
أحب بروح المسيح حتى الدم ـ واخدم بروح المسيح حتى الدم .
مَنٍٍ يدخل خدمة الله بدون اختلاء هو أشبه بسفينة خرجت إلى وسط البحر بدون استعداد . فهى عرضة للإنقلاب عند أول صدمة أو مواجهة مع الريح .
أول ما تعمل عملاً لمَن هو أصغر منك تحس بقوة المسيح تسرى فيك . وتكتشف موت المسيح وقيامته . لذلك تتحرك تلقائياً نحو خدمة الآخرين .
خادم مدارس الأحد الذى فى قلبه حب السيطرة أو التمسك بخدمة معينة .. كيف يغلب العالم ؟!! كاهن فى قلبه حب الظهور .. كيف يغلب العالم ؟!!
مَن لا يشفق على الخاطئ ليست فيه نعمة الروح القدس .
بطرس أنكر ـ هل حرمه الرب من الرسولية .. بل بعد أن أنكر قال له إرعَ غنمى .
إن أجمل حل للهروب من الضيق النفسى والاضطراب هو الرجوع للخدمة الهادئة .
كم من انسان عاش فى خدمة عاملة وتغير فجأة بعد زواجه أو توظفه .. لـم يكن عنده خـزين يكفى لسـنى الجوع .
المحبة هى عافية وقوة المسيحى والخادم . إذا فقدها فقد حياته وسلامه وخدمته.
عمل الخادم الأول قبل أن يخدم أو يقبل خدمة للكنيسة أن يعمل على وحدانية الروح فى محيطه المحدود حتى يطمئن أن نفخة الروح القدس ستحرك جميع الآلات.
الاتضاع للخادم هو إرجاع فضل القوة والنجاح لله وحده .
الخادم مثال حى للنفس التائبة ـ يمارس التوبة فى حياته الخاصة وفى أصوامـه وصلواته ، وحب المسـيح المصلوب .
الخادم هو انسان غسل يسوع قدميه القذرتين ويغسلها كل يوم ..
من أجل ذلك هو يجول مع يسوع من كل قلبه ليغسل أقذار كل الناس . بإحساسه القلبى بأن يسوع مستمر فى غسل أرجله ..
لا يدين أحداً .. لا يظن أنه صاحب فضل على أحد بل هو مدين للمسيح .
الذين يحددون لأنفسهم خدمة معينة يخرجون دون أن يدروا عن وظيفة الخادم الذى يمنطقه الرب ويمضى به إلى حيث لا يريد ..
يخرجون إلى حياة الذات التى تفرض على صاحب الكرم برنامج الخدمة .
إذا كانت الخدمة دافعها قضاء وقت الفراغ .. فهى
سوف لا تسد فراغ القلب .. بل ستكون مصدراً لمشاكل كثيرة وعثرات ..
إن كانت الخدمة دافعها حب المســيح ستكون خدمة ناجحة وقوية ، وسوف لا يكون هناك وقت فراغ .
حب الرياسة ومحبة الذات قد عرّت الخادم والكاهن من قوة الروح .
الخادم هو القناة التى توصل بين البحر (الله) والأرض ( الخدمة ) .
 


أقواله عن خدمة الطيب
+إن أحداث الأسبوع الأخير ( من الصوم الكبير ) مشحونة بمشاعر حب الله لنا إلى المنتهى .. ومشحونة بعواطف آلام نفسه الحزينة حتى الموت .. هذه اللانهائيات فى عواطف الرب نحو الانسان عجز الكلام عن التعبير عنها . لذلك بدأ الوحى الالهى بابدال لغة الكلام بلغة الطيب .
+عندما تنسكب النفس يفوح منها طيب عطر . هكذا صنع الرب فى هذا الأسبوع ففاحت رائحة ذبيحته فى المسكونة كلها ..

+لقد سكب الرب ذاته .. وكسر ذاته وأعطاه لتلاميذه ولنا !!!
+سكب ذاته فوضع نفسه عند أرجل تلاميذه ليغسلها!!
وسكب حبه .. حتى مع الخائن أعطاه اللقمة !!
وعلى الصليب سكب ذاته من أجل الذين عروه وطعنوه وبصقوا فى وجهه وجلدوه ومن أجلهم مات ومن أجلهم طلب الغفران .
+خدمة الطيب خدمة حب .. فكل عمل من أجل المسيح يمزج بالمحبة يتحول إلى طيب .
+خدمة الطيب خدمة صلاة هادئة .. إنها خدمة صامته .. إنها صلاة مخدع هادئة .
خدمة الطيب خدمة انسحاق وإحساس بالدين .. خدمة لا يكفى فيها سكب الطيب بل غسل الأرجل بالدموع .
إن خدمة الطيب تكشف لنا أن التوبة تتم عند أقدام المسيح بروح الانسحاق والإحساس بالدين وبدموع غزيرة .
+خدمة الطيب كشـفت عن قيمة الرب فى حياتنا إن قيمة الرب فى حياة يهوذا وصلت إلى 30 من الفضة أى 3 جنيه وهى قيمة العبد . أما عند المرأة فكانت تساوى كل ما عندها حتى إلى 300 دينار ( مر 14 : 5 ) .
+خدمة الطيب خدمة تكفين للرب .. هى خدمة جميلة كخدمة نيقوديموس ويوسف الرامى .
+خدمة الطيب خدمة باقية تتحدى الموت .. الذين خدموا خدمة العبادة والحب والانسحاق وصل رجاءهم إلى ما بعد الموت .. إلى الحياة الأخرى .
+خدمة الطيب ليست إتلافاً .. ليست الصلاة أقل من بناء المؤسسات العظيمة .. وليست خدمة الفقراء أقل من بناء الكاتدرائيات .. إن خدمة أنطونيوس وبولا ومكاريوس أبقى للكنيسة من كاتدرائيات الأباطرة العظماء.
+ليست الرهبنة إتـلافاً وليسـت خدمة الصـلاة فى مدارس الأحد أقل من خدمة الوعظ بل أهم .
+خدمة الصلاة ليست إتلافاً .. كثرة القداسات ليست إتلافاً ..
+الخدمة الإجتماعية اليوم تغزو الكنيسة بدعوى أن كثرة الصلاة اتلاف ونحن فى حاجة للعمل .. والحقيقة أن العمل الخالى من الصلاة يكون مشحوناً بالأنانية والذاتية . ويصبح ليس اتلافاً بل وبالاً على الكنيسة .
+خدمة الطيب هى عمل النفوس التى فطمت عواطفها ومشاعرها عن حب العالم وشهواته وربطتها بحب الله .
+كل عمل مهما كان بسيطاً ولكن بمحبة من أجل المسيح يتحول إلى رائحة طيب.
 


أقوال عن الميل الثاني للقمص بيشوي كامل
إنجيل الميل الثانى يمثل المسيحية الإيجابية .. وهو يعطى مَن يتمسك به طاقة روحية عالية من الفرح والمحبة والإيمان والشجاعة والبذل فى خدمة الآخرين . ويحفظ من السلبية والأنانية والخوف والقلق وضيق النفس والحرمان والكبت .

+ قانون الميل الثانى فى المحبة : طاقة عظيمة للبناء الروحى للانسان والمجتمع والكنيسة .

+يا ليتنا كلنا ننتقل إلى الميل الثانى ونبنى ونبنى ونبنى.

+ الفرح هو المقياس الدقيق الذى به نختبر صدق سيرتنا مع المسيح فى الميل الثانى . وعن طريق الفرح نعيش ملء السلام النفسى .

+ أصحاب الميل الثانى يحسون بنشوة النصرة والغلبة .

” لأن الذى فيهم أقوى من الذى فى العالم ” .

+ الميل الأول : يأمرنى بحياة التدقيق على الأرض كغريب .. عن العالم .

+ أما الميل الثانى : فيكشف لى أنى مواطن سماوى ” أما سيرتنا نحن فهى فى السموات ” .

+ الميل الأول : يمنعنى من النظرة الشريرة والتأمل فيها.

+ أما الميل الثانى : يفتح عينى لأرى كل ما صنعه الله فإذا هو حسن جداً . كل شىء طاهر للطاهرين .

+ الميل الأول : يمنعنى من أن أدين أو أفكر ردياً فى شاب يسير مع صديقته فى الطريق .

+ أما الميل الثانى : فيرفع قلبى نحو العريس الذى مّر بى وقال : ” وإذا زمنها زمن الحب .. فصرتِ لى ” ( حز 16 : 8 ) .

+ الميل الأول : يأمرنى بقطع العواطف البشرية مع زميلتى أو زميلى فى العمل أو الكلية .

+ أما الميل الثانى : فيدفعنى لإشعال نار الحب فى داخلى نحو من أحبنى وأسلم ذاته لأجلى ويدفعنى لمحبة كل الناس فى المسيح ” لأن مَن لا يحب لم يعرف الله ” .

+ الميل الأول هو الابتعاد عن النفوس المدنسة الهالكة .

+ الميل الثانى : حب وعشق للروح القدس والمسيح الساكن فى هذه النفوس .

+ الميل الأول فى الوصية يأمرنى بضبط الفكر قائلاً : أين هى عقولكم .

أما الميل الثانى : فيردد قائلاً هى عند الرب .

+ إن كان الميل الأول حرماناً من لذة مباهج هذا العالم .

فالميل الثانى : هو عشق للصليب وشركة آلام الرب وتقديم كل المشاعر نحو الصليب .

الميل الأول : ينحصر فى عدم فعل الخطية .

الميل الثانى : يدفعنى للالتصاق بالرب .

+ إن استعلان القوة الالهية القادرة على خدمة الميل الثانى أمر لازم لكل خادم .. إنها كامنة فينا .. إنها روح الله .. وهذا الإستعلان لا يتأتى إلاَّ بالصوم والصلاة والاختلاء وتنفيذ وصية الإنجيل .

+ الميل الثانى : يضعك أيها الحبيب فى مكان المسئولية عن كل زميل : البعيد عن الله والمستهتر ، والمترف ، والمتألم .. والمحتاج كل هؤلاء تراقبهم بالصلاة وتحاصرهم بالمحبة والخدمة ..

+ لذلك يا أخى الشاب إن لم نشحن نفوسنا بطاقات حب الميل الثانى فإننا سنظل باستمرار فى فراغ ذاك الذى يعانيه طائفة المتدينين الشكليين بالكنيسة .. ويملأونه بالنشاط الإجتماعى .

+إن الذين عاشوا الميل الثانى كانت رائحتهم بعد مماتهم إنجيلاً لأنه ” حيث يكرز بالإنجيل يذكر ما فعلوه تذكاراً لهم”. 


القيامة حياة يومية – للمتنيح القمص بيشوى كامل:
+ ليس هناك طريق للقيامة إلا طريق واحد هو الصليب .

+ إن صلب شهوات الجسد هو الطريق لقيام الجسد مع المسيح.

+ ما أجمل الكنيسة التى كل شعبها يعيش التوبة والقيامة والحياة والالتصاق بالمسيح القائم .

+ الكنيسة القائمة لا سيف لها ولا سلاح .. ولكنها مرهبة كجيش بألوية .

+ لا يقدر أحد أن يذوق القيامة قبل أن يحمل الصليب لن يذوق أحد القيامة وبهجتها مع المسـيح إلا الذى استترت حياته معه على الصليب ، وخلع الإنسان العتيق وأعماله .

+ صلب الجسد والعالم مع الأهواء والشهوات يفجر فى النفس المصلوبة بهجة القيامة وأنوارها .

+ الخطية سقوط .. والتوبة قيام .

+ إن النفس الساقطة عندما تقوم تشع منها قوة هائلة من قوة قيامة الرب يسوع .

+ الذين جاهدوا ضد الخطية حتى الموت هم الذين نالوا الحرية والقيامة الأولى .

+ ما أقواك أيتها التوبة ، وما أروعك ، إنك أروع أيقونة للقيامة .

+ التوبة ” القيامة ” فى حياة المسيحى هدفها النهائى هو الوجود فى حضن الآب .

+ إن أروع صور الحرية ، والقيامة الأولى هى صورة انسان غلب ذاته وشهواته، وانطلقت روحه فى قوة القيامة .. فى ملء الحرية تحلق فى أجواء السماء.. وهى مازالت تعيش فى الجسد .

+ القيامة المعاشة هى التناول من جسد الرب ودمه .

+ التناول هو نقل دم المسيح غير القابل للفناء إلى دمنا الذى دب فيه موت الخطية.

+ الخطية نزف دم والتناول أخذ دم حى يعطى حياة أبدية أى قيامة .

+ التناول من جسد الرب هو قيامة مُستترة .

+ لقداس الإلهى يهدف إلى اكتشاف النفس لقوة القيامة فى حياتها عن طريق الافخارستيا المقدسة .

+ الذى لا يعيش فى المحبة لا يعيش فى القيامة .

+ القيامة مسيرة فى النور ، ومسيرة فى المحبة .

+ الذى قرر أن يعيش من أجل المحبة هو انسان قد صمم على الانتقال من الموت إلى الحياة فالمحبة=الحياة .

+ الإنسان الملتصق بالمسيح المملوء بحبـه ، والمحـب للجميع تشع منه أنوار القيامة وقوتها وبهجتها .

+ الاستشهاد أروع وأقوى صور القيامة لأن القيامة التى فى الشهداء أقوى من الموت .

+ الاستشهاد هو أقوى علامة على قوة القيامة الأولى .

إن روح الشهيد انطلقت فى قوة القيامة من هذا الجسد قبل أن يقتلها الوالى .

+ لا كرازة بدون قيامة فى حياة الإنسان . فالكرازة هى مسئولية من أختبر القيامة.

+ لم تمس القيامة حياة الإنسان فقط بل جسده أيضاً .

فالقيامة بعثت فى روح الإنسان المحبة والفرح والسلام وعدم الخوف والرجاء وعدم اليأس . أما جسدنا فالقيامة بعثت فيه الحياة والطهارة والنصرة من جديد .

+ الحرية هى هبة القيامة والجحيم والقبر هو السجن .

والرب يسوع نزل إلى الجحيم والقبر وغلبهما وأطلق أسراهما .

+ إن الحواس هى الطريق الذى بها نصنع تدبير الجسد لأجل الشهوات لأجل ذلك

ينبغى أن ندرب حواسنا ونضبطها .

+ هل تذكر يا أخى أنك لابس الرب يسوع . هذه هى قيامتك الأولى .. من أجل هذا لا تصنع تدبيراً للجسد وشهواته فى كل الحواس . إنه تدريب عميق سينتهى بك إلى انفجار فجر القيامة فى جسدك المائت .

+ نحن نزف المسيح القائم من الأموات فى حياة المعمدين والقائمين معه . ما أروعها أيقونة .. إن الكنيسة لا تمثل القيامة بل تعيشها .

+ الاهتمام بما هو فوق هو روح القيامة الأولى .

+ الحياة المستترة مع المسيح هى الطريق الوحيد للقيامة .

+ كيف نعيش القيامة والحرية بدون حمل نير وصية الإنجيل .

+ وصية الآب ليست قيوداً ، ولكنها صليـباً ، والصليب هو تنفيذ الوصية وطريق الحرية ، والحرية هى ثمرة القيامة الأولى مع المسيح .

+ إن الحرية والقيامة الأولى هى شهوة ربنا للنفوس المقيدة .

+ نحن الذين استترت حياتنا مع المسيح القائم من الأموات نعيش بمشاعر واحساسات المسيح القائم .

+القيامة هى ثمرة اتحادنا بالمسيح القائم . والمجد هو نصيبنا فى المسيح القائم الممجد .

+ إذاً لا نخشى الفشل . بل نرى فيه بداية القيامة ، وسبباً فى تذوق القيامة الأولى . أى فى ادراكنا أننا قمنا مع يسوع عندما كانت الأبواب مغلقة .

+ القيامة الأولى بالنسبة للمسيحى هى اختبار لا ينتهى يبدأ بالمعمودية والدفن مع السيد المسيح ، والقيامة معه ( رو 6 : 4 ) . بالتوبة المستمرة ( 2 كو 4 ) . وفى سر الإفخارستيا يحيا به . ” لأن الحياة هى القيامة ” ( 1 يو 3 : 14 ) ، وفى أعمال المحبة لأن الذى يحب قد انتقل من الموت إلى الحياة .. القيامة ، وفى قوة الرجاء
( 2كو 1 : 9 ، 10 ) . وفى قوة النصرة على شهوات الجسد ” ( رو 8 : 11 ) ، وفى الشجاعة وغلبة الخوف وفى اختيار الحرية ( لو 4 : 18 ) . وفى السلوك فى النور كأولاد للنور وأبناء للقيامة ( يو 3 : 21 ) وأخيراً فى الكرازة والخدمة (مت 28 : 19 ) إنها اختبار حياتنا كلها .

+ إن الكنيسة تعتبر المعمودية بكل إصرار وتأكيد هى نصيب كل واحد منا فى الموت والقيامة مع المسيح .. لذلك نزف المعمدين بالكنيسة كأيقونة حية للقيامة .
ونقول : أكسيوس .. أكسيوس .. أكسيوس .

لما لا يكون هذا اختباراً روحياً عن القيامة بأن نقف دقيقة أمام المعمودية فى كل مرة ندخل الكنيسة ، نعترف أمامها بأننا هنا دفنا وحملنا الموت عن الخطية فى حياتنا كل حين وكل يوم ، وانبعثت القيامة الأولى بفجرها المشرق فى حياتنا الجديدة القائمة ، وصرنا أبناء الله مولودين من فوق ..

+ جرب يا أخى هذا التدريب فى دخولك الكنيسة .. عندئذ يتحول الطقس إلى حياة، وتصبح القيامة الأولى هى الدرس الأول الذى يتكرر فى حياتك كل يوم .

+ تذكر أمام المعمودية أنك جحدت الشيطان وكل أعماله النجسة .

+ تذكر أنك صرت متحداً مع المسـيح بشـبه موته ، وبشبه قيامته .

+ تذكر أنك دُفنت ومُت وقُمت مع المسيح .

+ تذكر أنك بقيامتك صارت أعضاؤك آلات بر لله .

تذكر أن القيامة هى سلوك فى هذه الحياة .

+ تذكر أنك ولدت من فوق ، وصرت ابن الله ، وتحدد خط سيرك فى هذه الحياة نحو الأبدية السعيدة .

+ هيا بنا يا أخى نجعل حياتنا أثناء دورة القيامة أيقونة حية للمسيح القائم ، بل هيا نجعل كل أيامنا خماسين مفرحة حية ناطقة ..

مناجـاة :

ربى يسوع .. أشكرك لأنك جعلتنى هيكلاً لك . إن قذارة جسدى أبشع وأكثر من قذارة مذود بيت لحم . فارحمنى وطهر هيكلى من كل نجاسة ثم اطرد باعة الحمام والصيارفة منه ليصير لك وحدك .

ربى يسوع .. روحك القدوس لا تنزعه منى بل جدده فى أحشائى .

+ أيها الروح المعزى .. روح القيامة اعمل فى توبتى المستمرة .

+ أيها الروح المرشد .. افتح ذهنى لأفهم الكتب وأدرك عمق أسرارك .

+ يا روح الحب .. اسكب حبك الإلهى فى قلبى ( رو 5 : 5 ) .

+ أيها الروح القدس .. موعد الآب اكشف لى عن مكانى الجديد فى يمين الآب .

+ أيها الروح القدس .. اشهد فى داخلى لأقول : ” يا آبا الآب ” كيف أحس بأبوتك إلا بواسطة روحك أيها الآب فى داخلى .

+ أيها الروح القدس .. فجر كل ثمارك المحيية من خلال كل الأبواب المغلقة داخلى .

+ أيها الروح القدس .. كنز الصالحات اغنِ حياتى بك أيها الكنز المخفى داخلى . اغنِ نفسى بالصلاة والحب والفرح والوداعة ، وحياة التوبة المستمرة ” كفقراء ونحن نغنى كثيرين . كأن لاشئ لنا ونحن نملك كل شئ ” (2 كو 6 )

ربى يسوع .. أشكرك لأنك وهبت لى ما لم يدركه تلاميذك فى حينه وهبت لى أن اشترك معك فى بركات صليبك وأعاينها وأعيشها وآكلها .. ووهبت لى أن أعيش قيامتك ، وأشترك فى قوتها وآكلها .. أعطنى سر معرفتك ، فاجعلنى مستحقاً أن أنتفع بكل هذه النعمة ولا أهمل فيها ، أو يظلم عقلى عن إدراكها . كم مرة يا نفسى اجتزت وادى ظل الموت وحررك إلهى وأقامك معه قيامة أولى . وعندما تقيمنى ياإلهى من قيد الشهوة والخوف ، والكبرياء ، والذات ، أقول مع القديس اغسطينوس.

“وضعت قدمى على قمة هذا العالم عندما صرت لا أخاف شيئاً ولا أشتهى شيئاً “.

+ القيامة نعمة مجانية أخذها الانسان بالإيمان .. فى المعمودية .

+ القيامة هى خروج من قبر مغلق ،

هى خلق حياة من الموت ،

هى نجاح من الفشل ،

هى إيمان بعد يأس ،

هى خروج من ضعف الانسان ،

هى الإيمان المطلق .. هى كل حياتنا كمسيحيين .

+ لا قيامة بدون صليب .

+ لن نتمتع ببهجة القيامة إلاَّ إذا إختبرنا بركات التوبة والتذلل ، والصوم المقدس.

+ الذى ينتظر حتى الموت ينال القيامة والذى يهرب قبل الآخر يحرم منها .

+ من يريد أن يتمتع ببهجة قيامة الرب لابد أن يكون قد اجتاز اختبار الموت مع المسيح.” لأنه إن كنا قد صرنا متحدين معه بشبه موته نصير أيضاً بقيامته ”
( رو 6 : 5 ) .

+ القيامة حقيقة ملموسة واقعيـة نعيشـها اليوم بسكنـى الروح القدس داخلنا .
( روح القيامة ) وذلك بمسحة الميرون كقول الرسول : ” إن كان روح الذى أقام يسوع من الأموات ساكناً فيكم فالذى أقام المسيح من الأموات سيحيى أجسادكم المائتة أيضاً بروحه الساكن فيكم ” ( رو 8 : 11 ) .

القيامة ليست تمثيلية بل هى انسان داخلى يتجدد يوماً فيوماً .

+ القيامة : حياة واختبار يومى نذوقه فى كل مرة نقترب من الصليب ونحمله بفرح ..

+ القيامة ليست قصة ولكنها حياة .. يحس فيها المسيحى بقوة قيامته من الخطية ومن الضعفات اليومية، والغضب ، والكراهية ، ومحبة الكرامة ، والذات ، وشهوات العالم ..

عندئذ نقول إننا مع المسيح .. متنا مع المسيح ” صلبنا ” فنحيا ” نقوم ” لا نحن بل المسيح يحيا فينا .

الخلق ليس عملاً هيناً ، لأننا كنا أمواتاً بالخطايا ..

والميت هالك ورائحته نتنة وعاجز .. فجاء روح القيامة وسكن داخلنا بمسحة الميرون . فأقامنا من موتنا ونحن داخل قبر الخطية .

القيامة هى عمل صنعه ويصنعه كل يوم الروح القدس فى إقامتنا كل يوم من نتانة موت الخطية .

فهو دائماً يميت أعمال الجسد لكيما يحييه . ” إن كنتم بالروح تميتون أعمال الجسد فستحيون ” ” روحياً وجسدياً ” ( رو 8 : 13 ) .

+ إن الخوف من الموت سوف يلازم الانسان إلى أن يموت الانسان عن الذات فيعيش القيامة 

“وأما ثمر الروح فهو محبة، فرح، سلام، طول أناة، لطف، صلاح، إيمان، وداعة، تعفف” (غل 5: 22
الروح القدس أيها الحبيب هو روح الله الساكن في الإنسان. وهذه هي عطيّة العهد الجديد إذ قد صرنا “هياكل الله وروح الله ساكن فينا” (1 كو 6: 19). وبهذا انتزع منا روح الظلمة الذي يعمل في أبناء المعصية… وقد كانت البشريّة قديمًا تئن تحت نير الإنسان العتيق ولهذا يصرخ داود المرنم قائلاً: ” قلبًا نقيًا اخلق فيَّ يا الله وروحًا مستقيمًا جدده في أحشائي” (مز 50: 10). وهذا في الواقع إحساس بالاحتياج إلي التجديد بحلول الله في الإنسان لكي يُغيِّر الطبيعة المائتة ويخلق فيها حياة أبديّة…
وبسكنى روح الله في الإنسان أعطانا أن نكون شركاء الطبيعة الإلهيّة هاربين من الفساد الذي في العالم (2 بط 4) وأصبح لنا أمور مُذخَّرة وعطايا لا ينطق بها من محبة الله وفرح بالله وسلام داخلي عميق نتيجة للشركة معه.
وهذه الأمور ليست منا “لأنه ليس فيّ أي في جسدي شيء صالح” (رو 7: 8). إنما هي صفات الله التي اتحدت بطبيعتنا كنتيجة لاتحادنا بالله وسكنى روحه فينا… يا لمحبتك يا إلهي!!
يا ربى يسوع أعطنا أن نكتشف هذه الأمور حتى تثمر فينا ويكون عملك ظاهرًا في حياتنا آمين.
2. ما هي المحبة؟
” لأن محبة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المعطى لنا ” (رو 5: 5(
الحقيقة أيها العزيز إن المحبة هي عمل الله فينا، إذ بصليب ربنا يسوع المسيح قتل العداوة وأعلن المحبة… بل وسكبها علي العالم المشحون بالكراهية نتيجة برودة المحبة، فأشعل في قلبي وقلبك نور المحبة الذي يلهب القلب فيتعطش لحب الله أولاً ثم في خلال محبته لله يحب الجميع، وبقدر ما يتسع القلب بالحب ويتعب من أجله، بقدر ما يشعر أنه لا يستطيع أن يحيا بغير المحبة، إذ يفقد طعم الحياة ويضطرب سلامه الداخلي ويخسر رجاءه ويصير تائهًا لا يعرف شبعًا أو ارتواء.
والمحبة ليست فكرًا ولا أمنية وإن كانت تحتوى هذا وتلك وإنما المحبة هي عمل يستطيع كل عضو في الإنسان أن يُعبِّر عنه بطريقته الخاصة وحسب إلحاحات الظروف، وبقدر ما نقدم أعضاءنا آلات برّ لله، بقدر ما نُعبِّر عن محبتنا له… فهل عندك يا أخي عدد لا بأس به من أعضائك أخذ مكانه في التعبير عن محبتك لإلهك؟!…
3. طبيعة المحبة
طبيعة المحبة كما أوضحها القدِّيس بولس الرسول في الرسالة الأولي لأهل كورنثوس أن لها وجهان أحدهما يهدم كل ركن من أركان الإثم والخطية وهو ما يُعرَف بالوجه السلبي، والآخر يبني كل فضيلة في الإنسان المسيحي، لأن كل فضيلة الأصل فيها هو المحبة، وهو يُعرَف بالوجه الإيجابي… وهذان الوجهان هما:
أ. الوجه السلبي:
وهو أثر المحبة في ملاشاة واختفاء كل ملامح الخطيّة في حياتي لأن:
+ المحبة لا تحسد
لأن الحسد إحساس بالنقص والطموح معًا… والمحبة إحساس بالملء والفيض، وكذلك الحسد عين ناظرة إلي الأرض… وأما المحبة فهي عين ناظرة إلي السموات، وهذا سرّ فيضها وشبعها.
+ المحبة لا تتفاخر
فالمفتخر بنفسه ومقدرته هو إنسان فاته أن الله هو مصدر خيره ووجوده… أما المحبة فلا تفتخر لأنها مشغولة بردّ الجميل لله واقتسام الخير مع الجميع.
+ المحبة لا تنتفخ
لأن المنتفخ إنسان احتجز المجد لنفسه فأحس أنه أفضل من غيره… أما المحبة فتتخلص مما يزيد عن حاجتها وتعطي من أعوازها.
+ المحبة لا تقبح
القباحة أن يسلك الإنسان بعدم لياقة إرضاء لنزعاته الدنيويّة أو دفعًا عن حقوقه المسلوبة… أما المحبة فقد فطمت نفسها حتى من الأشياء المباحة.
+ المحبة لا تطلب ما لنفسها
مَنْ يطلب ما لنفسه فهو يعيش في دنيا لذاته… وأما المحبة لا تطلب ما لنفسها لأنها تعيش من أجل الآخرين في دنيا الله.
+ المحبة لا تحتد
لأن الذي يحتد يستسلم لضيق نفسه… وأما المحبة فهي تُسلِّم نفسها للموت من أجل نقص الآخرين.
+ المحبة لا تظن السوء
والذي يظن السوء، إما أن يكون بيّت علي العداوة والخصومة… أو يكون قد يكون سلَّم عقله للباطل… أوقد يكون قد انطبع فكره بِشرّ الناس… وأما المحبة فتقف من الحوادث والأمور موقف الله الذي يجعل الأمور كلها تعمل معًا للخير، كما أن المحبة لا تقبل إلاَّ أن تحيا في السلام.
+ المحبة لا تفرح بالإثم
لأن الذي يفرح بالإثم هو أثيم بمعنى أنه يشتهي أن يسقط كل الناس كما سقط هو، ويفرح بالشرور حينما تداهم الناس وبالأخص خصومه لأنه يطلب أن يتمجَّد بهوان الآخرين، ويُزكِّي نفسه بانكسار أعدائه. أما المحبة فتقيم الساقطين وتحلّ المربوطين. وتستر علي إثم الآثمين وتبكى علي انكسار الآخرين.
+ المحبة لا تسقط أبدًا
الإنسان يسقط حينما يكون وحده وليس هناك مَنْ يسنده سواء بسبب كبرياء قلبه أو صِغَر نفسه… أما المحبة فيسندها الله ذاته، لذا فهي لا تسقط أبدًا.
هذه أيها الحبيب الأمور التي تنتصر المحبة عليها وتسحقها وتظفر بها جميعًا، إذ مِنْ يقتني المحبة منه يختفي تمامًا.
ب. الوجه الإيجابي:
أي أن المحبة تُكسب الإنسان كثيرًا من المنافع. وأكثر من هذا أمور لازمة لتكميل الطريق بل لنصير مثله كما يقول يوحنا الحبيب وهي:
+ المحبة تتأنى
لا عجب أن يضع بولس الرسول هذه الصفة في أول قائمة صفات المحبة مشيرًا إلي جوهرها الإلهي: فالله طويل الأناة جدًا… وهكذا ينبغي أن يكون أولاده، والتأني هي الصفة المختصة بمعاملة الضعفاء والخطاة. وإذا حازها الإنسان كانت له أقوى عوامل النجاح في خدمته… ولهذا ما ألزمها لنا أيها الأخ الحبيب. إذ تجعلني أحمل قلب الله واحساساته تجاه البشريّة المسكينة.
+ المحبة تترفق
وهذه أيضًا صفة من صفات الله. وهي تعنى الترفق والرحمة بالخطاة والضعفاء والذي يتأنى بالضرورة يترفق… ومن هنا نرى تسلسلاً دقيقًا في صفات المحبة، إذ كلها ذات اتجاه بنَّاء لنفسيّة الإنسان الضعيف أو العاجز.
+ المحبة تفرح بالحق
وهنا ينكشف جوهر المحبة الذي تُبنى عليه والذي تنجذب إليه، فالمحبة منحدرة أصلاً من الله، لذلك لا تسعد ولا تفرح إلاَّ بما يوصِّلها إلي موطنها… فالإنسان المحب حينما يكون فرحه ومسرته بالحق، يكون هذا أعظم دليل علي أنه يسعى إلي موطنه السماوي مصدر الحق.
+ المحبة تحتمل كل شيء
هذه الصفة تؤمِّن للمحبة وصولها إلي الغاية. وهي تفيد الكفاءة في حمل الإساءة إلي أقصى حدودها وتجاوز الإثم وغض الطرف عن الخسارات والاعتداءات، كل ذلك بدون رد فعل لأن النفس تستمد قوتها وسلامها من الله مصدر القوة والسلام والذي لا يُحَد.
+ المحبة تصدق كل شيء
لأن المحبة واثقة من هدفها، فهي من جانب تقبل كل وضع. ولا شك أن إمكانياتها من جهة الاحتفاظ بقوتها في العبور فوق الفخاخ والصعوبات التي يبثها العدو في الطريق، وهي إن كانت تصدق كل شيء، إلاَّ أنها تكشف الكذب وتفضحه وتوقف عمله حينما تواجهه بإيجابيتها المتفائلة، وهي تُصدِّق كل شيء لأنها تستطيع أن تجعل المعوجات مستقيمة والعراقيب سهلة.
+ المحبة ترجو كل شيء
لأنها متفائلة دائمًا لا تفقد الأمل في الفتيلة المدخنة، ولا في القصبة المرضوضة، ولا في مريض الثمانية وثلاثين سنة، ولا في التي ربطها الشيطان 18 سنة… والمحبة متسلحة برجاء حي لا يستنفذه عدو الخير أبدًا في خبثه ومعاندته، ولا غباوة الإنسان ولا ضعف الجسد، فالمحبة ترجو طالما للرجاء باب مفتوح. فالمحبة والرجاء في مكان دائم.
+ المحبة تصبر علي شيء
المحبة طريقها في وسط العالم وعر ومليء بالمقاومات والاستهزاءات والخيانات والمناورات والخداع والاستغلال والمساومات، وهي لا تميل هنا أو هناك، بل في طريقها الصاعد صابرة علي كل شيء.
هذه أيها الأخ الحبيب الصفات التي تعطيها المحبة حتى يصير الإنسان بالحقيقة يعيش في السماء وهو علي الأرض حاملاً في جسده سمات الرب يسوع.
4. الصليب هو الطريق العملي للمحبة
أ. المحبة الإلهيّة لنا في الصليب:
إن المحبة الأبديّة التي أحبنا بها الآب هي بعينها التي كانت قائمة بين الآب والابن أولاً ثم حلَّت فينا بتجسد الكلمة المُحمَّل بمحبة الآب… ثم صارت لنا حينما ارتضى الآب أن يسفك دم ابنه ويعطيه لنا، فنحن نشرب الآن محبة الآب للابن ومحبة الابن للآب في سر الدم الإلهي “لهذا يحبني الآب لأني أضع نفسي… الآب يحبكم لأنكم أحببتموني” (يو 16: 27)
ولذلك صار الصليب الطريق الذي به تنسكب علينا محبة الله… ولكن الله لم يكتفِ بأن يجعل عنصر المحبة الإلهيّة مجرد صورة تنطبع في القلب، أو ثمرة جهاد لتأمل الصليب والمصلوب والدماء المنحدرة علي الأرض فقط، بل أضاف إلي ذلك بأن هيأ لنا من الدم المسفوك والجسد الممزق نصيبًا نأخذه بسرّ لا يُدرك فيستقر في أعماقنا لنتحد بتلك المحبة المصلوبة، وحينئذ نؤهل لقبول روح الحياة الذي هو روح المحبة، وبذلك صارت محبة الإنسان الضعيفة سبب طبيعته الجسديّة العاجزة ممكن (لو أنها قبلت المسيح المصلوب واستنشقت بالروح القدس) أن تنفك من هذا الضعف لتنطلق بقوة سريّة خارقة كالنار لا يقف أمامها أي عائق… وهكذا كان بالصليب تمتعًا بسرّ المحبة الإلهيّة العجيبة الذي يخلق فينا روح المحبة التي هي مذاق جديد بفعل الروح القدس.
ب. المحبة تدعو لنسيان الذات:
المحبة عندنا أيها العزيز نحن المسيحيّون تؤكد نسيان الذات والأنا، وأحيانًا يتخيل الإنسان المسيحي أن ظهوره سيكون لحظة أن يحب أكثر… بل وكثيرون يصاحب محبتهم شعورهم بكبرهم، بينما الحقيقة أن كِبَر النفس وظهورها متعارض مع أن نحب. بل وأكثر من هذا أن الحب يكشف عن نسيان الإنسان لنفسه.
إن الاقتراب من الرب يسرع غير المشوش بفعل وجود رغبات شخصيّة في النفس، إنما يدفع الإنسان دفعًا لحبه والتعلق به والإتيان بكل ما يطلبه من الإنسان برضى كامل وطاعة حب بلا تحفظ.
لا تقل كيف أحبه ما لم أقتنع… صدقني يا أخي الحبيب أنها أكذوبة تصنعها الظلمة التي تحيط بنا، ولكن يوم أن تصفو قلوبنا وتنتقي نجد أنفسنا في مواجهة مع قانون حتمي محبب للنفس وهو حتميّة صرف حياتنا في طاعة مطالب حب الله.
تحكي لنا الآية “هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد…” حكاية حقيقيّة هامة جدًا ينبغي أن نعيها جيدًا، وهي أن الحب عندما يوجد لا توجد الذات. وإنما الحب علاقة مؤكدة للتضحية والذي يريد أن يحتفظ بذاته أو يريد أن يكون الحب هو المعبِّر عنها ووسيلة تأكيد وجودها إنما يصنع مضادة لا تخفي عن العين التي تحب الله أو التي تعيش في المحبة الحيّة لله بعمق.
يا أخي العزيز يهمني والرب شاهد أن تكون بلا هَمّ. وليس هناك هَمّ يتساوى مع هَمّ المعيشة بهذه المتناقضات… وهي وجود ذاتك وتمسكك بها مع رغبتك في حياة المحبة لله وللجميع. وهذا مستحيل… إنس ذاتك وتَذكَّر أن الله أحبك فيمتليء قلبك بالحب المتدفق وتسير في هذا الطريق إلي أن تدرك محبة الله اللانهائيّة لكل البشريّة.
قد تظن أيها الحبيب أن هذه الأمور نظريّة… لا!! لأن حياة رجال الله القديسين الذين تمتعوا بهذا الحب، أكدت هذه الحقائق المذكورة أمامك والتي أوردناها لتعيش وتعتني بها. وتصير لك كنزًا تصر علي اقتنائه وتحافظ عليه بدمك… وإليك هذه الأمثلة لتكون أمامك في الطريق:
+ ذهب اثنان من الآباء الرهبان يومًا إلي مدينة ليبيعا صنع أيديهما وافترق أحدهما ليشتري بعض الاحتياجات… بينما انتظره زميله في الفندق… وفي ساعة شرّ سقط هذا الأخ في الإثم ولما جاء أخوه إليه، قال له: [ها قد حصلنا علي كل ما نحتاجه فهيا بنا الآن لنعود إلي قلايتنا]… ولكن الذي فعل الخطيّة تنهد وقال: [لن أقدر علي العودة معك…!!] فتحيَّر الأخ وسأله عن السبب فاعترف قائلاً: [لأنه حين كنت وحدي هنا سقطت في الخطيّة والآن يستحيل عليَّ الرجوع معك]… وإذ كان قلب الراهب الذي يسمع اعتراف أخيه مملوءً بالحب ابتسم وقال: [وأنا أيضًا تعثرت في الطريق وسقطت نظيرك]. وأحيا في نفس أخيه روح الرجاء وقال له: [إننا نعرف إحساسات إلهنا أنه يتحنن علينا ويقبل توبتنا، لأنه لا يشاء موت الخاطيء]، فقاما وذهبا إلي أب اعترافهما وسقطا عند قدميه واعترفا بتوبة. فأمرهما الشيخ بتدريب روحي قاسي، ونَفَّذ الراهب الذي لم يسقط هذا التدريب من أجل محبته لأخيه، وتطلَّع الرب من السماء وغفر للساقط إذ رأي عمل المحبة وكشف هذا للآباء الشيوخ فمجَّدوا الله وخبرت قلوبهم بما تصنع المحبة.
وإليك هذه القصة الواقعيّة التي تفرح بها النفس المحبة:
وقَّع “أوليفر كرومويل” وثيقة إعدام أحد ضباطه لخيانته فجاءت زوجة الضابط وركعت أمامه قائلة: هل تعفو عن زوجي؟ فقال لها: زوجك خائن للوطن وغدًا عندما يدق ناقوس الكنيسة في السادسة صباحًا سيموت زوجك رميًا بالرصاص… وفي الصباح الباكر كان شبح الزوجة التعسة يسرع إلي الكنيسة، وأخذت تصعد إلي أعلي البرج حتى وصلت إلي الجرس الأكبر واختبأت هناك، وفي والوقت المُعيَّن جاء الخادم العجوز، وكان قد فقد السمع والبصر ولما أمسك بحبل الجرس وضعت الزوجة المحبة يديها بين لسان الجرس وجانبيه عوضًا عن أن يدق اللسان جانبي الجرس دق وسحق اليدين الرقيقتين لهذه الزوجة الغنية في محبتها، ولم يسمع صوت الجرس واستمر الجرس يدق ويسحق يديها لمدة خمس دقائق ولم يترك منها إلاَّ شرائح اللحم والدم، وفاضت دموعها علي خديها من شدة الألم. ولكنها تحمَّلت الآلام من أجل مَنْ تحب، وعندما انتهي الخادم من دق الجرس أسرعت وذهبت إلي كرومويل الذي ختم بالأمس أن يموت زوجها وقالت ألا تسامح زوجي لأجل هاتين اليدين؟… فبكى كرومويل وأجابها: أيتها المرأة عظيمة هي محبتك… اذهبي وزوجك بسلام.
هكذا يا أخي الحبيب أليس أنا وأنت خائنين في نظر الله ونستحق الحكم والموت لأننا كسرنا وصاياه… لكن ربنا المبارك سمرت يداه ورجلاه علي الصليب ليفتدينا وهو “مجروح لأجل معاصينا ومسحوق لأجل آثامنا” (إش 53: 5(أحبنا… بذل نفسه… لأجلنا
5. العالم يخدم بالمحبة
لقد رسم لنا الرب يسوع أيها الحبيب الطريق. إذ بمحبته للعالم بذل نفسه علي عود الصليب، وكثيرًا ما قال رب المجد للتلاميذ: ليس هناك حب أعظم من هذا أن يضع الإنسان نفسه من أجل أحبائه، وأيضًا يقول القديس يوحنا الحبيب “بهذا عرفنا المحبة أن ذاك وضع نفسه لأجلنا فنحن علمنا أن نضع نفوسنا لأجل الإخوة” (1 يو 3: 16)
وهكذا أيها العزيز رسم لنا الطريق للخدمة بالمحبة وكم من أناس لم تُخلِّصهم الكلمات ولكن بأعمال المحبة أدركوا الإيمان سريعًا، وإليك هذا المثال الحيّ:
كانت سيدة صينية فقيرة تعاني آلام من قرحة خبيثة في ذراعها وكانت ترفض قبول المسيح الذي بشرتها به ممرضتها المسيحيّة. وقد قرر الطبيب أنه إذا أعطى أحد هذه المريضة رقعة من جسده وبعض دمه لتحقن به، فهناك رجاء في شفائها، فاستدعت المريضة ابنها وطلبت إليه أن يعطيها قطعة صغيرة من جسده وبعض دمه فأبى تلبية طلبها مما أحزن قلبها جدًا، فصارت تبكي بمرارة وتذرف الدموع يومًا بعد يوم… وبعد أيام شاهدتها الممرضة تبكي فعرضت عليها أن تقبل قطعة من جسدها وبعض دمها لكي تشفي من دائها. فتأثَّرت المريضة جدًا…!!! وفعلاً نفَّذ الطبيب هذا الاقتراح وأجرى العمليّة… وبدأت تباشير النجاح تزداد يومًا بعد يوم إلي أن بدت عليها رقعة بيضاء مكان القرحة، وفي ذات يوم… كانت تبكي بشدة وهي تنظر إلي ذراعها الذي برء نظرة غريبة فشاهدتها وسألتها عن سبب بكائها فأجابت: إني أنظر إلي هذه الرقعة البيضاء علي ذراعي مفكِّرة في إعطائك لي جسدك ودمك لكي يتبرأ جسدي الحقير المُصاب بالقرحة فما هو الدافع لكِ علي عملك هذا؟؟!… فأجابتها الممرضة قائلة: “إني قمت بذلك في سبيل محبة يسوع لأنه بذل حياته عني، وهو يعطيني جسده ودمه علي المذبح لكي ما تبرأ نفسي المريضة بالخطيّة والإثم” فعادت المرأة تبكي من جديد بكاءً شديدًا شاخصة إلي الممرضة وهي تقول: “أيتها الممرضة أني أريد يسوعك لي أنا أيضًا مادام هذا الذي حملك علي محبتك لي بهذه الكيفيّة مع أن ابني أبى إنقاذ حياتي”… ومن هذه اللحظات اعتنقت المسيحيّة وصارت انسانة حارة في عبادتها لله… وهكذا فهذه الممرضة أخذت فكر المسيح في الخدمة وهو المحبة التي اجتذبت بها الكثيرين للمسيح من أجل اتساع قلبها وحبها المتدفق.
+ وهكذا يا مَنْ تحبون الله وتشتهون أن يكون حيًا في العالم عاملاً فيه اعلموا أن الله سيكون حيًا في قداسة أرواحكم وأجسادكم ولن ينفع العالم آمالكم ونياتكم بل قداسة حياتكم. إذ القديسون أنطونيوس وباخوميوس وأبو مقار وكل القديسين لم يمجدوا الله ويرفعوا اسمه أمام أبنائهم الروحيّين وأمام العالم إلاَّ بحياتهم المقدسة ومحبتهم القويّة لله وتعلق قلبهم بالله إلي الموت.
+ الدعوة لنا جميعًا لأن نصلب الجسد مع الأهواء والشهوات.
+ الدعوة لنا جميعًا لأن نصلب الإنسان العتيق مع أعمال الظلمة.
+ الدعوة لنا جميعًا لأن نميت أعضاءنا التي هي علي الأرض.
وهذا هو المنهج القانوني والطريق الحي لنلبس الإنسان الجديد المخلوق بحسب صورة خالقه في البرّ وقداسة الحق والمحبة القويّة التي هي كالموت.
ولا تنسى أيها الحبيب أن هذه المواجهة لتيار الشرّ والظلم والخطيّة إنما هو نفسه محبتنا لله وأن إصرارنا علي الحياة في قداسة الروح والجسد هو نفسه محبتنا لله.
علينا أن ندخل في حياتنا الجديدة مسلَّحين بالمحبة التي تعطي معنى لكل أعمالنا وأتعابنا وجهادنا، ومحبة مثل هذه هي التي يُطلق عليها ثمر الروح.
إنها دعوة لنا جميعًا يا عزيزي لأن نفسح المجال لحياتنا لروح الله حتى يثمر فينا حبًا وحتى يؤمننا الروح من الفشل. لأنه يعطي بطبيعته القوة والنصح “لأن الله لم يعطِنا روح الفشل بل روح القوة والمحبة والنصح”.
6. كيف أقتني المحبة؟؟!…
عزيزي… لا شك أن نفسك اشتهت حياة المحبة الحقيقيّة التي اقتناها القديسون… فعاشوا غرباء تائهين في البراري وشقوق الأرض، والتي عاشها الشهداء إذ قدَّموا أعضاءهم للتقطيع وأجسادهم للتعذيب غير مبالين بالآلام لأن عقولهم كانت مشغولة بالعريس السماوي الذي أحبهم ومات لأجلهم وخطبهم لنفسه عذراء عفيفة… والتي يحياها كثيرون من خدام الله الأمناء الذين حملوا شعلة الإيمان لكل العالم علي مرّ العصور، إذ كانت كلماتهم المملوءة بالحب تجذب الكثيرين من الفجار والزناة، المجرمين والقتلة إلي حضن يسوع الدافيء.
ولكي نقتني المحبة أيها الحبيب يرينا الرب الطريق هكذا:
أ. كراهية الخطيّة:
لأن الخطيّة يا عزيزي هي مؤشر لعدم محبتنا. أو بمعنى أوضح مؤشر لعدم اقتنائنا للمحبة بعد… لأن الخطيّة تشلّ عمل الروح القدس ويقول أحد الآباء المعاصرين: [إن الخطيّة هي الخيانة الكبرى التي ارتكبت في حق المحبة الإلهيّة]. وأيضًا يقول [هي مد يد طعنت محبة الإنسان لخالقه بالصميم فتركه ينزف دمًا قوية]. وهكذا…
+ من الكلمة الأولي: نكتشف أن الخطيّة هي حياة للمحبة لمَنْ يعيش للخطيّة أو فيها. ويتساهل معها. إنما يكون غادرًا في حق المحبة ويهينها بتفضيل الخطيّة عليها والسلوك بضدها. وهذا هو مفهوم الخيانة الكبرى التي ارتكبت في حق المحبة الإلهيّة…
+ ومن الكلمة الثانية: نلاحظ أن المحبة غير منفصلة عن الإنسان، والكبرياء في طعنه لمحبة الإنسان إنما يقضي معه علي الإنسان… ولهذا فالتوبة هي المنهل الحقيقي للمحبة، إذ في التوبة يتذوق الإنسان مدى محبة الله الذي يضع نفسه عنه ويعطيه التبرير بدمه، إذ في كل مرة نعترف بالخطيّة بتوبة وانسحاق قلب تزداد محبتنا لله وتتعمق جدًا… وهكذا بينما تقضي الخطيّة علي المحبة، تنمي التوبة المحبة…
ب. الصبر على اقتناء المحبة:
يا أخي الحبيب إذ قد وضعت في قلبك أن تعيش للمحبة وبالمحبة. فأدعوك أن تلتزم بالصبر كسمة لابد وأن تكون ملازمة لخطواتك. ففي طريق المحبة ستكتشف أن فمك نقص في محبتك ولكن عليك أن تصبر علي عدم محبتك، واعلم أن من سمات المحبين صبرهم علي ضعف حبهم بمحبة، وكذلك اطلب من الرب بشدة لكي يفيض عليك ويسكب فيك من محبته لأنه يريد ذلك ويُلح عليك الروح القدس بأنات لا يُنطق بها لكي تسلك كذلك.
+ ختامًا أيها العزيز… اسكب نفسك أمام الله الآن، واطلب منه أن يسكب فيك الحب، ويُعلِّمك نسيان الذات حتى تنطلق في طريق الحب بلا عائق عالمًا أن المحبين لهم فرحهم الخاص بهم والذي ليس هو فرح الاحتفاظ بالذات. بل فرح في تحقيقهم لحبهم، وأريد أن أقول لك كلمة أتمنى أن تحققها وأنا أيضًا معك. وهي أن الذي سيسهل لنا طريق الحب ويجعلنا ضمن جماعة المحبين لله هو الاستزادة المتعطشة لكلمات الإنجيل… فهو مدرسة الحب ومعلمه والكاشف عن وسائله وكيفيّة الامتلاء منه…
هل تعلم يا أخي الحبيب أن دخولك في طريق الحب وسلوكك بمقتضاه إنما يجعلك دون أن تدري علي صلة دائمة بالله المحبوب لأنك بهذا توجد مجالاً مشتركًا لارتباط… وهناك مَنْ يريدون الله ويرفضون الحب والالتزام بقانونه… ليس هذا هو الحق. فطلب الله مقرون بالحب، ولهذا فالحب يزيد من الارتباط بالله، والارتباط بالله يدفعنا لحياة الحب القويّة حتى محبة الأعداء وحتى نصل إلي قامة المسيح في الأبديّة بنعمته ومعونته وعمل روحه فينا..

 


نفس بلا صليب … كعروس بلا عريس
( أبونا بيشوى كامل )
+ يقول أحد المرشدين الروحيين (( ان الله دائما يعمل بالعلامات )) والعلامة فى قصة ابونا بيشوى اعطاها الله لنا بطريقة مذهلة .. فقد كانت الكنيسة فى الاسكندرية قد اشترت قطعة أرض بجوار محطة الترام فى منطقة سبورتنج لإقامة كنيسة عليها باسم امير الشهداء وذلك سنة 1957 ولكن المبنى المرغوب فيه ظل لمدة سنوات مجرد سقيفة …. ثم وصل قداسة البابا كيرلس السادس إلى الكرسي المرقسي واعتاد ان يذهب إلى الاسكندرية من وقت لآخر وذات مرة كان جالسا يتحدث إلى كاهن ذو حساسية روحية عميقة وهو القمص مينا اسكندر عن هذة الكنيسة المزمع بنائها فقال البابا بشفافيته التى عرف بها ( لن نستطيع بناء الكنيسة الا بعد رسامة كاهن خاص بها ) وما كاد ينتهى من قوله هذا حتى دخل الخادم سامى كامل مستصحبا فصله لمدارس التربية الكنسية لينالوا بركة قداسة البابا … وبمجرد دخوله قال ابونا مينا على الفور ( هذا هو الشاب الذى يصلح لأن يرعى شعب كنيسة مارجرجس ) وبعد حوار قصير وضع قداسة البابا الجليل الصليب على رأس سامى كامل وهو يقول
( انها علامة معطاة من الله أن تصبح كاهنا … وسأرسمك الأحد المقبل ) !! فأخذ الشاب نفسا طويلا واستجمع شجاعته وقال ( ولكننى لست متزوجا ) فقال البابا كيرلس ( إن الروح القدس الذى الهمنى إلى اتخاذ هذا القرار هو يختار لك العروس التى تصلح لك فى خدمتك ) ….

+ وهكذا حدث ان الروح القدس أرشد سامى كامل إلى ان يطلب يد أنجيل باسيلى – وهى شقيقة لبعض من ابنائه الخدام فى التربية الكنسية .. وتمت الشعائر المقدسة للإكليل المبارك مساء الثلاثاء 24 نوفمبر كما تمت شعائر الرسامة صباح الاربعاء 2 ديسمبر ….
وقد ثبت بالاختبار ان أنجيل هى ( المعين النظير ) الأمثل للكاهن بيشوى كما تنبأ قداسة البابا كيرلس …..

* نشأته وخدمته الاولى : ولد فى يوم 6 ديسمبر سنة 1931 فى بلدة دمنهور من ابوين تقيين من المنوفيـة وقد أسمياه (ٍ سامى ) وقد تناغم الاسم تماما مع اسم والده ( كامل ) ثم حينما اراد الرب ان يختاره للكهنوت نال اسم ( بيشوى ) ومعناه سامى وكل من عرف وتعامل مع ابونا بيشوى ادرك إلى مدى تطابقت شخصيته مع اسمه حيث كانت مزيجا من السمو والكمال …

* وتدرج سامى فى الدراسة حتى نال بكالوريوس العلوم بتفوق فى سنة 1951 … وحين كان عمره 17 عاما بدأ الخدمة فى التربية الكنسية بكنيسة العذراء بمحرم بك … وقد عينته الحكومة مدرسا للعلوم فى مدرسة الرمل الثانوية فى عام 1952 ورغم عمله وخدمته استكمل دراساته العليا حتى حصل على ليسانس الفلسفة من كلية الآداب جامعة الاسكندرية سنة 1954 ولم يكتفى بذلك بل انه دخل الكلية الاكليريكية وتخرج منها سنة 1956 بتفوق … وفى السنة نفسها انُتخب امينا عاما لجماعة خدام الكنيسة ….

* ثم حدثت زيارة البابا كيرلس للأسكندرية يوم الاربعاء 18 نوفمبر 1959 وفؤجى سامى ان البابا سيرسمه كاهنا بعد اربعة ايام فقط ….. وحينما ذهب إلى بيت زميليه فى الخدمة فايز وجورج باسيلى ليطلب من والدهما يد أختهما انجيل فرحا به فرحا عظيما ووصفاه لوالدهما بأنه ذو نقاء ملائكى .. واقيمت شعائر رسامته المباركة يوم الاحد 2 ديسمبر بدلا من يوم الاحد 29 نوفمبر لأن المذبح الذى كان سيرسم عليه لم يكن قد تم تجهيزه بعد …. ثم ذهب إلى دير السيدة العذراء ( السريان ) لقضاء فترة الأربعين يوما التى تلى رسامة الأباء الكهنة …. وغنى عن القول والتعريف ان نقول أن ابانا بيشوى وزوجته قد تعاهدا على البقاء بتوليين

+ وحين نال الكرامة الكهنوتية تقبلها برقة واتضاع … فكان تعريفه للكاهن أنه شهيد يمنح حياته لخدمة شعبه .. يعرق ويتعب ، يجاهد ويتألم ، ويسير مع كل واحد الميل الثانى برضا وطاعة … وبهذة المزايا وجد كل من تعامل معه أنه تلميذ مخلص وفى للمسيح ، وأنه راعٍ يأخذ من الله ليعطى الناس …

وحين اراد عدو الخير استثارة بعض ذوى النفوس الضعيفة ضد ما يقوم به ابونا بيشوى كانت العناية الإلهية تقف بجواره بطريقة مذهلة واذكر هنا مثلين من امثلة لا تحصى لتلك العين الحافظة التى قيل عنها ( عينى عليك من اول السنة إلى أخرها ) تثنية 11 : 21 ….

والموضوع له باقية …

المراجع :
كتاب القمص بيشوى كامل رجل الله / القمص لوقا سيداروس
كتاب قصة القمص بيشوى كامل ( اشعاع مغناطيسى ) / د. ايريس حبيب المصرى
كتاب وطنية الكنيسة القبطية وتاريخها / القمص أنطونيوس الأنطونى
سلسلة مطبوعات صوت الراعى / اصدار كنيسة الشهيد العظيم مارجرجس باسبورتنج

*** أبونا بيشوى …. ***
سنوات مضت , منذ يوم انطلاقك الى فردوس المسيح , يومها خلعت هذا الجسد الضعيف الذى كانت روحك القوية تستتر فيه , ومهما بلغ الجسد من النقاء والقداسة لكنه لم يزل بالنسبة لعالم الروح كثيفا , طالما نحن فى الجسد فنحن متغربون عن الرب , ننظر كما فى مرأه , كما فى لغز كما يقول معلمنا القديس بولس الرسول …

وها أنت قبل انحلال الجسد بدقائق , رأيت السماء كطاقة مفتوحة , وكأن غلالة الجسد وهى تتمزق , سمحت لبصيرتك الثاقبة ان تنظر من خلالها بأكثر وضوح …

لقد عشت ايام غربتك فى الايمان , ناظرا الى مالا يرى , متأكدا بشدة اليقين من رجاء دعوتك ومجد ميراث المسيح … اما فى ساعة الرحيل فقد تحول الايمان الى العيان والرجاء صار منظورا , ورؤية القلب تحولت الى رؤية العين .. وما كنت تنظره كما فى مرأه , صرت تنظره وجها لوجه بأستعلان .. وصارت كلمتك الاخيرة ” خلاص انفتحت طاقة فى السماء ” , صارت هى عظة فى اخر قداس , وكأنك ياأبى وبدون مبالغة صرت كارزا حتى اخر نسمة وجاءت شهادتك هذه كختم للشهادة وصدق الايمان , وكمال الجهاد الروحى , كمثل شهادة اسطفانوس رئيس الشمامسة الذى رأى السموات مفتوحة , واضاء وجهه كوجه ملاك …

يومها لم يكن سريرك فراشا للموت بل كان مذبحا للحياة .. انت المحب للصليب , والمتعلق بالمصلوب كان يلذ لك فى سنين خدمتك الكهنوتية ان تصلى القداس , تقدم الذبيحة على المذبح بكل مشاعرك النبيلة .. تتحد بالذبيح وتنسكب على ذبيحة ايمان اولادك …

كانت نفسك بكل خلجاتها تصلى وتقول ” اقدم لك ياسيدى مشورة حريتى ” كنت تصليها كمن يقدم مشورة حريته وارادته وذبيحة ذاته محبة فى الذى صلب على الصليب من اجله , لذلك وانت تقول هذه العبارة بالذات كنت تقف على اطراف اصابعك, تقولها بكل قوة وبكل خلجات روحك المحبة للمسيح .. وحتى وانت على فراش المرض لم تكف عن تقديم ذبيحة التسبيح فى بذل للذات …

وفى يوم الرحيل .. اجتمعت كل المشاعر المقدسة التى صليت بها جميع القداسات , لتتركز فى هذه اللحظة الرهيبة …

كل الصلوات والامها , والتضرعات …
كل التأملات العالية والعميقة معا …
كل بذل الخدمة وسعيها ..
كل فرح الروح والتعزية ..
كل أعمال الاتضاع والمسكنة ..
كل أعمال الرحمة والحنو ..
كل مانعرفه ومالا نعرفه عنك .

بكل هذه تقدمت لتخدم اخر قداس وانت بعد فى الجسد … السرير صار لك مثل مذبح حيث اسلمت نفسك وجسدك بيد الرب .. تقديم الذات لم يعد بعد مشاعر عبادة فحسب بل صار تقديم جسدك ايضا كقربان محبة فى المسيح وللمسيح …

بخور هذا القداس , كان محصلة بخور السنين كلها تنسمه المسيح كرائحة رضى .. احترقت حبات البخور فوق جمر الحب الالهى الى التمام …

شموع هذا القداس , كانت حصيلة النور والفرح والحب الذى اضأت به نفوس اولادك .. اجتمعت الانوار كلها الى شمعة واحدة … احترقت الشمعة الى اخرها فى تلك اللحظات .. ذابت , اكملت فعل الذوبان الذى كرزت به طيلة الحياة ذابت وانارت , ولم تنطفئ , ولن تنطفئ …

شورية القداس دائما هى العذراء حاملة جمر النار .. رفيقة نفسك الطاهرة , وشفيعتك التى احببتها بالحق .. لما لم تقو يديك على حمل المجمرة ورفع البخور بها .. وقفت المجمرة الحقيقية بجوارك , كما وقفت عند صليب ابنها .. استقام البخور منها شفاعة ومؤازرة كما كنت تصلى دائما ” وعند مفارقة نفسى من جسدى احضرى عندى … ”

يومها البستك الكنيسة ثياب التقديس , تماما كما فى قداس احتفالى فى اجمل الاعياد , وهذه سوف لا تخلعها ابدا .. فأنت منذ تلك اللحظات , انقطع للزمن ان يكون له سلطان عليك .. واتحدت نفسك بالآبدى , الخروف القائم كأنه مذبوح , لتكهن له وتخدمه الى ابد الآبدين …

فأن كانت غاية المسيحية وسرها عميق هو فى الاتحاد بالمسيح والثبات فيه فى سر الافخارستيا فقد بلغت نفسك فى تلك اللحظة الاخيرة , كمال الايمان وغاية الجهاد وقمة الاتحاد بالمسيح , كما فى اروع قداس الهى يتم على الارض كلها …

ابى الحبيب …

نقدم اليوم باقة من الورود الجميلة فى ذكراك الجميلة …

اتمنى ان تمتد صلواتك لتشمل الكنيسة كلها لتنعم بأزمنة ازدهار الايمان وانتشار الملكوت بشفاعة ام النور القديسة مريم وكل مصاف القديسين وصلوات ابينا الطاهر البابا شنودة الثالث .. امين .

منقول
ابونا لوقا سيداروس فى عيد نياحة القديس ابونا بيشوى كامل …
 

*** ابونا بيشوى والقداسات ***
قداسات الصيام الكبير:

بعد أن تمت سيامة الاستاذ سامى كامل كاهنا على كنيسة مارجرجس باسبورتنج
باسم القس بيشوى كامل وبعد أن قضى فترة ال 40 يوما فى دير السريان
رجع لاستلام كنيسته يوم 10/1/1960
ووقتها قابله البابا كيرلس السادس ونصحه قائلا :

“الصيام الكبير قرب .. ابقى اعمل قداس متأخر كل يوم”
ولم تكن قداسات الصيام المعروفة لنا الان والتى نتمتع فيها بالصيام الانقطاعى تقام فى مدينة الاسكندرية
كما هى الان بل كان قداس متأخر واحد كل يوم اربعاء فى الكنيسة المرقسية.
لذلك تعجب ابونا بيشوى فى بادىء الامر من هذه النصيحة
وقال فى نفسه :

“هو أنا ها اعمل قداسات بعد الظهر واللا ها افتقد الشعب اللى محتاج خدمة؟”

ولكن لأجل طاعة البطريرك قرر أن ينفذ هذا الامر.
وقرب بداية الصيام حدثت مشكلة كبيرة بين زوجين
تدخل فيها ابونا بيشوى لمدة اسبوع وفشلت كل محاولات الصلح واصبح انفصالهما وشيكا
فكتب ابونا بيشوى اسميهما فى ورقة ووضعها على المذبح فى أول قداس صيام متأخر.
وبعد انتهاء القداس ذهب لهذه الاسرة فوجد انهما تصالحا وذابت كل الخلافات بينهما
ففرح ابونا بيشوى وقال فى نفسه :

“طيب لما الموضوع سهل كده يبقى أنا على اصلى قداسات كثيرة وربنا عليه يحل لى المشاكل ويفتقد بدلا منى”

وفيما بعد اصبحت هذه القداسات فى كل كنائس الاسكندرية.

كلمة نيافة الأنبا تادرس
ذكرياتي مع أبونا بيشوي
يسعدني أن أتحدث ولو لدقائق قليلة عن شخصية لها مكان ومكانة كبيرة فى قلبي وأشعر أن لها تأثير واضح ليس فى حياتي أنا فقط لكن فى حياة الكثيرين حتى اليوم هذه الشخصية هى شخصية أبينا المحبوب أبونا بيشوي كامل كاهن كنيسة مارجرجس بإسبورتنج الاسكندرية الذى تعرفت عليه عن قرب فى خلال فترة تواجدي مع أبونا بيشوي بلوس أنجلوس بأمريكا صحيح فرق كبير أن تسمع عن شخص وبين أن تعايش هذا الشخص كثيراً ما نسمع عن أبونا بيشوي كامل وعن صفاته وعن فضائله وعن عظاته وعن تعاليمه وعن أبوته ولكن عندما عاش معنا وعشنا معه تلمذني على يديه وشمينا فيه رائحة آباء الكنيسة الأوائل ورائحة القديسين الحلوة ورائحة المسيح التى جذبتنا وكان لها تأثير قوي جداً فى حياتنا كلنا؛ أبونا بيشوي كامل من الشخصيات الفريدة والنادرة التى تمثل مدرسة فى كل شيء خصوصاً فى وقت كنا نفتقر فيه إلى المثل الأعلى وإلى التعليم وإلى التلمذه وإلى تذوق حلاوة كنيستنا وحلاوة المسيح فى شخصية جذابة وجدنا كل هذا فى أبونا بيشوي كامل
وجدنا أيضاً فى أبونا بيشوي كامل صورة المسيح فى حبه وفى حزمه، عندما كنا نرى أبونا بيشوي كامل فى قمة الحب والحنان للكل بلا تفرقة يحمل الأطفال الصغار على يديه يهتم بالكل يبحث عن المريض والمحتاج والفقير وعن الشباب الذى يصارع ويتصارع مع الخطية والشر فى مجتمع غريب محبة عجيبة لله ولكل الناس كما رأينا فى أبونا بيشوي كاملالشخصية الحازمة الذى له مواقف حازمة جداً كانت ضرورية من أجل الإنضباط فى الكنيسة فمع هذا الحب الغامر الجارف وجدناه يثحرم إثنين من كبار الشخصيات لأنهم تعدوا حدود بنوتهم للكنيسة وحاولوا أن يتصرفوا تصرفات تسيء للكنيسة ككل وليس إلى أبونا بيشوي كشخص، لكن بمحبته وحزمه إستطاع أن يضع الأمور فى نصابها ورجع هذان الشخصان إلى الكنيسة بتوبة وندامة وأبونا لم يتأخر فى أن يقبل توبتهم
أبونا بيشوي كامل من بداية مجيئة إلى لوس أنجلوس ونحن نشعر أن هناك شيء يجذبنا إلى هذا الإنسان وتجذبنا إلى المسيح من خلال هذا الإنسان وتجذبنا إلى الكنيسة من خلال هذا الإنسان وفعلاً وجدناه مقتنع ويعيش الكلام الذى يقوله فكان حقاً إنجيل معاش ولم نكن محتاجين أن نقرأ عن بعض الفضائل لكن كنا نراها ومجسمة فى هذا الإنسان فإستطعنا أن نستوعبها بسرعة خصوصاً ونحن نراها فى إنسان يحيا وسطنا وبهذه الطريقة إستطاع أن يجذب الكثيرين حوله حتى عندما قاوم البعض عمل أسبوع الآلام لعدم تضييع وقت كثير فى الكنيسة إستطاع بحبه العجيب أن يجد الكثيرين الذين ذاقوا حلاوة المسيح من خلاله فى خلال الشهور القليلة التى قضاها معهم وجدنا ناس كثيرين يأخذون أجازات لأسبوع الآلام والكنيسة مليانة نوعاً ما وكان أجمل أيام قضيناها مع أبونا بيشوي كامل فى لوس أنجلوس 1970 فى الحقيقة أبونا بيشوي كامل ترك أثراً واضح فى نفوس الآخريين وفى نفوسنا ووضع لنا منهج واضح فى مواجهة الكثير من المواقف وفى مواجهة الكثير من المشاكل وكنا نتعلم منه كيف نواجه المشاكل من خلال المثل الجميل اذى كان يعطيه لنا من خلال مواجهته لهذه المواقف وجدنا فيه التطبيق العملي للكلام الذى كان يحياه
أبونا بيشوي كان يعطينا درس عملي فى حب الكنيسة فى التسبحة فى القداسات فى الترانيم فى الألحان كان يعطينا المثل الجميل ونحن نتبعه كان يعمل التسبحة بعد قضاء يوم شاق كان قبل أن يقوم بالإفتقاد يمر أولاً على الكنيسة ويصلي كان يحب الألحان ويشرف بنفسه على حصة الألحان وخصوصاً فى مناسبات عيد الميلاد والقيامة أيضاً إحتفاله وإهتمامه بالقديسين … نجد أبونا بيشوي كامل دائماً يعطينا الإحساس بأن عيد أي قديس يجب ألا يمر هباءاً تجد تمجيد .. احتفال كبير فى عشية القديسين وكنا نشعر بمحبة أبونا لكل القديسين وكان يعيشنا مع الكنيسة المنتصرة زمع القديسين الذين تركوا عامنا وكأنهم معنا فى واقع معاش نعيشه كل يوم كنا نعيش الكنيسة فى جو من المصادقة مع قديسيها واحد تلو الآخر نجد الناس بدأت تتعود على حب القديسين ودخلنا فى تكوين صداقات معهم ونتشفع بهم ونطلب منهم طلباتنا ونكرمهم نحن أيضاً فى بيوتنا بطريقتنا الخاصة أيضاً فى القداسات التى كان يصليها أبونا بيشوي بإستمرار كنا نشعر بمحبة عجيبة جداً للذبيحة وكل ما يكون عندنا مشكلة نجد أبونا بيشوي يصلي قداسات وهكذا تعلمنا حب القداسات وحب القديسين صور القديسين تتوزع على الناس فى كل يوم اليوم تمجيد غداً قداس إجتماع نبذات كانت الكنيسة عبارة عن خلية نحل تعمل ليل نهار اليوم يبدأ صباحاً ولا ينتهي إلا بعد منتصف الليل بساعتين أو ثلاث وكان هناك مطبعة صغيرة وكنا نعمل مع أبونا بيشوي كامل وكان يعود مرهق جداً جداً يريد أن يعمل نبذة يعمل مجلة يعمل كتاب ترانيم، كنا نشعر بفرحة كبيرة جداً ونحن نعمل وعندما كنا نذهب لبيوتنا كان الله يعطينا راحة كاملة فى الثلاث أو الأربع ساعات الباقية من الليل
أبونا بيشوي حببنا فى الكنيسة وفى القداسات وكان دائماً يقول المذبح يحل هذه المشكلة وكان يشعر بقوة الذبيحة فى حل مشاكل كثيرة فى الكنيسة وبنفس الطريقة التى كان يخدم فيها أبونا كنا نراه أيضاً يضرب لنا أروع الأمثلة فى الإفتقاد أنه كان يستهين بأي مجهود ممكن بذله من أجل أن يفتقد إنسان فكان يذهب حوالي 180 كيلو لكي يفتقد إنسان شبه إسبوعياً وكان يزور الناس بيت بيت وبالرغم من أنه يأخذ الإفتقاد وقت كبير جداً إلا أن هذا لم يمنعه من أن يزور الكل حتى أخوتنا البروتستانت كان يزورهم وكل الطوائف يزورها ويترك نبذة صغيرة لا يوجد بيت دخله فارغ؛ إما نبذة أو كتاب أو شريط أو صورة، كان لا يضيع وقت كثير فى زيارات الإفتقاد كان كلها لنمجيد إسم الله وكان يذهب لزيارة المرضى بالمستشفيات وكان يركز على مرضى مرض الفردوس فى الزيارات، وكان حركة وطاقة عمل جبار جداً لا يهدأ إطلاقاً مُستهيناً بصحته وبكل شيء فى سبيل أن يجد الله مكان فى كل قلب ومن خلال المحبة التى يقدمها فى الإفتقاد إستطاع أن يضم للكنيسة ناس كثيرة بعدت عن الكنيسة بالعشرات تركوا الكنيسة القبطية وذهبوا إلى كنائس أخرى من خلال محبة أبونا إستطاع أن يجذبهم إلى الكنيسة الأم وأعترفوا أنهم كانوا بعيدين عن الكنيسة الأم ورجعوا مرة أخرى وكنا كل يوم نجد نفوس جديدة تنضم إلى الكنيسة بكل حب وبكل فرح
أيضاً أبونا بيشوي كامل كان دائماً يعطينا رجاء فى الخدمة بالرغم من الصعوبات وخاصة فى خدمة المهجر خصوصاً فى بدايتها لكنه دائماً عنده رجاء وكان لا ييأس أبداً وكان يعطينا دائماً هذا الإحساس أن الله يتدخل والله عنده حلول كثيرة لكل موضوع دائماً يرى الله فى كل عمل .. كان دائماً يجذب أنظارنا إلى الرجاء فى المسيح فى وسط الضيقة وهذا أعطانا ألا نيأس أبداً فى وسط الضيقة ومكن حرصه على الإفتقاد كان يقوم بتقسيم المنطقة إلى أجزاء ويقوم بتوزيعها على مجموعة من الخدام ويقوموا بالإفتقاد من خلال التليفون وبهذه الطريقة كان يفتقد الشعب كله من خلال مجموعة من الخدام وأي أسرة محتاجة أبونا تبلغ الخادم الذى يفتقدهم بإحتياجهم لأبونا بيشوي وفعلاً كان يذهب لهم أبونا
الحقيقة أبونا بيشوي مدرسة تعلمنا فيها كيف يكون الإفتقاد كيف تكون الصلاة، كيف لا نيأس أبداً من أي خدمة؟؟؟ وتعلمنا كلما زادت حروب الشيطان كلما كان العمل ناجح ولابد أن الله سيتدخل وأن العمل عمل ربنا وأن الشيطان دائماً يحارب العمل الناجح، فبعد أن قمنا بجمع تبرعات لشراء كنيسة فقام الشيطان بمحاربة هذا العمل الناجح وأضاع منا هذا المبلغ من المال لكن بصلوات أبونا بيشوي ومعونة الله وجدناه بعد ذلك
تتلمذ على يد أبونا بيشوي 2 أساقفة و 3 كهنة و4 رهبان غير عشرات الخدام والخادمات الذين تتلمذوا على يديه بالرغم من الفترة القصيرة التى عاشها أبونا بيشوي معنا فى لوس أنجلوس وفى الحقيقة الموضوعات التى كان يركز عليها أبونا بيشوي كامل فى الخدمة كانت تغطي نواحي كثيرة فى حياتنا فكان يهتم أن يوجه أنظارنا للأبدية وكان يتكلم عن السماء كثيراً وكان يعيشنا السماء على الأرض من خلال الطقوس والصلوات والقداسات وكان دائماً يشد إنتباهنا أننا فى يوم من الأيام سوف نترك هذا العالم بأسلوب روحاني لطيف جداً جعلنا فعلاً نفكر فى السماء وجعلنا نعيش السماء على الأرض وكان دائماً يضع فينا المفاهيم الصحيحة ويترك كلمة ربنا تشتغل فى كل واحد فينا بصورة أو بأخرى كانت البذرة التى يضعها هى محبة المسيح فى قلوبنا؛ كان دائماً يهتم بالصليب ويكلمنا دائماً عن عيد الصليب ويتكلم عن الصليب فى حياة أولاد الله وسمة الإنسان المسيحي أن يحمل الصليب مع المسيح ولا يمكن أن يكون أي إنسان مسيحي بلا صليب ولا يكون للمسيح تلميذ إلا إذا كان حامل الصليب فهو كان يحمل صليب المرض الخبيث ولا نجده أبداً يتذمر من حمل الصليب بالعكس كان فرحان جداً جداً وعلمنا كيف نتحمل حمل الصليب بأي شكل لا شك أن كل إنسان له صليب يحمله قد يختلف من واح لآخر فى وزنه وحمله وبعده وعمقه لكن لكل واحد فينا لابد أن يكون له صليب لكي يسير مع المسيح
وكان دائماً يقول إذا كل خادم تحمل مسؤلية الخدمة بأمانة لا نجد أحد من المخدومين يضيع أو يبعُد عن المسيح فكان دائماً يعلمنا حمل الصليب والإلتزام والجدية فى حياتنا لذلك نجح فى خدمته وعندما تتلمذ عليه أولاده تتلمذوا بنفس المفهوم والجدية والإلتزام الذى كان يسير عليه أبونا بيشوي وكان أبونا بيشوي يعطي المثل العملي لهذا الموضوع مهما كان ظروف مرضه فكان يعطي كل عمل حقه فى جدية وإلتزام وحب وينقل لنا من روحه هذه المحبة من حمل الصليب بإلتزام وجدية ولم يتذمر أبداً وعلمنا كيف لا نتذمر كان دائماً يشكر وعلمنا كيف نشكر الله فى كل الظروف وفى كل الأحوال نشكره لأنه كان دائماً يعيش حياة الشكر كانت دائماً إبتسامة وديعة على وجهه تعطي الرجاء والأمل لكل من يتعامل معه كان دائماً يتكلم بإستمرار على أهمية الجدية فى الكنيسة وأهمية الإلتزام لكي نستطيع أن نبحث عن كل نفس وعن المخدومين كان دائماً يحث الخدام أن يعملوا عمل الله بجدية
أبونا بيشوي كامل ترك بصمات واضحة فى حياة الكثيرين وفي حياتي أنا شخصياً وأعتبر أنه لولا أبونا بيشوي كامل فى حياتي لكان تغير مجرى حياتي نهائي لكن أبونا بيشوي أنا مديون له فى كل شيء، أنا تعلمت منه فى حبه وفى حزمه وفى جديته وفى توجيهه؛ كان الآب المحب … غرس فينا المحبة للكتاب المقدس بحبه وعلمنا كيف نقرأه بإستمرار أبونا بيشوي كامل مدرسة لا تعلم موضوعات نظرية لكنه مدرسة عملية، هو إنجيل معاش فى حياتنا … سيرته وكتاباته وحياته من خلال خدمتي معه كانت نقطة تحول واضحة فى حياتي ستظل على مدى الحياة سيرة جميلة لقديس معاصر عاش وسطنا كان كاهن لكنه حياة البتولية الكاملة فى قوة جبارة لا يتحملها الكثيرين وكان مثال للآب الذى يجمع بين الحب والحزم، الروحانية والجدية العمل وخدمة الآخرين ليس على حساب خدمته لنفسه فى صلواته وأصوامه وقداساته ولم يتعارض هذا مع ذاك أبداً سؤاله عن كل نفس وكل المحتاجين والأطفال والكبار والصغار إهتمامه بالكنيسة ككل … غرس فى قلوبنا حب الأبدية حب التكريس دون أن يدعو أي أحد فينا جذب الكثيرين من خلال المسيح الساكن فيه إلى حب التكريس
يعوزني الوقت أن أتحدث عن أبونا بيشوي كامل لكن أريد أن أقول أننا جيل سعيد فرأينا أمامنا إنجيل معاش ورأينا مثل رائع من آباء القرون الأولى للمسيحية عاش فى وسطنا وأعطانا المثل الجميل ورأيناه بأعيننا وعشنا معه وتعلمنا منه وسيرته الحلوة تظل بإستمرار مثل أعلى نحتذي به ونتعلم منه على مدى الأيام وأقواله وكتاباته وإن كانت قليلة لكنها عميقة جداً جداً فنحن حتى اليوم نلتقي مع أبونا بيشوي كامل من خلال عظاته المسجلة ومن خلال كتبه التى تنقل لنا روحه الحلوة ولا يسعنا إلا أننا نطلب منه أن يصلي من أجلنا لكي نحن الأحياء نكمل أيامنا فى هذا العالم بسلام ونقول له طوباك ونطلب منك أن تطلب من أجلنا
بركة أبونا بيشوي وكل القديسين تشملنا أمين

 

. قصص من حياة ابونا بيشوى كامل :
فجأة أكتشفت سرقه داخل شقة أبونا بيشوى اتضح بعدها من تتالى السرقات خلال أسبوع واحد أن المفتاح وقع بطريقه ما فى يد غير أمينة…فعمل منه نسخه و كان كلما خرج أبونا و زوجته يدخل الشقة و ياخذ بكامل حريته ما يريد…
فيسرق كل يوم شيئا.ففى أحد الأيام سرق قطعتين من القماش هدية لأبونا من أحد أبنائه فى فرنسا و فى اليوم التالى سرق مجموعة كوفرتات ثم فى يوم آخر الأطباق الصينى كلها وبعض الفوط الجديدة..و هكذا….

ولكن أهم من هذا مبالغ نقدية كانت موجودة فى الدولاب موزعة فى أظرف مكتوب على كل منها اسم صاحبها -اذ لم تكن ملك لأبونا بل امانات عنده- وهنا كانت الحيرة…كيف يرد هه المبالغ لأصحابها؟…
و لكن أبونا الذى عاش حياة التسليم المطلق لارادة الله لم يشغل باله بأمر اعتبره من اختصاص ربنا يسوع و ليس من اختصاصه هو..فقد علمنا المسيح (لا تهتموا)اى لا تحملوا هما …..

و اذا بأبونا يبادر زوجته قائلا( أنتى زعلانه ولا فرحانه))و كان الرد عجبا يا أبى كيف افرح و نحن كل يوم نسلب؟!؟
فأجاب لفوره قائلا(ألا يجب أن نفرح لانه قد أتت الفرصة لتنفيذ آية من الكتاب المقدس وهى(( قبلتم سلب أموالكم بفرح))اذن بدون سرقة فعليه كيف تنفذ مثل هذه الآيه؟
فطأطأت رأسها خجلا..و بعد أيام وصل شيك من الخارج و بالتحديد من الولايات المتحدة باسم أبينا الحبيب بمبلغ 300 دولار علما بأن أبونا لم يكن قد سافر بعد للخارج و لم يكن مع الشيك أى خطاب توضيحى يشير الى جهه صرف المبلغ هل للفقراء أم لبناء الكنيسه أم اى غرض اخر؟.
لذلك انتظر ابونا حوالى ثلاثه أشهر ربما يصله من الراسل اى خطاب على أساسه يتم توزيع المبلغ و لكن لم يصله شئ و عندما طالبه اول شخص برد المبلغ الأمانه التى تخصه سارع بصرف الشيك و توالى رد المبالغ كلها و لم يعلم أحد قط بما حدث من امر السرقة و لا بتدبيرربنا العجيب الذى علمنا أن نلقى على الرب كل أمورنا و هو يعولنا و يفيض أيضا اذ تبقى من المبلغ 20 جنيه…..

.ثقة كبيرة فى عمل الله و تدابيرة لقد علمت أن الله لايترك أحد لقد علمت جيدا أن كل الأشياء تعمل معا للخير لقد تقبلت السرقة بكل شكر و فرح لأنك علمت أنه صليب من المسيح و بدلا من التذمر عشت الآيه التى تقول:قبلتم سلب اموالكم بفرح..فعلا يا أبى لقد كنت انجيل معاش تحول كل ضيقه الى آيه كى تعيشها و تفرح بتنفذها و تترك الضيقه على المسيح الذى يتمجد اسمه مع قدسيه..علمنا حياة التسليم و قبول الضيقات من يد المسيح بكل شكر و سرور لكى تتحول الضيقة الى فرح.بركة صلاتك فلتكن معنا.آمين

أنــــت حرامــــــي…!!!
تقدم أحد الأشخاص لأبونا بيشوى وكان خادما وقال له :” أنا أحيانا اقبل مجدا من الناس وأفرح به” وكان ذلك قبل أحد العشيات ولكن أبونا لم يجاوبه بكلمة ولم يعطه إرشادا وإنما قال له : ” انت هتحضر العشية ؟ ” فأجاب الخادم بالإيجاب وعند بداية العظة فتح أبونا بيشوى النيران على هذا الخادم قال له : من انت يا خادم يا للي بتسرق مجد ربنا .. انت حرامـــــــــي .. بتسرق مجد الله .. انت لا تصلح أن تكون خادما . هو انت نسيت هيرودس اللي سرق مجد الله حصل له ايه ؟ واخذ أبونا العظة كلها على هذا الخادم ، كان الكلام ينزل عليه كالصاعقة التي دمرت فيه كل مجد ارضي زائل وأطفأت فيه كل شهوة مجد شخصي . وما أن انتهت العظة حتى لاحظ … أن كلمة الله أصابت الهدف وان ذلك الشاب انصرف من الكنيسة يدور حول نفسه من قوة الكلمة . وفى اليوم الثاني فوجئً الخادم… بتليفون من أبونا بيشوى الذي قال له : ” ازيك يا فلان ؟ ايه أخبارك ؟” فقال له الشاب : ” العظة كانت شديدة قوى يا أبونا ولم استطع احتمالها ، كانت قاسية للغاية ” . فقال له أبونا : ” ما تخافش لازم نضرب الدمل ونطلع الصديد ولازم تشعر بألم شديد طبعا ولكن أنا بصلي لك ، خليك قوى وأنا معاك اى وقت تعال .” فهل بعد تلك العلقة الساخنة وحكمة أبونا في العلاج يرجع هذا الشاب إلى سرقة مجد الله ؟!!

 

قصة أنا زعلان من ربنا!
زار أبونا بيشوي كامل مريضاً يعاني من آلام شديدة في ظهره؛ وإذ كان أبونا يعزيه بكلمة الرب.
وفي مرارة قال الرجل:- “أنا لا أطلب الشفاء التام! كل ما أطلبه أن يعطيني قوة لكي أقف للصلاة،
وأن ينزع عني الصداع الشديد لكي أركز في الصلاة!
وسط آلامي لا أقدر أن أركز حتى لأتلو الصلاة الربانية”.

– لا تخف فإن كنت عاجزاً عن الحضور إلى الكنيسة، أو الوقوف للصلاة، أو التركيز حتى لتلاوه الربانية،
لكنك تشارك السيد المسيح الساقط تحت الصليب.
أشكره لأنك تشاركه آلامه؛
فقد كان السيد يئن من آلام ظهره بسبب ثقل الصليب لأجلك.

بعد أيام جاءه الرجل في الكنيسة، وقد استقبله أبونا بابتسامته المعهودة وبشاشته المعروفة.
قال الرجل: “أنا (زعلان) من ربنا. حينما استعذبت الألم؛ وحسبت نفسي غير أهل لمشاركة مسيحي آلام ظهره، رفع الألم عن ظهري وشفاني!”

لقد حسب أبونا بيشوي مشاركة السيد آلامه عبادة فائقة، حتى إن حرم الألم الإنسان من الدخول إلى بيت الرب والوقوف للصلاة، إذ يتحول المؤمن المتألم إلى هيكل للمصلوب، وتصير حياته نفسها صلاة دائمة!

بين بساطة الطفولة وحكمة الشيوخ …
يقف الأنسان فى حيرة أمام شخصية أبينا المحبوب القمص بيشوى.
تراه بين الأطفال كطفل يعيش فى عالمهم , لكن فى حكمة الشيوخ.
ففى بساطتهم يحملهم كما بروح الله القدوس ليتمتعوا بالنضوج , ويمارسوا حكمة الشيوخ. وفى وسط الشيوخ تراه شيخآ يسبق سنه بكثير, يتبادل الخبرات معهم , يحترم شيخوختهم وينتفع من خبراتهم ,وهم يعتزون بحكمته وخبرته , ليس كواحد منهم فحسب ,وإنما كمن يسمو بحكمته عليهم. مع هذه البساطة والحكمة تلمس فيه الشخصية المتكاملة غير الأزدواجية , لأن بساطته وحكمته ليسا عن افتعال , لكنهما ثمرة حقيقية لخبرة الحياة مع الله .
يرفع قلبه لله الآب فيجد فى أبوته له عذوبة ودفئآ وحكمة مع البساطة. يلتصق بالسيد المسيح الذى يعشقه, فينهل من بساطته ووداعته وتواضعه كما من حكمته الإلهية .
يمكننى بحق أن أشهد أن بساطته وحكمته كانتا شهادة حية لشركته مع السيد المسيح , وانعكاس لخبرته معه بكونه إنجيلآ معاشآ.

البساطة وعمق الإيمان:

إيماننا دعوة للحياة البسيطة من خلالها يلتقى المؤمن بالله كما بأبيه , ويرتمى فى أحضانه, فينهل من فيض حبه ويتعرف على أسراره.

مع كل صباح جديد يرتفع المؤمن بقلبه كما بعقله وأحاسيسه وعواطفه وكل طاقاته بروح الله القدوس , كمن يدخل إلى خبرة سماوية جديدة ولقاء مع الله مخلصه, كما لو كان لأول مرة .
البساطة مع عمق الإيمان وجهان لحقيقة واحدة , أو هما أختان لا تفترقان , إن نزعت الواحدة زالت الأخرى.

 

 

 

لأنه أية خلطة للبر و الإثم . و أية شركة للنور مع الظلمة ”
(2كو 14:6)
فى إحدى الولايات الأمريكية , بعد عمل احتفال بتذكار نياحة أبونا بيشوي كامل , وزعوا صورته على كل الحاضرين و أخذت هذه السيدة صورة أبونا بيشوى كامل ووضعتها فى حافظتها بجوار صورة شاب تحبه رغم أنها متزوجة .
و فى الليل حلمت بأبونا بيشوى واقفاً أمامها بغضب و قال لها :
+ كيف تضعين صورتى بجوار صورة هذا الشاب الذى تخونين به زوجك , إختارى إما صورتى أو صورته .
استيقظت هذه السيدة من النوم بفزع و ندم شديد على تورطها فى هذه العلاقة و أسرعت إلى حافظتها تمزق صورة الشاب مقررة قطع علاقتها به , و فى اليوم التالى ذهبت إلى الكنيسة و أمام أبونا تادرس يعقوب قدمت توبة حقيقية فى سر الأعتراف .
+ أحضان الله مفتوحة لك مهما كنت ضعيفاً او خاطئاً فهو مستعد أن يسندك و يباركك
فى كل خطواتك بشرط يكون قلبك تائباً و تسعى فى طريق الله فهو يحب الضعفاء
و يحنو عليهم و فى نفس الوقت يرفض المستبحين والمتهاونين الرافضين للتوبة .
+ لا تتهاون مع أى خطية حتى لو كانت صغيرة ,
فبداية القتل خطية غضب و بداية الزنا نظرة شريرة ,
فكن محترساًَ من الخطايا الصغيرة .
+ لا تنس أن جسدك هو هيكل للروح القدس
و أعضاءك هى أعضاء السيد المسيح التى تقدست له فى سر الميرون
فكيف تقدمها للشيطان ؟ إنها ليست ملكك فهل تجعل أعضاء المسيح أعضاء زانية ؟!
أسرع إلى التوبة فهى تحول الزناة إلى قديسين
 

 

 

الصوم

8 أفريل 2010

الصوم

للجسد رغبات خاصة لا يستطيع أن يعيش بدونها .وتنحصر هذه الرغبات في التغذية والشرب والتنفس والملبس والمسكن . فكأن الغاية منها ليست إلا حفظ الجسد صحيحاً وحمايته من الضعف الذي يصحبه الموت . لكن السواد الأعظم من الناس يجهلون هذه الحقيقة فيظنون أنهم لم يخلقوا إلا لكي ينهمكوا في المآكل والمشارب واللذات المختلفة ، وكأنهم يشتركون مع القائلين ” فلنأكل ونشرب لأننا غداً نموت ” ( 1 كو 15 : 32 ) .

ولكن العاقل المنصف هو الذي لا يعطى لجسمه من الرغائب إلا ما هو في حاجة إليه لأن كل ما يزيد عن المقدار الطبيعي يكون ضاراً في معظم الأحيان . فقد يسئ حالته أو يخل نظامه ويجعله يطغى على الروح الطاهرة .        

إن الكثيرين يعيشون في قلق دائم وارتباك مستمر من جهة أمور الجسد . فإذا ما تأملتهم وجدتهم عابسين مكتئبين لأنهم يعولون أجسادهم ، وكأنهم يخافون أن تتخلى عنهم عناية الله فيتعرضوا للجوع أو العطش أو العرى ، ولذلك فهم يقصرون همهم على جمع وتحصيل ما يشتهيه الجسد ، ويواصلون ليلهم بنهارهم في خدمته ، ويا ليت هؤلاء يعلمون أن أي شئ يمكن أن يشبع الجسد ويسد احتياجاته مادام صاحبه قانعاً ” فإن كان لنا قوات وكسوة فلنكتف بهما ” (تى 6 : 8 ) .

الصوم وصية إلهية بل وعطية سماوية أعطاها الله لبنى البشر لكي بواسطته يصلون إلى أعلى الدرجات الروحانية والسمو العقلي فيشتركون مع الملائكة في رؤية المجد الأزلي وتسبيح الذات الأعلى .

وأول وصية أعطيت لآدم في الجنة من قبل الله تعالي هي أن لا يأكل من شجرة معرفة الخير والشر ، وكانت هذه الوصية في حد ذاتها أمراً بالصوم والامتناع من أكل ثمر إحدى الأشجار ليتدرب آدم على قوة الإرادة وصلابة العزم . فيصوم وقت الصوم ويأكل وقت الأكل .  

والواقع أنه كما أن النار تحرق وتطهر من التلوث بالجراثيم والميكروبات وكل ما يسبب الأمراض القاتلة ، هكذا الصوم فإنه يلاش ويقض على كل نزوة طائشة ولذة فاسدة وحركة غير نقية تعمل في النفس لتميل بها إلى جانب الشر والدنس القاتل للنفس .

 

2   ” أذللت بالصوم نفسي ” ( مز 35 : 13 )

الصوم هو فضيلة عظيمة بها نقمع حركات الجسد ونذلله ونطفي حرارته لأن الجسد كلما شبع ثار وكلما ضيق عليه صاحبه في المآكل والمشرب والمسكن وبقية الرغبات هدأ وسكن

إن الذين لا يجعلون للصوم مركزه اللائق به لفي جهل عظيم لأن الصوم ركن أساسي من أركان العبادة ، فكما إننا بالصلاة نعبد الله بنفوسنا فنحن بالصوم نعبده بأجسادنا ، وقد جاء في قوانين الكنيسة ” الصوم زكاة للجسد كما أن الصدقة زكاة المال ” . ولكي يبين السيد المسيح أن الصوم ضروري كما أن الصلاة والصدقة ضروريتان تكلم في عظته على الجبل قائلاً ” فمتي صنعت صدقة .. ومتي صليت .. ومتي صمتم .. ” ( مت 6 : 5 6 ) .

    

3 ثالوث الفضائل

عندما نتحدث عن الصوم نكون قد أمسكنا مثلثاً من أحد أضلاعه الثلاثة التي رسمها السيد المسيح في موعظته على الجبل حين تناول الكلام عن الصدقة فقال : احترزوا من أن تصنعوا صدقتكم قدام الناس لكي ينظروكم . و عن الصلاة بقوله:ومتى صليت فلا تكن كالمرائين فإنهم يحبون أن يصلوا قائمين في المجامع وفي زوايا الشوارع لكي يظهروا للناس. وعن الصوم عندما قال : ومتى صمتم فلا تكونوا عابسين كالمرائين فإنهم يغيرون وجوههم لكي يظهروا للناس صائمين.(مت ص 6 ) .

واقتصار السيد المسيح على الكلام عن هذه الفضائل الثلاث و تصحيح الأخطاء التي وقع فيها الفريسيون من جهة هذه الفضائل بإساءة استعمالها ، أمر له دلالته وقوته لأن ثالوث هذه الفضائل هو تعبير للحياة الدينية التي قال عنها يعقوب الرسول : الديانة الطاهرة النقية عند الله الأب هي هذه افتقاد اليتامى و الأرامل في ضيقاتهم وحفظ الإنسان نفسه بلا دنس من العالم ( يع 1 : 27 ) ، وما افتقاد اليتامى و الأرامل في ضيقاتهم إلا بالصدقة وما يحفظ نفس الإنسان من دنس العالم غير الصلاة و الصوم ؟

 

4 الصوم يمسك الصلاة بيمينه و الصدقة بشماله

الكلام عن الصوم هو إمساك لمثلث الحياة الدينية من أحد أضلاعه لأن من يمسك ضلع الصوم بيده يمسك ضلعي الصلاة و الصدقة باليد الأخرى ، لأنه قد يصلي الإنسان دون أن يكون صائماً أو متصدقاً حال الصلاة و كذلك يتصدق الإنسان دون أن يكون صائماً أو مصلياً حال تقديم الصدقة . ولكن الصائم لابد له حال صيامه أن يكون مصلياً لأن الصوم ما هو إلا ظرف لتقديم الصلاة كما هو واضح من الكتاب المقدس الذي ذكر الشيء الكثير عن الذين صاموا كيف أنهم صاموا وصلوا .

 

وكذلك يكون أيضاً متصدقاً لأن الصوم يكون باطلاً بدون الصدقة كما يقول إشعياء النبي : ” أليس هذا صوماً أختاره أن تكسر للجائع خبزك وأن تدخل المساكين التائهين إلى بيتك ، إذا رأيت عرياناً أن تكسوه وأن لا تتغاضى عن لحمك ” ( اش 58 : 6 ، 7 ) . فالصوم إذن يمسك الصلاة بيمينه و الصدقة بشماله .

5 الصوم عن الطمع و الشراهة

إن الطمع و الشراهة مرضان قلما يسلم إنسان منهما . و بسببها يترك المرء خالقه و ينسى الاهتمام بروحه لكي يجمع ويكدس ويذخر الخيرات الزمنية التي يتلذذ بها جسده ، ولذلك يقول الكتاب ” اهتمام الجسد عداوة لله ” ( رو 8 : 7 ) . و الرسول يعطي لغير القانعين درساً بقوله ” تعلمت أن أكون مكتفياً بما أنا فيه . أعرف أن أتضع وأعرف أيضاً أن أستفضل في كل شئ . وفي جميع الأشياء قد تدربت أن أشبع وأن أجوع . وأن أستفضل وأن أنقص . أستطيع كل شئ في المسيح الذي يقويني ” ( في 4 : 13 ) .

 

فما أجمل أن يتعلم الإنسان من رسول الأمم كيف يرضى بحالته ويقتنع بما أعطاه الله فلا يتذمر إذا أمتلك قليلاً و لا يتجبر إذا ملك كثيراً . بل يلزم الرضى و الشكر في كلتا الحالتين . و أعظم مدرسة للتدريب على ذلك هي مدرسة الصوم .

 

6 –  الصدقة طبيعة في الإنسان

الصدقة طبيعة في الإنسان لأن أحط الناس أخلاقاً وأبعدهم عن الدين و الفضيلة تراه بطبيعته يتصدق ويحسن والقول الشائع ” ليتها ما زنت و لا تصدقت ” أكبر دليل على أن الصدقة ميل طبيعي في الإنسان يندفع إليها بعامل في نفسه .

وليس الإنسان وحده متصدقاً بل وعالم الطير و الحيوان أيضاً فطالما أرضعت البقرة أو المعزى يتيماً من نوعها أو من البشر وقد رأى بعضهم حمامة كانت تعرج على عش فيه فراخ صغيرة تركتها أمها ولم تعد إليها لأن صياداً كان قد اصطادها فلم يسع هذه الحمامة إلا أن تصدقت على هذه الفراخ الصغيرة اليتيمة بأنها في كل مرة تأتي حاملة الحبوب في حوصلتها لفراخها تعرج على الفراخ اليتيمة وتضع في أفواهها جزءاً مما أعدته لفراخها .

وكذلك أيضاً عالم النباتات يتصدق وذلك بأن الشجرة إذا ما ارتوت بالماء تركت ما فاض عنها وبقى بعد شربها لبقية الأشجار الأخرى وكذلك الأغصان و الأثمار إذا ما أخذت كفايتها من عصير الشجرة تركت الباقي لبقية الأغصان و الثمر .

وكذلك عالم الجماد يتصدق على النحو الذي يتصدق به الأشجار فإذا ما ارتوت أرض بالماء تركت الباقي يفيض إلى الأرض الملاصقة لها ولو بطريق ” النشع ” الارتشاح .

 

7 الهزيمة المضمونة

وفي الصوم نجاهد في معركة مع إنساننا الداخلي ، ونبدأ نتعلم حياة التوبة ، يقول القديس يوحنا فم الذهب : ” أي زمان هو أوفق للتوبة من زمن الصوم ” . و التوبة في أروع تعريف لها هي تغيير الاتجاه . فإن كنا في البداية لا نغير اتجاه سيرنا المنحرف فكيف نقدم على حرب الجهاد إذ لا نتوقع حينئذ سوى الهزيمة المضمونة . يقول القديس يوحنا كاسيان ” لا نستطيع أن ندخل في معركة مع إنساننا الباطن ما لم نتحرر من رذيلة الشراهة ، يجب أولاً أن نثبت أننا قد تحررنا من الانقياد للجسد .. من المستحيل على المعدة الممتلئة بالطعام أن تدخل في محاول للنضال مع الإنسان الداخلي ، ومن يتغلب في مناوشة تافهة لا يستأهل للدخول في جولات أعنف روحياً .

 

8 الصلاة طبيعة من طبائع الناس

إن الصلاة طبيعة من طبائع الناس يندفع إليها و يمارسها كعمل من أعمال كيانه وكوظيفة من وظائف حياته الطبيعية أليست الصلاة هي الطلب ؟! و أليس الطلب طبيعياً في الإنسان ، يطلب وهو طفل و يعبر بحركات وصرخات ويطلب كل أيام حياته وكل دقائق ساعاته من كل الذين تتصل بهم معيشته و حاجاته .

بل والناس عموماً على اختلاف أجناسهم وأديانهم يصلون حتى الكفرة يشعرون في أوقات الشدة و المخاوف بدافع يدفعهم للجثو على ركبهم للصلاة و التذلل و الاستعانة وكذلك الذين يقعون تحت عبء المسئوليات الخطيرة تراهم يهرعون إلى الصلاة .

وليس الإنسان فقط هو الذي يصلي وحده بدافع من طبيعته بل الطيور بتغريدها وزقزقتها تصلي و الحيوانات بحركاتها وأصواتها تصلي وتطلب من أصحابها حاجتها بل و تصلي إلى الله على حد قول المرنم ” هذا البحر الكبير الواسع الأطراف، هناك دبابات بلا عدد صغار حيوان مع كبار .. كلها إياك تترجى لترزقها قوتها في حينه “( مز 104 : 25 27 ) . وقوله: سبحي الرب من الأرض أيتها التـنانين وكل اللجج. النار والبرد والثلج والضباب والرياح العاصفة الصانعة كلمته..الجبال وكل الآكام الشجر المثمر وكل الأرز والوحوش وكل البهائم الدبابات والطيور ذوات الأجنحة(مز148: 7 – 10) .

ولفعالية الصوم ، نجد ارميا النبي في العهد القديم ، يرى ضرورة اقترانه بالقراءة في الكتاب المقدس “وأوصى ارميا باروخ قائلاً .. فأدخل أنت و أقرأ في الدرج الذي كتبت عن فمي كل كلام الرب في آذان الشعب في بيت الرب في يوم الصوم ” ( أرميا 36 : 5 6 ) .

كما أوضح دانيال النبي ضرورة أن يقترن الصوم بالتذلل و الصلاة و التوبة و الاعتراف قائلاً ” فوجهت وجهي إلى الله السيد طالباً بالصلاة و التضرعات .. بالصوم و المسح و الرماد وصليت إلى الرب إلهي واعترفت وقلت أيها الرب الإلهة العظيم .. أخطأنا وأثمنها و عملنا الشر و تمردنا وحدنا عن وصاياك وعن أحكامك ” ( دا 9 : 3 5 ) .

وفي العهد الجديد ، عندما بدأ السيد المسيح الإله الكلمة المتأنس خدمته الجهارية نجده يوضح كيفية ممارسة الصوم ، و يعلن عن نتيجة الصوم قائلاً ” أما أنت فمتى صمت فأدهن رأسك و أغسل وجهك لا لكي تبدو صائماً للناس بل لأبيك الذي يرى في الخفاء . فأبوك الذي يرى في الخفية يكافئك علانية ” ( متى 6 : 17 17 ) .

كما أعلن رب المجد أن الصوم في حد ذاته ليس له قوة أو فاعلية ما لم يقترن بالصلاة ” إن هذا الجنس لا يخرج إلا بالصلاة و الصوم ” ( متى 17 : 21 ) . وكما أن الصوم بدون صلاة ليس له قوة ، كذلك نجد أن الصوم بدون صدقة ، صوم مرفوض من الله ” طوبى لمن يتعطف على المسكين و الفقير في يوم الشر ينجيه الرب ” ( مز 41 : 1 ) .

 

9 الصوم و الكتاب المقدس و كنيستنا القبطية

مارس أنبياء العهد القديم الصوم ، وعلموا بممارسته لما له من فاعلية في ضبط الحواس الإنسانية و السمو بها و الخلاص من الضيقات و الأعداء ، نذكر منهم :

موسى النبي :

عندما أراد الرب الإله تسليم أحكام الشرائع الإلهية مكتوبة لموسى النبي ، جعله يتهيأ لذلك بصومه على جبل سيناء أربعين نهاراً و أربعين ليلة ” و كان هناك عند الرب أربعين نهاراً و أربعين ليلة لم يأكل خبز ولم يشرب ماء ( خروج 34 : 28 ) وعندما كسر موسى النبي لوحا العهد بعد أن رأى العجل المسبوك الذي صنعه بني إسرائيل وعبدوه أثناء تواجده على جبل سيناء ، صام مرة ثانية ليتهيأ لاستلام بدلاً منها من الله ” ثم سقطت أمام الرب كالأول أربعين نهاراً و أربعين ليلة لا آكل خبزاً ولا أشرب ماء من أجل كل خطاياكم التي أخطأتم بها بعملكم الشر أمام الرب ” ( تثنية 9 : 18 ) .

إيليا النبي :

عندما أرادت إيزابيل قتل إيليا النبي كما قتل هو جميع أنبياء البعل ، و أرسلت إيزابيل آخاب ليعلمه بذلك ، صام أربعين نهاراً و أربعين ليلة عند هروبه إلى جبل حوريب ” فقام وأكل وشرب وسار بقوة تلك الأكلة أربعين نهاراً وأربعين ليلة إلى جبل حوريب”(1ملوك9 : 18).

آخاب الملك :

حتى آخاب الملك الشرير ، عندما سمع كلام إيليا النبي بما سيحل عليه من ضيقات و آلام ، نراه يذلل نفسه بالصوم ” ولما سمع آخاب هذا الكلام شق ثيابه وجعل مسحاً على جسده وصام واضطجع بالمسح ومشى بسكوت ” ( 1 ملوك 21 : 27). وقد استجاب الله لتذلله وقال لإيليا ” فمن أجل أنه قد أتضع أمامي لا أجلب الشر في أيامه ، بل في أيام أبنه أجلب الشر على بيته ” ( 1 ملوك 21 : 29 ) .

يهوشا فاط ملك يهوذا :

عندما علم يهوشا فاط الملك باستعداد بنو مؤاب وبنو عمون ومعهم العمونيون لمحاربته ” طاف يهوشا فاط وجعل وجهه ليطلب الرب ونادى بصوم في كل يهوذا “(2أخبار 20  3).

عزرا النبي :

عندما صام للنصرة على العدو ” وناديت هناك بصوم على نهر أهوا لكي نتذلل أمام إلهنا لنطلب منه طريقاً مستقيمة لنا ولأطفالنا ولكل ما لنا .. فصمنا وطلبنا ذلك من إلهنا فاستجاب لنا ” ( عزرا 8 : 21 23 ) .

نحميا النبي :

عندما علم أن اليهود الباقين من السبي ” في شر عظيم وعار وسور أورشليم متهدم وأبوابها محروقة بالنار يقول” جلست و بكيت ونحت أياماً وصمت أمام إله السماء”(نحميا1: 3 4 ) .

أستير :

عندما طلبت أستير من مردخاي أن يصوم جميع اليهود لخلاصهم من مكيدة هامان قائلة لمردخاي ” أذهب أجمع جميع اليهود الموجودين في شوشن وصوموا من جهتي ولا تأكلوا ولا تشربوا ثلاثة أيام ليلاً و نهاراً . وأنا أيضاً وجواري نصوم كذلك ” ( أستير 4 : 16 ) .

داود النبي :

يقول ” أذللت بالصوم نفسي .. وأبكيت بصوم نفسي .. ركبتاي ارتعشتا من الصوم ولحمي هزل عن سمن ” ( مزمور 35: 13 ، 69 : 10 ، 109 : 24 ) .

إشعياء النبي :

يوضح شروط الصوم المقبول عند الله قائلاً ” أليس هذا صوماً أختاره ، حل قيود الشر . فك عقد النير وإطلاق المسحوقين أحراراً وقطع كل نير ، أليس أن تكسر للجائع خبزك وأن تدخل المساكين التائهين إلى بيتك . إذا رأيت عرياناً أن تكسوه وأن لا تتغاضى عن لحمك ” ( أش 58 : 6 17 ) .

كما يوضح إشعياء النبي أسباب عدم قبول الله لأصوام البعض قائلاً :”ها إنكم في أيام صومكم توجدون مسرة وبكل أشغالكم تسخرون. ها إنكم للخصومة والنزاع تصومون ولتضربوا بكلمة الشر..أمثل هذا يكون صوم أختاره “(أش58: 3 – 5 ).

ارميا النبي :

يعلن أن الرب الإله لا يقبل صوم الخطاة الذين لا يريدوا الرجوع عن خطاياهم قائلاً ” حين يصومون لا أسمع صراخهم وحين يصعدون محرقة وتقدمة لا أقبلهم بل بالسيف و الجوع و الوباء أنا أفنيهم ” ( إر 14 : 12 ) .

يوئيل النبي :

يقول : ” قدسوا صوماً نادوا باعتكاف .. واصرخوا إلى الرب ” ( يوئيل 1 : 14 ) .

يونان النبي :

يقول : ” فآمن أهل نينوى بالله ونادوا بصوم ولبسوا مسوحاً من كبيرهم إلى صغيرهم ” ( يونان 3 : 5 ) .

السيد المسيح و الرسل و الصوم :

صام السيد المسيح ليكون لنا مثالاً نحتذي به وليعلمنا أنه بالصوم نستطيع أن نضبط حواسنا ، وبالتالي نستطيع أن ننتصر على الشيطان ، وننجو من التجارب ” فبعد ما صام أربعين نهاراً وأربعين ليلة جاع أخيراً . فتقدم أليه المجرب .. حينئذ قال يسوع أذهب يا شيطان .. ثم تركه إبليس وإذا ملائكة قد جاءت فصارت تخدمه ”  ( متى 4 : 1 11 ) .

وقد صام التلاميذ والرسل بعد أن صعد السيد المسيح جسدياً إلى السماوات بعد أن تم الفداء المجيد وقام منتصراً على الموت ” وبينما هم يخدمون الرب ويصومون قال الروح القدس افرزوا لي برنابا وشاول للعمل الذي دعوتهما أليه . فصاموا حينئذ وصلوا عوا عليهما الأيادي ثم أطلقوهما ” ( أعمال 13 : 2 3 ) . 

وقد أعلن الرسول بولس أنه استطاع أن ينتصر على المحاربات والمكائد العديدة بالصوم ” في أتعاب في أسهار في أصوام .. في جوع وعطش في أصوام مراراً كثيرة ” ( 2 كورنثوس 6 : 5 ، 11 : 7 ) .

لذلك ومن أجل فوائد الصوم الروحية والصحية ، يصوم المسيحيون كثيراً ، وفى المسيحية سبعة أصوام عامة ، هي فترات تعبدية يشارك فيها جميع المسيحيين . والاصوام العامة هي غير الأصوام الفردية ، والصوم الفردي هو ما يفرضه الإنسان على نفسه ، تعبداً لله ، أو استغفاراً وطلباً لرحمة الله ورضاه عنه ، أو طلباً للخلاص من ضيقة أو شدة نزلت به أو نزلت بأسرته .

أما الأصوام السبعة فهي :

( 1 ) الصوم المقدس ” الكبير ” : وعدد أيامه 55 يوماً ، الأربعون يوماً التي صامها مخلصنا له المجد ، أما الخمسة عشر يوماً الباقية فهي عبارة عن أسبوعي الاستعداد والآلام.

( 2 ) صوم الميلاد : وعدد أيامه 43 يوماً ، يبتدئ دائماً من 16 هاتور وينتهي بعيد الميلاد الذي يقع في 29 كيهك أو 28 منه إذا كانت السنة السابقة كبيسة .

( 3 ) صوم الرسل : وعدد أيامه يزيد وينقص حسب القاعدة المتفق عليها من المجامع المقدسة المسكونة لضبط عبد الفصح حتى لا يعيد المسيحيون مع اليهود وتتراوح مدته بين 15 و 49 يوماً ، ويبتدئ دائماً بيوم الاثنين الذي يلى عيد العنصره وينتهي باليوم الرابع عشر من أبيب ، وقد أخذته الكنيسة عن الرسل شكراً لله علي ما أنعم به على أبنائها وبناتها من مواهب الروح القدس .

( 4 ) صوم القديسة مريم العذراء : ومدته 15 يوماً يبتدئ بأول شهر مسرى وينتهي باليوم الخامس عشر منه ، وأن أول من صامه هي القديسة مريم حسب شهادة التاريخ الكنسي .

( 5 ) صوم أهل نينوى : الذي نجت به تلك المدينة من غضب الله وحازت رضاه ، وعدد أيامه ثلاثة ويبتدئ عادة بيوم الاثنين وينتهي بيوم الأربعاء و فصحة الخميس دوماً وهو يسبق الصوم الكبير بخمسة عشر يوماً .

( 6 ) صوم يومي الأربعاء والجمعة : على مدار السنة ما عدا أيام الخمسين وعيدي الميلاد والغطاس إذا اتفق فيهما ، وهذان اليومان الأربعاء والجمعة الأول تذكار المؤامرة على السيد المسيح والثاني تذكار صلبه المجيد .

( 7 ) البرامون : ومعناه الاستعداد ويقع قبل عيدي الميلاد والغطاس وتتراوح مدته بين يوم وثلاثة أيام ، فإذا وقع العيد كان البرامون يومين ، وإذا وقع يوم الاثنين كان البرامون ثلاثة أيام وما عدا ذلك فهو يوم واحد .

وقد وضعت الكنيسة ” البرامون ” ليستقبل المؤمنون العيد بما يتفق وكرامته السامية من طهارة جسدية ونقاوة وانسحاق روحي ، تلك التي يساعد الصوم على الحصول عليها مساعدة فعلية لأنه ينبوع الكمالات الروحية والأدبية . هذه الأصوام المقدسة موضوعة لجميع المؤمنين ولا يعفى منها إلا الأطفال والمرأة في حالة وضع والشيوخ الذين تقدمت بهم السن لدرجة معها لا يستطيعون الصوم والمرضى وبذلك تبلغ أيام الأصوام السبعة 239 يوماً أي نحو ثلثي أيام السنة .

 

10 بدعة أسمها الرفاع

حسناً نفعل إذا كنا نستعد لكل خطوة نخطوها فى جهادنا الروحي .. ولكن ليس كل استعداد يمكن أن يرضى الله لأن طريقة الاستعداد قد تقلب الأمور رأساً على عقب . وليس الاستعداد الخاطئ بغريب علينا بل أننا نصنعه قبل كل صوم .

وهذا الاستعداد الخاطئ ما هو إلا بدعه .. بدعه لابد أن نحاربها لأنها تشهد علينا بأننا لم نتفهم معنى الصوم في أعماقه بعد .. فلندخل إلى الأعماق إذن لنواجه هذه البدعة الصغيرة الخطيرة ، إنها بدعه ” الرفاع ” كما نعرفها ونسميها .   

وماذا نرى في هذه المهزلة ؟ نرى الحكمة الإنسانية عندما تفضح جهلها بنفسها فنعرف أن حكمة هذا العالم جهالة أمام الله .. ماذا نرى ؟ موائد معدة من كل ما تشتهيه النفس من مأكولات ومشروبات .. غداً سأصوم فاشبعي يا نفسي وتلذذي لأنني سأحرمك من هذه الأطعمة الشهية لفترة من الزمن .. غداً سأصوم فلتمتلئ معدتي من الأطعمة المغذية الدسمة لأعوض ما سيفوتني منها أثناء الصوم ، هلم فلنسهر حتى منتصف الليل لنستطيع أن نلتهم أكبر كمية ممكنة .

 

11 أثر الموائد الشهية في الرفاع

ولكن .. ! ولكن ما هو أثر المائدة الشهية ؟

من الناحية الجسدية .. يوم متعب لإجهاد المعدة الزائد ، وحتى في هذا اليوم لا يبقى أثر لطعمها اللذيذ الذي كنت اشتهيه قبل الأكل .. لقد أصبحت مجرد ذكرى ، وإن زادت الطاقة فإن للجسم طاقة محدودة لابد أن يطرد ما يزيد عنها خارجاً .. وإن اختزان الجسم شيئاً بتحويله إلى جزء من جسدنا فإن هذا الجزء تافه وضئيل لا يستطيع أن يكون سنداً ومعوضاً لفترة صوم طويلة تلي هذا الرفاع .

ومن الناحية الروحية تظهر خطورة هذا الأثر بصورة لا تقبل الاحتمال .. فإن هذا الرفاع لا يعنى إلا أننا وإن كنا قد نوينا أن نتمتع عن هذه الأطعمة فأننا مازلنا نحبها ونشتهيها .. إننا نثير شهوة حب الطعام فينا عند بدء الصوم .. والشهوة إن ثارت من الصعب عليها السكوت إن لم نشبعها .. إننا في الصوم نريد أن نبدأ مرحلة لتدريب الروح لكننا مازلنا نتمسك بكل العالم ومشتهياته .  

  

12 من البداية

إذا أردنا للسفينة أن تعبر بحرا فإن بداية الرحلة هي أن تترك السفينة الشاطئ وتندفع في البحر نحو هدفها .. ولكن لو فكر قبطانها أن يرفعها على الشاطئ أولاً ويجففها لأنها ستظل مبتلة في الماء طوال الرحلة فأنه عند رغبته في بدء الرحلة سيتعطل إلى حين دون فائدة . أفلا تكون هذه بداية سيئة للرحلة .. أليس هذا هو المنطق الخاطئ في بدعه الرفاع إذا نعطل الاستفادة بالصوم لأننا قد وضعنا في قلبنا حب الجفاف الروحي .. لماذا نطيع الجسد ونشبع شهواته للطعام ؟ فإن شبع وامتلأت المعدة صعبت السيطرة عليه .   

ابدأ حسناً تكمل حسناً ، والبداية الرديئة لا تتبعها إلا رحلة ردية ، الصوم وسيلة يمكن بواسطتها أن نتسامى بالروح إلى السماء والأكل بشراهة وتلذذ يربطنا أكثر بالأرض ويمنع انطلاقنا إلى السماء  .. فإن بدأنا نقوى أربطتنا بالأرض قبل بدء الرحلة إلى السماء فهل يكون هناك شئ غريب إذا لم ننطلق .. إن كانت الرحلة في طريق الشرق ثم بدأناها بأول خطوة في طريق الغرب فهل الاتجاه صحيح . 

لهذا نستطيع أن نقول أن الرفاع والاهتمام بالمأكولات فيه إنما يدل على أنه مازال للشره مكان فينا .

 

13 الصوم والانقطاع عن الطعام

هذا و لا يوجد صوم بدون فترة انقطاع . فجميع الأصوام لا بد أن تمارس بالانقطاع أولاً عن الأكل مدة محددة ثم يتناول الصائم أطعمة خاصة بالصوم .

فالصوم الكبير مثلاً يجب أنه تكون فترة الانقطاع فيه إلى الغروب ومثله صوم برامون الميلاد والغطاس إلى آخر النهار أيضاً . وصوم الميلاد وصوم الرسل إلى الساعة الثالثة بعد الظهر ومثلهما صومي يوم الأربعاء والجمعة . وصوم يونان الانقطاع فيه عن الأكل إلى آخر النهار . وصوم العذراء لابد من فترة الانقطاع فيه أيضاً شأن الأصوام السابق ذكرها .

وإذا أراد أحد أن يزيد فترة الانقطاع في الأصوام أو ينقص منها فليس له أن يفعل ذلك إلا بعد الرجوع إلى أب الاعتراف ليرى ما يتفق وحالة الصائم الروحية والجسدية أيضاً .

وهنالك بعض المؤمنين الذين يرفضون على أنفسهم أصواماً خاصة غير أصوام الكنيسة المحددة لظروف خاصة بهم ، هؤلاء أيضاً لا يجوز لهم أن يفعلوا هذا إلا بعد الرجوع إلى أب الاعتراف وإعطائهم الحل بالصوم .

 

14 الصوم والتقشف

علينا أن نجعل رغبات الجسد أمور ثانوية، ونهتم بالأولى بإشباع أرواحنا وتحصيل حاجياتها كما يقول المخلص ” اطلبوا أولاً ملكوت الله وبره وهذه كلها تزاد لكم ” ( مت 6 : 33 ) .            

الصوم والتقشف هما بلا شك علاجان ناجحان لمداواة الطمع والشرهة . والتاريخ مملوء بأمثال هؤلاء الأفاضل الذين زهدوا في العالم وتقشفوا في أمور الجسد فزادت فضيلتهم وخلدوا لأنفسهم في أحسن الذكرى . فأيليا النبي صام أربعين يوماً ولما اختبأ عند نهر كريث كان يعتمد على الخبز واللحم اللذين كان الغراب يحضرهما أليه ، ويوحنا المعمدان يضرب أعظم مثل في العفة لأنه لم يكن ألا وبر الإبل ومنطقة من جلد على حقوبه ، ولم يأكل إلا جراداً وعسلاً برياً ( مر 1 ) وربنا يسوع المسيح وتلاميذه رضوا بما كان يقدم لهم من طعام وما تحصلوا عليه من لباس دون أن يشكو أو يتذمروا حتى أنه  له المجد أوصى تلاميذه قائلاً ” لا تقتنوا ذهباً ولا فضة ولا نحاساً في مناطقكم ولا مزوداً للطريق ولا ثوبين ولا أحذية ولا عصا ” ( مت 10 : 9   10 ) .

 

15 الصوم ليس تحكماً من الله فينا. بل هو نافع لنا

الصوم عندنا جميعاً فضيلة نتقرب بها ألي الله ، وهي مقررة في الكتب المقدسة منذ القديم ، منذ أن خلق الله الإنسان فهي أول وصية أوصى الله الإنسان بها ، فقد جاء في سفر التكوين ، أول أسفار الكتاب المقدس ، ” وأخذ الرب الإله آدم وجعله في جنه عدن ليفلحها ويحرسها ، وأوصى الرب الإله آدم قائلاً : من جميع شجرة الجنة تأكل . وأما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها ، فإنك يوم تأكل منها موتاً تموت ” ( التكوين 2 : 15  17 ) .

وتتابعت بعد ذلك الأوامر الإلهية بممارسة الصوم في مناسبات متعددة ، منها مناسبة نزول الشريعة على يد النبي موسى ، والأنبياء اللاحقين ومنهم إيليا وإليشع ، وأشعياء ، وارميا ، وحزقيال ، و دانيال ، وأيوب ، ويونان وغيرهم ، ثم جاء السيد المسيح له المجد ومارس الصوم . وأمر به ومارسه تلاميذه الحواريون وأمرا به إلى اليوم .

على انه ينبغي أن نقرر هنا أن الله أمر بالصوم للإنسان لخير الإنسان ، فالله خالقنا وربنا لا يأمرنا بالصوم ليتحكم فينا ، ولا لمجرد امتحان طاعتنا له ، ولكنه له المجد يأمرنا ويوصينا دائماً بما هو نافع لنا ، ومفيد لحياتنا ومسيرتنا في الدنيا ، ولحياتنا آلاتية .

 

16 خطورة الرفاع

لقد أدركت الآن خطورة بدعة الرفاع . إنها بداية سيئة للصوم فيها نتعلق بشهواتنا ولا نرتضى بتركها ، نرضى أجسادنا فنفقد السيطرة على أرواحنا ، نضمن الهزيمة ، نقيد انطلاق الروح ، نبدأ في طريق السقوط ، ننسى الله ، ونرتبط بقيود الشر . إنها تقترن بالشهوة ، والشهوة إذا حبلت تلد خطية ، والخطية إذا كملت تنتج موتاً ( يع 1 : 15 ) . وقد يؤدى الشره وشهوة الطعام إلى هذا الموت في خطوات قاسية بعد أن يحطم الإنسان . تعالى نسمع القديس يوحنا الدرجي . ماذا يقول ؟! 

فتح شيطان شراهة البطن فمه وقال : إن أبني البكر هو خادم الزنا ، وأخوه هو قساوه القلب وثالثهم كثرة النوم والتلذذ بالفراش ، أما بناتي فهن الثرثرة والنكتة وحب التزين أما آخر أولادي فهو قطع الرجاء .               

وهذا هو ما نخشى الوصول أليه ، وأن نقطع رجاءنا في المسيح لكن ماذا ننتظر إذا كنا نبدأ الجهاد بالخطية مع الإصرار على ارتكابها فكيف نستطيع أن نكمل حسناً . خير لك إذا تناولت ما تشتهيه يوم الرفاع أن تؤجل صومك لتبدأه بدون شهوة من أن تبدأه على هذا الصورة لأنك في بدايته ستسقط وقد تفقط الرجاء .

 

17 على صورته ومثاله

إذا كان الله قد خلقنا على صورته ومثاله فهو يرسم لنا صورة الحياة على صورة أقانيمه ومثالها فكما أن الله واحد مثلث الأقانيم هكذا جعل تعبيرات حياتنا المخلوقة في صورته ثلاث أيضاً هي الصداقة والصلاة والصوم فالصدقة تمثل إحسان الأب وعطفه ، والصلاة تمثل ثقة الابن الذي يطلب من أبيه ، والصوم في حميته وتنقيته وتطهيره للروح والجسد يمثل الروح القدس المجدد المقدس والمطهر للإنسان .

18 سلاح في وجه الشيطان

وللصوم فوائد كثيرة جداً فهو السلاح الذي يمكننا أن نرفعه في وجه الشيطان ونغلب به الخطية ” وأما هذا الجنس فلا يخرج إلا بالصلاة والصوم ” ( مت 17 : 21 ) وهو الذي يرفع غضب الله عن الناس ويمحو خطاياهم ، والدليل على ذلك أن أهل مدينة نينوى لما تابوا وصلوا وصاموا رفع الله قصاصة عنهم ( يو 3 ) وأخاب الملك لما صام وبكى كان كلام الرب إلى ايليا ” هل رأيت كيف أتضع آخاب أمامي فمن أجل أنه قد أتضع أمامي لا أجلب الشر في أيامه ” ( 1 مل 21 : 29 ) ولقد مارسه القديسون حينما كانوا يطلبون إرشاد الله كما فعل عزرا لما رغب أن يطلب من الله طريقاً مستقيماً ( عز 8 : 21 ) وكما فعل الرسل حينما أزمعوا على إرسال بولس وبرنابا ( أع 13 : 1  3 ) .

وفضلاً عن ذلك فإن الصوم يرقي عواطفنا ويسموا بأخلاقنا ويعلمنا الرحمة بالفقراء والمساكين .

 

19 التخلص من خطية الرفاع

إذا أردت أن تتخلص من الخطية الرفاع على وجه الخصوص ومن أي خطية أخرى على وجه العموم .. فعليك أن تنظر هل سبق أن سقطت في هذه الخطية ؟! إنه بداية الانتصار تكون حينما تقرر صادقاً أن آخر مرة لارتكبها هي المرة التي مضت .. ذلك أننا نحب الخطية ونتلذذ بها فنقول لأنفسنا قبل السقوط : هذه هي آخر مرة أصنع فيها هذا العمل لأودع الشر إلي غير رجعة .. وبعد السقوط قد أصارع بين الرغبة في التخلص من الخطية وبين التلذذ بها فأوفق توفيقاً خاطئاً بقولي : ” ستكون المرة الأخيرة هي المرة القادمة ” وهذه المرة لن تأتي أبداً لأنها تتجدد من ذاتها ، كن جاداً في المعاملة ذاتك وقرر أن آخر مرة هي التي مضت .          

أما إذا كنت تريد ألا تسقط في الخطية لم ترتكبها بعد فإن المبدأ الأساس هو أن تجعل في ذهنك ألا تسقط فيها المرة الأولى ذلك أن المرة الأولى في الخطية يصعب أن تكون هي المرة الأخيرة . فما دمت محافظاً علي عدم السقوط للمرة الأولى فأنك توفر على نفسك عناء الجهاد بعد السقوط ، والجهاد قبل السقوط أروع منه بعده .

 

20 الصوم سلاح نال به القديسين إكليل النصر

وذلك لأنه أثناء الصوم يكون العقل مستعداً أن يحتمل أشد الضربات وأسوا الحوادث دون أن يهتز كما أنه بالصوم يخلص الإنسان من الخطية والتجارب التي تواجهه في الحياة مع الصلاة أيضاً كما علمنا السيد المسيح له المجد بأن الصوم والصلاة يهزمان أعظم قوة في العالم ( الشيطان ) .

والصوم لازم بل وضروري للجميع دون استثناء ما عدا الأحوال المذكورة سابقاً ، لأنه يعيننا بنعمة الله على محاربة الخطايا الكامنة في أعضائنا والمحيطة بنا في كل حين ، ويساعد النفس على ضبط الشهوات الجسدية والعواطف الروحية حيث تسمو النفس بأجنحة الأيمان والمحبة نحو الله المصدر الوحيد لحياتها وأفراحها الطاهرة .

والأدلة والشهادات على وجوب الصوم كثيرة وصادقة ، فالكتاب المقدس يؤيد الصوم ويأمر به في مواضع وآيات عدة منها ما جاء في سفر أعمال الرسل ( أع 13 : 2 ) وبينما هم (الرسل ) يخدمون الرب ويصومون قال الروح القدس افرزوا لي برنابا وشاول للعمل الذي دعوتهما أليه ، وذلك وفقاً لقول السيد المسيح له المجد .. حين يرفع العريس عنهم يعنى صعود المسيح فحينئذ يصومون ( مت 9 : 15 )  .

وقد أجب السيد المسيح الصوم على تابعيه إذ قال : ” ومتى صمتم فلا تكونوا عابسين كالمرائين ” أما الأنبياء والرسل وسائر القديسين والأتقياء المشهود لهم فقد اهتموا بالصوم اهتماما فائقاً واعتبروه من أوائل الواجبات المقدسة عليهم لجلب رضى الله عنهم ، وإنقاذهم من الشدائد والضيقات التي كانت تعترضهم في حياتهم .  

فموسى صام مرتين ، كل مرة أربعين يوماً وأربعين ليلة ، و إيليا صام أربعين يوماً وأربعين ليلة ، و أستير صامت هي وشعبها ثلاثة أيام بلياليهما فأنقذها الله وشعبها من مكيدة هامان ورد شره على رأسه ، و دانيال صام ثلاثة أسابيع لم يأكل فيها لحماً ولا طعاماً ، فأعلن له الرب أسرارا عظيمة تتعلق بشعبة ودولاً أخرى . وأهل نينوى لما غضب الله عليهم لشرهم وأراد أن يمحوهم ويقلب مدينتهم ، صاموا وتذللوا فرحمهم الله ورفع غضبه عنهم ، وكرنيليوس القائد الروماني صام أربعة أيام فظهر له الملاك الرب الجليل وأرشده إلي القديس بطرس الرسول ، الذي علمه طريق الله وعمده ومن معه .

وكثيرون جداً الذين صاموا وكان الصوم المقرون بالصلاة نجاة وخلاصاً لهم .

أما القديسون والآباء الروحيون فكان الصوم حياتهم ورياضتهم الدائمة ، وإن عاشوه من حياتهم في الصوم أكثر بكثير من الأيام التي كسروا فيها أصوامهم لسبب من الأسباب كالأعياد أو بسبب مرض أو بسبب آخر .بل أن بعض القديسين ما أكلوا طعاماً والشمس ظاهرة طيلة أيام تعبدهم .

 

21 امتلاء البطن يقوى الشهوات

إن البطن الممتلئة تصحبها قوة جبارة للشهوة ، وإن سبقت البطنة الشهوة للأكل ذاته فإن ثورات شهوات الجسد وغرائزه الحيوانية تتلو ذلك . يقول القديس فيلوكسينوس ( ثقل الأطعمة تقهر الأعضاء بالشهوات ) ، ويقول القديس يوحنا الدرجي ( أعط بطنك طعاماً مشبعاً سريع الهضم لكيما بالشبع تزيل عنها شهوة الحنجرة وبسرعة هضمه تهرب من الحرارة المتولدة من دسمه ) .

وينصح الآباء القديسون بأنه إن اصطحب الأكل شهوة فيه وتلذذ فخير لنا ألا نأكل . يقول القديس فيلوكسينوس ( كل شئ يوضع على المائدة وترى أن عينك تشتهيه لا تأكله . فإذا عودت بطنك على هذا فإنها لا تطلب منك إلا احتياجها فقط ) ، بل أن هذا القديس يفضل عدم الصوم على الصوم مع وجود الشهوة للأكل وما الرفاع سوى دليل لا يقبل الشك أو التأويل على وجود هذه الشهوة . تعالوا نسمعه يقول ( الأوفق لك أن تأكل اللحم بلا شهوة من أن تأكل عدساً بشهوة . أننا لا نلام على الأطعمة ، ولكن إذا أكل الإنسان بشهوة فسواء أكل لحماً أو بقلاً فهو يلام ، لأن الشهوة هي التي أكلت كليهما ) . 

ويحذرنا القديس يوحنا الدرجي قائلاً : ( أحذر من خداع البطن إذ تكون مملوءة وتصيح أنها جائعة . أحذر من النهم الذي يشير عليك أن تبتلع كل شئ دفعة واحدة  واعلم أن الشبع من الطعام هو أبو الزنا ) .

وإن الاستعداد بتناول الطعام الشهي قبل الصوم أو انتصاره بعد الصوم مباشرة بشهوة إنما هو من طبيعة الذين أصابهم النهم . يقول القديس يوحنا الدرجى ( يفرح اليهودي بسبته ، ويسر الراهب النهم البطن بيوم السبت والأحد ، يجلس ويحسب يوم العيد قبل وقته ويستعد للأطعمة قبل أوانها ) .

أليس الأجدر بنا أن نبدأ صومنا بحرب ضد الشهوات فنتخلص من كل ما يعوقنا في الصراع معها بدلاً من أن نترك لها المجال لتهزمنا .

 

22 فضائل طبيعية

أن الصوم والصدقة والصلاة فضائل طبيعية وتعبيرات طبيعية للحياة الدينية لا كواجبات فقط نحن مكلفون بأدائها بل نندفع إليها بدافع من أنفسنا .

لذلك حين تكلم السيد المسيح عن هذه الفضائل الثلاث وندد بإساءة استعمالها استعمالا فاسداً حين اتخذها الفريسيون مظهراً للتدين والقداسة رياء ونفاقاً ، كان في حملته عليهم كالفنان الذي يغار على كل ما هو طبيعي ويهتم بأن يبقيه حافظاً لجماله بعيداً عن كل تصنع يذهب برونقه الطبيعي .

 

23 الصوم و الإاردة

لما كان الإنسان بالصوم يمتنع عن الطعام بإرادته ، إطاعة للشريعة ، ولخير الأبدي والزمني ، فالصوم من هذه الجهة وسيلة مناسبة لترويض الإرادة ، والإرادة في الإنسان العاقل هي أهم طاقاته وقدراته . وكما يقول بعض الحكماء ( ميزان الرجل إرادته ، فإذا أردت أن تكون رجلاً هذب إرادتك ) . 

الصوم إذن هو فضيلة إنسانية عظيمة لأنه بها يروض الإنسان إرادته ، ويقويها ويدربها ، فيشكم بها الإنسان ميوله ونزعاته وشهواته الهادمة لكيانه الإنساني بوصفه الكائن العاقل الحر والمريد والمسئول . 

ولما كان الطعام هو غريزة الحياة الأولى فالصوم هو اللجام الذي يمسك به الإنسان ، فيحكم به نفسه بفضل إرادته القوية والتي تقوى بالصوم ، فيقوى به الإنسان على الإمساك عن غرائزه الأخرى التي إذا أطلق لها العنان بغير ضابط ، فإنها تدمره ، وتخرج به عن إنسانيته العاقلة الرشيدة .  

لذلك كان الصوم هو شكيمة الإنسان العاقل ، يدفع به عنه كل ما يضر حياته ، روحاً ونفساً وبدناً ، ويشكم به كل عادة ضارة ، ومن بينها التدخين والخمور والمخدرات وما إليها من عادات . وبذلك يصبح سيد أمره وصانع مصيره . ويقول الكتاب المقدس ” وضابط روحه أفضل ممن يأخذ المدن ” ( سفر الأمثال 16 : 32 ) . 

24 في إرضاء الجسد فقد السيطرة على الروح

لماذا أوجه إمكانياتي وقدراتي واهتماماتي اهتماما جسدانياً وأتناس أن الجسد يشتهى ضد الروح والروح ضد الجسد ، وهذان يقاوم أحدهما الآخر ( غل 5 : 17 )  والجسد إن أكرمناه سلبنا القدرة والسيطرة . يقول أحد القديسين : ( جميع الحيوانات والوحوش إذا أنت أكرمتها فإنها لا تؤذيك أو تسئ إليك ، إلا الجسد وحده فإن أنت أحسنت إليه قابل حسناتك بالإساءة إليك ) .

ونتيجة لإعطاء الجسد كل حاجته فإننا نفقد السيطرة حتى على توجيه الأفكار . يقول القديس يوحنا كاسيان : حينما تمتلئ المعدة بكل أنواع الطعام ، فذلك يولد بذور الفسق ، والعقل حينما يخفق بثقل الطعام لا يقدر على توجيه الأفكار والسيطرة عليها . فليس السكر من الخمر وحدة هو الذي يذهب بالعقل ، لكن الإسراف في كل أنواع المآكل يضعفه ، ويجعله متردداً ويسلبه كل قوته في التأمل النقي . إن علة خراب سدوم وفسقها لم يكن بالخمر بل بالامتلاء من الخبز . أسمع الرب يوبخ أورشليم بالنبي قائلاً ” لأنه كيف أخطأت أختك سدوم إلا أنها شبعت من خبزها بكثرة ” ( مز 16 : 49 ) . وبسبب الشبع من الخبز اشتعلوا بشهوة الجسد الجامحة ، فأحرقوا بعدل الله بنار وكبريت من السماء فإن كانت زيادة الخبز وحده أدت إلى مثل هذا السقوط السريع في الخطية عن طريق رذيلة الشبع ، فماذا تقول عن أولئك الذين لهم أجسام قوية ، ويأكلون اللحم، ويشربون الخمر بإفراط ، غير مكتفين بما تتطلبه حاجة أجسادهم بل ما تمليه عليهم رغبة العقل الملحة .        

ويقول القديس فيلوكسينوس ( بمقدار ما يتلطف الجسد بالنسك يكون له الشركة مع روحانيته وحسبما يثقل الجسد بالمآكل يجذب النفس إلى ثقله ويربط أجنحة أفكارها . أما إن نقص ثقله يخضع لإرادة نفسه بسهولة وتجذبه النفس إلي جميع ما تختاره ).

 

25 يربط كلبه بالنهار ويطلقه بالليل

إن هناك نوعاً من الصوم الباطل حين يصوم الناس ويمتنعون عن الأطعمة الشهية والدسمة ولكنهم لا يمتنعون عن شراب الخمر حال صومهم ويغضبون على من يقدم لهم ” المزه ” من اللحوم أو البيض ويقولون في حماسة : إحنا صايمين ! هات لنا طعمية وترمس صيامي ! وما أدرى هؤلاء المخدوعون أن طريقة الصوم الخاصة بالامتناع عن أكل اللحوم والدسم مأخوذة عن دانيال النبي الذي قال : أنا دانيال كنت نائحاً ثلاثة أسابيع أيام لم آكل طعاماً شهياً ولم يدخل في فمي لحم ولا خمر ولم أدهن حتى نمت ثلاثة أسابيع أيام(دا10: 2و3 ).

فمن هذه الطريقة نعلم أن الخمر ممنوع وألادهان بالروائح العطرية ممنوع أيضاً كالاطائب واللحوم وكل شئ شهي .

إن الذين يصومون ويسكرون يصومون بلا قصد أو غاية وهم أشبه بحيوانات بشرية يربطهم أصحابهم أو الوسط الذين يعيشون فيه أو العوائد والعادات لأنهم لو كانوا يعرفون معني الصوم أنه ضبط وإذلال النفس لما تجرعوا كأساً واحداً من الخمر فإنها قادرة على أن تكسر لجام الصوم وتقطع كل رباط فيندفع الجسد جامحاً .

إن هؤلاء الصائمين مثلهم مثل من يربط كلبه في النهار ويطلقه بالليل فهل مثل هذا يكون صوماً يختاره الله !

 

26 تدليل الجسد

هناك أشخاص يدللون أجسادهم ويلذذونها أكثر من ألازم لأنهم يعافون أنواعاً كثيرة من الأطعمة ولا يقبلون إلا أصنافاً مخصوصة مجهزة وفق مرامهم .

على أن الكثير من تلك الأطعمة التي تكون أكثر شهية من غيرها تكون في الغالب عسرة الهضم وأسرع  عفونة وأقل تغذية من غيرها . فخير للإنسان أن يدرب نفسه على تناول كل الأطعمة التي تتناولها يده وعلى عدم البطر وإظهار الكبرياء حتى في الآكل مادام ذلك لا يعود بالضرر على صحته . 

إننا إذا وافقنا الجسد ومنعنا عنه كل ما يبدى امتعاضاً منه ولم نعطه إلا ما لذ وطاب ربما يأتي يوم يسأم فيه الجسد أنواعاً كثيرة ويفقد شهيته لأطعمة عديدة كان يحبها .. وبذلك تصبح حياة المرء سلسلة من التعب . 

قيل أن مبشراً مسيحياً من الهنود جاع يوماً من الأيام ولم يجد إلا بضع أوراق أشجار جافة فأخذها و آكلها فكانت لذيذة في فمه . وهناك القديسون والبسطاء من الناس يأكلون أتفه الأطعمة وأبسطها ومع ذلك يشعرون باللذة والسرور . فما أحسن أن نتشبه بهم ولا نهتم كثيراً بترفيه الجسد حتى نتمم شريعة المسيح القائلة ” كلوا مما يقدم لكم ” ( لو 4 : 8 ) .

 

27 الشبع والسقوط

نأكل ونشبع كثيراً يوم الرفاع لنبدأ صومنا بالسقوط لأن الشبع كثيراً ما يكون سبباً لذلك . يقول الأب يوحنا : ( تأكد تماماً أن العدو يهاجم القلب عن طريق امتلاء البطن ) ويقول القديس يوحنا الدرجى : ( أعرف أن الشيطان في أكثر أوقاتنا يجلس في معدتنا ويجعل الإنسان لا يشبع ولو أكل مصر كلها وشرب نيلها . ثم ينصرف هذا الشيطان البطني ويرسل لنا الشيطان الزنا بعد أن يخبره بما جرى قائلاً له : أدركه فإن بطنه موثق فلن تتعب معه كثيراً .. فإذا ما وافانا تبسم وربط بالنوم أيدينا وأرجلنا وعمل كل ما شاء فينا ) .

أسمع القديس مار أسحق حينما يقول : ( في بطن امتلاء بالأطعمة لن يوجد مكان لمعرفة أسرار الله ) ويبين القديس غريغوريوس رئيس متوحدين قبرص أثر امتلاء البطن على العقل فيقول : ( الكبير البطن أحلامه الرديئة تكدر قلبه ، والذي ينقص من أكله يصير في كل وقت منتبهاً لأنه مثلما يظلم الجو من الضباب ، كذلك يظلم العقل إذا امتلأت البطن من المأكولات ) ويقول القديس يوحنا الدرجى : ( إن كنت عاهدت المسيح أن تسلك الطريق الضيقة فضيق بطنك أولاً لأن البطن العريض الواسع يستحيل أن يسير في طريق الرب الضيقة ) .

 

28 الشبع ينسينا الله

إذا شبعنا وامتلأت بطوننا يكون نسياننا لله أسهل . وهذا هو صوت الرب على فم هوشع النبي : ” أنا عرفتك في البرية في أرض العطش . لما رعوا شبعوا . شبعوا وارتفعت قلوبهم لذلك نسوني ” ( هو 3 : 5 6 ) .. فإن اجتزنا بدعة الرفاع بدأنا الصوم بنسيان الله .. أي صوم هذا ؟! .

 

29 الارتباط بقيود الشر

ويحدثنا الرب في إشعياء ( 58 : 6 ) : أليس هذا صوماً أختاره . حل قيود الشر . فك عقد النير وإطلاق المسحوقين أحراراً وقطع كل نير وماذا يعني الرفاع سوى أنه ارتباط بقيود الشر . لهذا فإذا أردت أن أصوم صوماً مقدساً منتجاً فلأبدأ من الأول حيث أعمل على حل قيود الشر .

 

30 الصوم بين الروح والجسد

الصوم هو العامل المشترك يفيد الروح والجسد فلا يضر الجسد حين تستفيد منه الروح ، ولا يضر الروح يستفيد منه الجسد في حالة العلاج .

ففي الوقت الذي ينقي الصوم الجسم من أمراضه الفتاكة وسمومه إذا اتجه الإنسان به إلي اتجاهاً دينياً روحياً ساعده على الشفاء من أمراض الروح وسموم الخطية الفتاكة .

وفي الوقت الذي يشعر الجسم بخفة ونشاط في حال الصوم هكذا تشعر الروح في حالة الصوم بخفة ونشاط وكأنها اكتسبت جناحين جديدين للتحليق بهما في عالم الأرواح . كالماء الذي من طبيعة أن ينساب إلى الأسفل إذا ما حصر وضغط فإنه يرتفع إلى الأعالي رغم طبيعته ، وأوتار الموسيقى لا تبدى الأصوات الشجية المطربة إلا إذا شدها الموسيقى .

وفى الوقت الذي يحرق فيه الصوم الأخلاط وزبالة الفضلات التي في الجسم تراه إذا ما اتجه به الإنسان اتجاهاً روحياً دينياً فإنه يفعل فعله أيضاً في العقل والنفس يصقلها ويشففها فيكونان قابلين لنفاذ النور الإلهي فيها وقبول الإلهامات ويطبع الله فيها حكمته .

                               

31 الصوم والغريزة

ما من شك في أن غريزة الحياة الأولى هي غريزة الطعام . إنها أول غرائز الإنسان وأقواها، و أعظمها شأناً . و هي تبدو واضحة في سلوكه منذ طفولته المبكرة ، أي منذ الرضاعة حتى الموت . إنها أعظم و أقوى من غريزة الجنس ، و من الغريزة الوالدية ، ومن غريزة التملك، ومن غريزة الغضب والقتال والدفاع عن النفس و غير ذلك من غرائز .

والإنسان بالصوم يحكم نفسه ، و يملك زمام أمره ، لأنه بالصوم يمنع نفسه عن الطعام وهو غريزة الحياة الأولى صيانة لنفسه و جسده ، و توقياً من أضرار الطعام إذا أخذ منه الإنسان أكثر من احتياجه الطبيعي و المعروف أن أكثر أمراض الإنسان إضراراً بجسمه وذهنه و روحه تأتيه من الطعام ، فقد يلتهم الإنسان من الطعام ما يضره كماً أو كيفاً مدفوعاً بشهواته القوية لإشباعها .

 

32 الرفاع تقييد انطلاق الروح

إن الصوم ليس إذلالاً للجسد و إنما هو إنعاش للروح . و هو ليس تقييداً أو سجناً للحواس و إنما انطلاقا بها بغير معطل نحو التأمل في الله ، هو ليس كبتاً لشهوة الطعام بل هو تخلية إرادية عن هذه الشهوة للإعلاء بها نحو حب الله . و هو ليس أمراً متعلقاً بالجسد بقدر ما هو متعلق بالروح و الملكوت .

(إن ريشة الطائر الملقاة علي الأرض ، إذا كانت غير ملتصقة بشئ ترفعها أدنى ريح عن وجه الأرض . و بعكس ذلك إذا كانت مبتلة او ملتصقة بالقاذورات فإن الريح لا تقدر علي رفعها . هكذا الإنسان المنهمك في اللذات المرتبط بقيود و شهوات جسدية لا يستطيع أن يرتفع بروحه و أفكاره إلي السمائيات بفعل تعزيات النعمة التي تفتقده من حين إلي حين ، من أجل هذا حذرنا ربنا يسوع قائلاً : فاحترزوا لأنفسكم لئلا تثقل قلوبكم في خمار و سكر وهموم الحياة . 

و ماذا يعني الرفاع و ما هي شهوة الأكل .. إنه القاذورات التي تلتصق بالريشة فتعوق إنطلاقها . و هكذا نرى كيف أن الرفاع يقيد انطلاق الروح في الصوم .

 

33 الترب والنار والبللور

أن ظلمة الخطية والجهالة المرتبطة بالقلب والميول الدنسه والشهوات الدنيئة النجسة من شأنها أن تحجب عن النفس النور الإلهي كما أنها تمنع هذا النور عن الظهور فلا يسطع نور النفس إلي العالم الخارجي فنقصر عن تأدية رسالتها التي كلفها بها السيد المسيح عندما قال له المجد : ” فليضئ نوركم هكذا قدام الناس لكي يروا أعمالكم الحسنة ويمجدوا أباكم الذي في السماوات ” ( مت 5 : 16 ) .  

فالصوم كفيل بصقل النفس مع عمل النعمة ، فكما أن المواد الترابية الكثيفة إذا ما وضعت في أتون النار القوية مدة تنصهر وتتلطف متبلورة وتصبح قابلة لأن تتكسر فيها أشعة الشمس . وتنفذ فيها فتبدى ألوانا جميلة . هكذا مواد جسمنا الترابي الكثيف إذا مادمنا عليه بنار الصوم الذي يحدث احتراقا في الأخلاط أصبح شفافاً لطيفاً يتلاقى علي نوع ما مع لطافه النفس وشفافيتها . وهذا التلاقي في الطاقة ضروري للعبادة وتقديم الذبائح كما يقول الرسول : فأطلب إليكم أيها الاخوة برافة الله أن تقدموا أجسادكم ذبيحة مقدسة مرضية عند الله عبادتكم العقلية ( رو 12 : 1 ) لأنه ما أحلى وأقدس العبادة التي تتقدم بروح طاهرة وأيادي طاهرة وركب طاهرة مرتعشة بالصوم كما يقول الرسول : فأريد أن يصلى الرجال في كل مكان رافعين أيادي طاهرة . ( 1 تى 2 : 8 ) .   

            

34 الطعام الروحي والطعام الجسدي

طعام الجسد من الأمور الفانية التي يتم عليها قول الكتاب ” الأطعمة للجوف والجوف للأطعمة والرب سيبيد هذا وتلك ” ( 1 كو 6 : 13 ) . وأما غذاء النفس الحقيقي فهو الطعام الأبقى الذي يكسبنا حياة وقوة ” وليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله “(مت4: 4) ” أعلموا لا للطعام البائد بل للطعام الباقي للحياة الأبدية “(يو6: 27).

وكما عرفنا ما يجب على المؤمن أن يتعاطاه أو يمتنع عنه من الأطعمة كذلك يجب أن نعرف أن الماء هو الشراب اللازم لحياة الجسد ، أما الذين يشربون الخمور وغيرها من السموم فيكفيهم قول الحكيم ” الخمور مستهزئة . المسكر عجاج والذي يترنح بهما فليس بحكيم ” ( أم 20 : 1 ) . وسيأتي الكلام عن هذا بالتفصيل بمشيئة الله . ( أنظر كتابنا : فلنحذر قليل من الخمر ) .

 

35 الطعام النباتي في الصوم ليس من اختراع البشر

إن الصوم على الطريقة المسلمة لنا بالتقليد الرسولي ليست من اختراع بشرى ، ولا من استحسان إنساني أو عن فلسفة أرضية أو علم عقلاني بل هو رسم إلهي ، أستنه الله نفسه خالقنا ، وجري العمل به عند جميع القديسين . كما ذكرت الكتب المقدسة ، وكما دونه آباء الكنيسة في مصنفاتهم ، وكما سجلته قوانين الكنيسة عبر كل العصور .

نعم إن الله هو الذي جعل نباتات الأرض طعامنا ، بل إنه خلق النبات من اجل الإنسان ، ولذلك خلق النبات من قبل أن يخلق الإنسان لكي يهيئ للإنسان طعامه ، ويعد له غذاءه قبل أن يخلقه بزمن طويل فقد خلق الله الإنسان في الحقبة السادسة من الخليقة ، بينما خلق النبات في الحقبة الثالثة أي اليوم الثالث ” وقال الله لتنبت الأرض نباتاً عشباً وبقلاً ويبزر بزراً وشجر مثمر يخرج ثمراً بحسب صنفه برزة في الأرض ، فكان كذلك ، فأخرجت الأرض نباتاً عشباً . وبقلاً يبزر بزراً بحسب صنفه. ورأى الله ذلك أنه حسن . وكان مساء وكان صباح يوماً ثالثاً ( سفر التكوين 1 : 11 13 ) .

وعندما خلق الله الإنسان في اليوم السادس . أو في الحقبة السادسة من الخليقة ، عين له النباتات من بقل وشجر لتكوين طعاماً له . ” فخلق الله الإنسان على صورته  ذكراً وأنثي خلقهم . وباركهم الله وقال لهم ” أنموا وأكثروا واملأوا الأرض وأخضعوها ، وتسلطوا على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى كل حيوان يدب على الأرض . وقال الله : ” ها قد أعطيتكم كل بقل يبزر بزراً على وجه الأرض كلها وكل شجرة فيه ثمر شجر يبزر بزراً ، يكون لكم طعاماً . ورأى الله كل ما صنعه فإذا هو أحسن جداً .. وكان مساء وكان صباح يوماً سادساً ” ( تك 1 : 27 31 ) .   

وإذن فمنذ خلق الله آدم وحواء . عين للإنسان طعامه ، وحدده بأنه من ” نباتات الأرض ” لاحظ قوله ” إني قد أعطيتكم كل بقل ” على وجه الأرض كلها ، و” كل شجر يكون لكم طعاماً ” . ولئن أعطي الله للإنسان السلطان على سمك البحر وطير السماء وعلى كل حيوان يدب على الأرض . ولكنه عند بدء الخليقة لم يمنح الإنسان أن يأكل من سمك البحر أو من طير السماء أو من الحيوان الداب على الأرض ، وإنما جعل طعامه من ” نباتات الأرض ” فقط ، ” من البقول ومن ثمار الأشجار ” .

وقد أعاد الرب مرة ومرات نفس المعني . مؤكداً أنه منح الإنسان أن يكون طعامه من ثمار الأرض من ” بقول وفاكهة ” يقول الوحي الإلهي : وأوصي الرب الآلة آدم قائلاً ” من جميع شجر الجنة تأكل أكلاً ” ( تك 2 : 16 ) . و ” تأكل عشب الأرض ” ( تك 3 : 18 ) . 

ويقول سفر المزامير عن الله ” المنبت عشباً للبهائم ، وخضرة لخدمة الإنسان ، لإخراج خبز من الأرض ، وخمر تفرح قلب الإنسان لا لماع وجهه أكثر من الزيت ، وخبز يسند قلب الإنسان ” ( مز 103 : 14 15 ) . وأنظر أيضاً ( مزمور 135 : 25 ) .

ولم يسمح الله للإنسان أن يأكل اللحوم إلا بعد مرور بضعة مئات أو آلاف من السنين أو على التحديد أن الله أجاز للإنسان آكل اللحوم بعد الطوفان كما جاء ذلك في الإصحاح التاسع من سفر التكوين .

“وبارك الله نوح وبنية. وقال لهم، أنموا واكثروا واملأوا الأرض كل دأبه حية تكون لكم طعاماً. كالعشب الأخضر دفعت إليكم الجميع. غير أن لحماً بحياته دمه لا تأكلوه”(تك9: 1 4).

وجاء بعد ذلك قول موسى النبي ” من كل ما تشتهي نفسك تذبح وتأكل لحماً في جميع أبوابك حسب بركة الرب إلهك التي أعطاك ” ( تث 12 : 15 ) .

” إذا وسع الرب إلهك تخومك كما كلمك ، وقلت أكل لحماً . لأن نفسك تشتهي أن تأكل لحماً . فمن كل ما تشتهي نفسك تأكل لحماً .. فأذبح من بقرك وغنمك التي أعطاك الرب كما أوصيتك وكل في أبوابك من كل ما اشتهت نفسك . لكن أحترز أن لا تأكل النفس مع اللحم . لا تأكله . على الأرض تسفكه كالماء . لا تأكله لكي يكون لك ولأولادك من بعدك خير ” ( تث 12 : 2 25 و 14 : 4 11 ) .

إذن فأكل النباتات هو الطعام الأساسي للإنسان الذي أمر الله به الإنسان منذ بدء الخليقة . ولم يسمح الله للإنسان بآكل اللحوم إلا بعد الطوفان . لذلك كان طبيعياً أن يعود الإنسان في أثناء الأصوام إلي حياة الإنسان الأول . أي يحيا نباتياً ، فينقطع عن الطعام انقطاعا تاماً فترة لا تقل عن تسع ساعات . ثم يأكل بعدها طعاماً من نباتات الأرض .

ثانياً : إن الامتناع عن اللحوم والاكتفاء بأكل النباتات هي الطريقة التي أتبعها القديسون في أصوامهم فدانيال النبي يقول ” أنا دانيال كنت نائحاً ثلاث أسابيع أيام ، لم أكل طعاماً شهياً ، ولم يدخل فمي لحم ولا خمر ” ( دا 10 : 2 3 ) .

وكان دانيال والفتية الثلاثة حنانيا وميشائيل وعرزيا ” شدرخ وميشخ وعبدنغو ” يمتنعون عن آكل اللحوم ويكتفون بالقطانى ( د1 1 : 5  12 ، 16 ) .

والقطانى حبوب تطبخ كالعدس والفول واللوبيا والحمص .

كذلك النبي حزقيال . أمره الرب أن يتناول في صومه حبوباً وبقولاً . قال له الرب ” وخذ أنت لنفسك قمحاً ، وشعيراً ، وفولاً، وعدساً ، ودخناً ، وكرسنه وضعها في وعاء واحد ، وأصنعها لنفسك خبزاً ، كعدد الأيام .. ثلاثة مائة وتسعين يوماً تأكله . وطعامك الذي تآكله يكون بالوزن .. من وقت إلى وقت تأكله . وتشرب الماء بالكيل . من وقت تشربه وتأكل كعكاً من الشعير ” ( حز 4 : 9 12 ) . 

ولا شك أن القمح والشعير والفول والعدس حبوب معروفة لدى جميع الناس .

أما الدخن . فهو أيضاً نوع من الحبوب يتغذى به الطيور . كما يتغذى به الإنسان ، ومازال يستخدم بكثرة في غربي آسيا وجنوبها . وفي الشمال أفريقيا وفي جنوب أوربا ، وكذلك “الكرسنه ” هي أيضا نوع من الحبوب ، شبيهة بالعدس ، تزرع كثيراً في فلسطين وسوريا .

لقد كان في تحديد الطعام النباتي حكمة من الله لصالح الإنسان ، لأن الطعام النباتي كما يقول العلم والطب أنفع للإنسان وصحته وحيويته من الطعام الحيواني . وهذا ما تراه واضحاً من تطور عمر الإنسان على وجه الأرض حيث كان الإنسان النباتي يظل على الأرض ما يزيد على تسعمائة عام . ” فكانت كل الأيام آدم التي عاشها تسعمائة وثلاثين سنة ومات وكانت كل الأيام متوشالح تسعمائة وتسعا وستين سنة ومات ” ( تك 5 : 5 27 ) .

أما عندما عرف الإنسان أكل اللحوم ، نجد أن عمره بدأ يتناقص كثيراً وقلت مدة بقائه على الأرض ، فضلاً عما يسببه أكل للإنسان من متاعب صحية ، واعتباره مثيراً للغرائز الحيوانية ، كما يتضح من حديث يعقوب أبو الآباء مع فرعون عندما جاء يعقوب إلى الأرض مصر ليرى أبنه يوسف هناك” فقال فرعون ليعقوب كم هي أيام سني حياتك. فقال يعقوب لفرعون: أيام سني غربتي مائة وثلاثين سنة قليلة وردية .. ولم تبلغ إلي أيام سني حياة آبائي في أيام غربتهم ” ( تك47: 8  9 ).

و قد رقد يعقوب بعد ان عاش في أرض مصر سبعة عشرة سنة فكانت أيام يعقوب سنو حياته مائة و سبعاً و أربعين سنة (تك47: 28). كما مات يوسف و هو ابن مائة و عشر سنين (تك50: 26).

 

36- تغيير نوع الطعام

رب قائل يقول و لماذا أغير أنواع الطعام التي آكلها فيمكنني أن أنقطع عن الطعام لفترة ثم آكل ما أشاء ” إن تغيير نوع الطعام في مدة الصوم يعتبر أمراً جوهرياً ، يساعد علي تهذيب النفس و الحد من توقد شهواتها . و لا يمكن ان نصوم صوماً انقطاعياً و بعد ذلك نتناول ما لذ و طاب من الأطعمة . إن ذلك يجعل الإنسان أكثر شراهة للطعام ، و يصبح في هذه الحالة أشبه بالأسود التي كانوا يعمدون إلي تجويعها فترة ، حتى تكون أكثر شراهة و افتراساً حينما يلقون إليها إنساناً مطلوب إعدامه ، علي نحو ما كانوا يعملون في العصور الأولى “.

 

37- لا تخف : لا نطالبك بما لا تستطيع

تعالي بنا نتساءل : من أين الشرور و المتاعب ؟ أليست بسبب الشيطان الذي يزرع الأوجاع فينا .. و لكن هل تعرف كيف تقاوم هذا الجنس ؟ أسمع القديس يوحنا فم الذهب في حديثه عن الصوم و هو يجيبك قائلاً ” إن هذا الجنس لا يخرج إلا بالصلاة و الصوم . فإن كان يطرد محاربي خلاصنا و يخيف أعداء حياتنا فمن الواجب علينا أن نتوق إليه و نحبه و لا نرهبه بل يجب أن نخشى بالحقيقة زيادة المأكل و الشره و السكر و التخمة لا الصوم المقدس ” .

لا تخف فإننا لا نطالبك أن تصنع ما لا في إمكانك و لكن لو هدأت لنفسك قليلاً فسوف تسمع صوت الله الساكن في داخلك يلومك لأنك لا تصنع ما هو في إمكانك .. فإن كنت تستطيع أن تصوم و لا تفعل فهذه خطية . يقول صاحب كتاب بستان الروح ” إن الله يدعونا أن نذلل الجسد لا أن نقتله ، و لذلك فالكنيسة تصرح بعدم الانقطاع في الصوم بالنسبة للعجائز والرضعان و المرضعات و الحبالى و المرأة النافس و المرضى و الضعفاء و صغار السن ، و الذين لهم حالات خاصة تمنعهم ، فيأكلون لا ترفهاً و لكن عن ضرورة .

 

38- الصوم بين الرياضيين و الأطباء و الفلاسفة

هذه نصيحة أحد الرياضيين بمصر ، لا ننصح بالإكثار من اللحم ، و لو أنك اقتصرت علي تناوله مرتين في الأسبوع لأحسنت صنعاً . و يحسن الامتناع عنه في العشاء ، و لكننا ننصح بالإكثار من تناول الفاكهة و الخضراوات لأنها تجعل الأمعاء في حالة لين و بذلك تخرج منه جميع فضلاته . و لاحظ ألا تأكل فوق طاقتك ، بل قم عن المائدة و انت تشتهي الطعام إلي حد ما فإن الإفراط يجهد المعدة .

و قد قال الدكتور أ. س سلمون في كتابه ” الصحة و الحياة ” ” إن أول ما دون في تاريخ الوجود عن غذاء الإنسان أنه كان يأكل الفاكهة و الحبوب و البقل . و الخالق العظيم هو الذي خلق الإنسان و هو العالم بتركيب جسمه و الغذاء المناسب له . و هناك أدلة كثيرة علي ان جسم الإنسان يمكن ان يحفظ في أحسن حالات الصحة و القوة بتناول الغذاء المؤلف من الفاكهة و الحبوب و لقد رأي الفلاسفة و النباتيون هذا الرأي من قديم الزمان فقد قال أفلاطون ” إن المدينة الصحية هي التي يتغذى أهلها بالأثمار و البقول أو الحبوب فقط و لا يأكلون لحماً ” ، و قال سنيكا الفيلسوف : ” إن النباتات طعام كاف للمعدة التي تطرح إليها الأغذية الثمينة ” . و البوذيون يرحمون أكل اللحوم و يدعون النباتات ” شوذن موتو ” أي الطعام الذي ينمى الحياة الروحية . و أوضح باستور العلامة سرعة فساد اللحم و تعفنها و قال ” قارن مثلاً بين فساد تفاحة أو رغيف خبز و بين فساد عصفور أو سمكة أو قطعة من اللحم ، تر الفرق أجلى وضوح و يحصل هذا داخل الجسم أيضاً ” . و قد جاء عن العلامة فيثاغورث أنه اخذ دباً و منع عنه اللحوم و أطعمه النباتات فأصبح أليفاً وديعاً .

و من الغريب أن الذين يظنون ان الصوم يضر بالصحة و ينصرفون عن الصوم كثيراً ما يصابون بالأمراض لأن الصوم لا يسبب المرض و لا يعمل علي اختلال نظام الجسم بل الانهماك في المآكل الكثيرة هو الذي يفعل هذا . و مع ترفع أبناء هذا الجيل عن الصوم نرى الشباب منهم يشكو من أمراض و أسقام كثيرة بينما الشيوخ و الكبار في السن الذين لم يكسروا ناموس الصوم مطلقاً يتمتعون بالصحة الكاملة و السلامة التامة .

 

39- صوم اللسان

أما صوم اللسان هو منعه عن الكلام الذي لا يليق ، لأنك بكلامك تتبرر و بكلامك تدان ، واللسان هو الذي يعلن عما في القلب و العقل و إذا لم يكن مهذباً و يتكلم بأدب و حرص فإنه يبدد ما في النفس من حكم و أسرار ، و يسبب المشاكل الكثيرة التي تدعو إلي الفرقة و الخصام و المحاكمات و أحياناً كثيرة إلي جرائم القتل والتخريب ، و لذلك يقول الرسول يعقوب : ” عن كان أحد لا يعثر في الكلام فذاك رجل كامل قادر ان يلجم كل الجسد أيضاً . هوذا الخيل نضع اللجم في أفواهها لكي تطيعنا فندير جسمها كله . هوذا السف أيضاً و هي عظيمة بهذا المقدار و تسوقها رياح عاصفة تديرها دفة صغيرة جداً إلي حيثما شاء قصد المدبر . هكذا اللسان أيضاً هو عضو صغير و يفتخر متعظماً . هو ذا نار قليلة أي وقود تحرق . فاللسان نار عالم الأثم ، هكذا جعل في أعضائنا اللسان الذي يدنس الجسم كله ، ويضرم دائرة الكون و يضرم من جهنم ، لأن كل طبع للوحوش و الطيور و الزحافات والبحريات يذلل ، و قد تذلل للطبع البشري ، و أما اللسان فلا يستطيع أحد من الناس أن يذلله ، و هو شر لا يضبط مملوء سماً مميتاً . به  نبارك الله الآب و به نلعن الناس الذي قد تكونوا علي شبه الله .

و قال الأنبا أرسانيوس : ” كثيراً ما تكلمت و ندمت و لكن عن السكوت قط ما ندمت ” . و قال الشيخ الروحاني : ” إن كان لسانك متعوداً علي كثرة الكلام فقلبك منطفئ من حركات الروح المنيرة ” .

فإذا كانت كثرة الكلام تحرم الإنسان من حركات روح الله ، فكم بالأحرى الكلام المؤذي الضار كالشتيمة و النميمة و الوشاية و الكلام القبيح و كلام الدنس و الحلف و اللعن والتجديف … الخ كم يضر هذا الكلام قائله . و الله سوف يحرق هذا اللسان السليط الشرير في النار التي لا تطفأ و يأكله الدود الذي لا يموت .

و السيد المسيح له المجد قال : ” كل كلمة بطالة يتكلم بها الناس سوف يعطون عنها حساباً في يوم الدين ” ، لذا كان من أخطر الأمور صون اللسان و تصويمه بقوة و شدة حتى يكون القلب طاهراً و العقل صاحياً واعياً و الحياة كلها في سلام و محبة مع الجميع .

 

40- قلب و لسان

قيل أن سيداً أرسل عبده ليشتري له أحسن ما في السوق فأشترى له قلباً و لساناً لحيوان ما، ثم أرسله ثانياً ليشتري له أردأ ما يجد أمام ، فأشترى له قلباً و لساناً كذلك ، فتعجب سيده و سأله عن غرضه من ذلك فقال له الخادم : ” إن اللسان و القلب إذا أصلحهما الإنسان صارا أحسن ما في الخليقة ، وبالعكس إذا ما أفسدهما صار أفسد ما فيها ” ولذا قيل ” المرء بأصغريه قلبه ولسانه ” فما أجمل القلب و اللسان والصائمان عن الخطية .

وإذا استعبدنا ألسنتنا وحكمنا عليها وضبطناها دفعنا عن أنفسنا شروراً كثيرة ، وجلبنا إليها الخير ، و بالعكس إذا سلمنا قيادتنا للسان لا نستطيع أن نأمن غوائه ، فكلمة واحدة يلفظها اللسان قد تشقى صاحبها ، وكلمة واحدة قد تسعده ، بكلمة واحدة يحيا الإنسان ، وبكلمة واحدة يموت كما يقول السيد المسيح له المجد” بكلامك تتبرر وبكلامك تدان “(مت12: 27).

 

41 لغتك تظهرك

كان الذين يكتبون أسم الله الجليل من اليهود يخصصون له قلماً مقدساً ، وهكذا يجب على كل مؤمن يلفظ باسمه المعظم في صلواته أو عبادته أن يخصص له لسانه ولا ينطق به كلمة رديئة ، وإذا كنا لا نستطيع أن نهتف للملك أو للحاكم ولأعدائها باللسان الواحد وفي الوقت الواحد ، فمن المعقول أيضاً أنه لا يمكننا أن نهتف باسم الله واسم الشيطان ، وننطق بعبارات ترضي الله وبعبارات ترضي إبليس ، ولذلك يجب على المسيحي أن يصوم لسانه عن الشر .

إذا رغبت أن تحكم على إنسان لتعرف إن كان صالحاً أو شريراً يمكنك أن تحكم عليه من أقواله كما يقول السيد المسيح “الإنسان الصالح من الكنز الصالح في القلب يخرج الصالحات والإنسان الشرير من الكنز الشرير يخرج الشرور”( مت 12: 35 ) .

فإذا أردت أن تظهر للناس نقاء قلبك و صفاء عقلك وسعة حكمتك وفهمك فعليك أن تنطق أمامهم بما هو صالح ونافع لأنه من فضلة القلب يتكلم الفم ” ( مت 12 : 34 ) . وكما أن الثوب يكشف عما تحته ، والشجرة تخرج أثماراً من جنسها هكذا كلام الناس يكشف بواطنهم وأخلاقهم وصفاتهم ” من ثمارهم تعرفونهم ” ( مت 7 : 16 ) فلا تقل إني صائم صوماً حقيقياً ولسانك غير صائم .

والمسيحي يجب أن يكون ممتازاً عن أهل العالم في الكلام وفي كل شئ . فالذي يشترك مع الناس في إلقاء الكلمات جزافاً دون أن يمتحنها ويزنها لا يعد مسيحياً . لأن الرسول يوصي تيمثاؤس تلميذه قائلاً ” كن قدوة للمؤمنين في الكلام وفي التصرف وفي المحبة في الروح في الإيمان في الطهارة ” ( 1 تي 4 : 12 ) .

وها هو بطرس الرسول لما ظهر أمام اليهود خاطبته الجارية قائلة ” أنت أيضاً منهم فلغتك تظهرك ” ( مت 26 : 73 ) .

والحقيقة أن كل إنسان يعرف بلغته ولسانه .. هل كلامنا يظهر للناس أننا مسيحيون أم لا ؟! وهل لساننا ممتاز عن ألسنة أهل العالم ؟! وهل كل من سمع كلامنا حتى وغن لم يكون يعرفنا يحكم بمسيحيتنا الحقة أو لا ؟! إن الأسف يملأ القلب و الدمع يفيض من العين كلما نشاهد أبناء المسيح يشاركون أبناء بليعال ، و أولاد النور يتشبهون بأولاد الظلام ، حتى أنه أصبح من الصعب أن نجد بين المسيحيين العديدين مسيحياً حقيقياً يمجد الله بلسانه وبكلامه . فهل لديك الاستعداد أن تجعل لسانك صائماً .

يشبه يعقوب الرسول عصيان اللسان وضرره بعدة تشبيهات نذكر منها أنه :

نار :

لأن الضرر الذي يحدثه اللسان سريع الانتشار ، ويصعب التحكم فيه كالنار إذا وقعت جذوة منها في ساحة كبيرة تحرقها ” لأن الفجور يحرق كالنار تأكل الشوك و الحسك وتشعل غاب الوعر ” ( إش 9 : 18 ) .

عالم الإثم :

لأن اللسان هو العضو الذي يحاول أن يجعل الشر جذاباً . وبه يجعل المر حلواً . والرديء حسناً . ويحاول الإنسان تبعاً لذلك أن يبرر ذاته ، ويدافع عن سلوكه السيئ .

وباللسان يمكن أن يحرض ويغوى الآخرين لعمل الشر . ما هو الذي يقود الإنسان بعيداً عن الله ، و يعصي أوامره و تعاليمه .

شر لا يضبط :

لا يستطيع أحد من الناس أن يضبط لسانه ، ولا يستطيع أن يضبط لسان غيره ، لا بالترهيب ولا بالترغيب إلا بمعونة الله و عمل النعمة في حياته .

مملوء سماً مميتاً :

من سموم اللسان التشكيك في الله وعدله ومحبته ، وبث الغيرة والحسد و الغش و التكبر و الخداع والكذب ” سنوا ألسنتهم كحية حمة الأفعوان تحت شفاههم ” ( مز 140 : 3 ) .

ويقول بولس الرسول ” حنجرتهم قبر مفتوح . بألسنتهم قد مكروا . سم الأصلال تحت شفاههم . وفمهم مملوء لعنة ومرارة ” ( رو 3 : 13 14 ) .

وعلى الرغم من أنه لا يوجد إنسان بدون خطيئة لأنه ” ليس باراً ولا واحداً .. الجميع راغوا وفسدوا معاً ، ليس من يعمل صلاحاً ليس ولا واحد ” ( رو 3 : 10 12 ) إلا أن يعقوب الرسول يرى أنه يمكن للرجل أن يلجم اللسان وكل الجسد أيضاً . لأن اللسان هو عضو صغير بالنسبة للجسم يمكن ضبطه و توجيهه التوجيه السليم الذي يؤدي إلى ضبط الجسد كله وتوجيهه كما يحق لإنجيل المسيح طالما كان الإنسان خاضعاً لعمل النعمة ، وكل قوة خاضعة لعقله وضميره . مثله في ذلك مثل لجام الخيل الذي وهو آلة صغيرة تستطيع أن تخضع الخيل مع شدة قوتها .

ومثل دفة السفينة التي على الرغم من صغرها ، تمكن ربان السفينة أن يوجه السفينة الكبيرة في وقت العاصفة وهياج البحر إلى حيث يشاء الربان وإلى بر الأمان

من أقوال سليمان الحكيم عن اللسان في سفر الأمثال نذكر الآتي : ” الجواب اللين يصرف الغضب و الكلام الموجع يهيج السخط ، لسان الحكماء يحسن المعرفة وفم الجهال ينبع حماقة .. هدوء اللسان شجرة حياة وأعوجاجه سحق في الروح ” ( أمثال 15 : 1 4 ) ” المتقلب اللسان يقع في السوء ” ( أمثال 17 : 3 ) ” فم الجهال مهلكة له وشفتاه شرك لنفسه ” ( أمثال 18 : 7 ) . ” اللسان اللين يكسر العظام ” ( أمثال 25 : 15 ) . فهل لسان صائم ؟ لغتك تطهرك .

 

42 الموت و الحياة في يد اللسان ( أم 18 : 21 )

يقوم اللسان بوظيفتي التذوق و النطق . و اللسان الرديء كثيراً ما يستعبد صاحبه ويجلب عليه الشرور و الويلات في تأدية هاتين الوظيفتين . فقد يخضع المرء لحاسة ذوقه فيصير شهوانياً شرها لا يهمه إلا التلذذ بأنواع الطعام والشراب ، حتى يصبح سخرية بين الناس . على أن الله يعلم الشرهين و المغرمين بالمآكل و المشارب أن يقنعوا بكل ما تصل إليه أيديهم ويأكلون ما يقدم لهم .

أما الخطر الأعظم الذي يجلبه علينا اللسان فيأتي عن النطق . و النطق هو ميزة جليلة يمتاز بها الإنسان عن الحيوان ، فيه يتباحث ويتفاهم فتسهل أمامه أمور الحياة ، وتمهد سبل الراحة و السعادة وقد كان الناس في يوم من الأيام يتكلمون بلغة واحدة ، ولكن لما كثرت خطاياهم بلبل الله ألسنتهم فأصبح لكل قبيلة لسانها ، ولكل أمه لغتها .

إن اللسان هيئ لقضاء المصالح وإسعاد الحياة ، ولكن الإنسان طالما يخطئ التصرف فعوض أن يجعل لسانه وسيلة إسعاده وهنائه يجعله وسيلة لتعاسته وشقائه .

فالواقع أن يمكنه أن يجعل لسانه ينبوعاً عذباً يخرج الماء الحلو ، ولا ينطق إلا بالصالحات ، أو يجعله ينبوعاً ملحاً لا يخرج إلا المرارة ولا يتكلم إلا بما هو معوج و رديء وقبيح .

وليس من المعقول أن يحاول المرء في جعل لسانه الواحد ينطق بالكلام الحسن الرديء كما يقول الرسول نفسه ” ألعل ينبوعاً ينبع من نفس عين واحدة العذب و المر . هل تقدر يا أخوتي تينة أن تصنع زيتوناً أو كرمة تيناً ؟ ولا كذلك ينبوع يصنع ماء ملحاً وعذباً ” ( يع 3 : 11 12 ) ..

إن الكثيرين من الذين يصلون ويتكلمون بالأمور الدينية لا يستنكفون من النطق بالأمور البطالة أيضاً . فبينما تراهم في أوقات العبادة يصلون مع المصلين ، ويرنمون مع المرنيمين ، ويقرأون مع القارئين تسمعهم بعدها يمزحون ويشتمون ويحلفون ويجدفون .

فما أتعس صاحب اللسان الدنس لأن صلاته وترنيمه وعظاته وتبشيره وكل عباداته لا يقبلها الله ، بل يعتبرها إهانة لأسمه القدوس كما يقول الكتاب ” ذبيحة الأشرار مكرهة للرب ” ( أم 15 : 8 ) ، وكما يقول أيضاً ” إن كان أحد فيكم يظن أنه دين وهو ليس يلجم لسانه فديانة هذا باطلة ” ( يع 1 : 26 ) .

احفظ لسانك وأجعله صائماً وقل دائما للرب ” ضع يا رب حارساً على فمي ” فلا تكن صائماً عن اللحم وأنت تأجل لحوم البشر بلسانك . ليتك تصغي لما يقوله الأباء عن اللسان حتى تدرك خطورته وتعمل على جعل لساناً صائماً .

يقول الأنبا إشعياء :

” إذا قمت في موقف الأبرار أحتفظ بلسانك ليسكن في قلبك خوف الله لأن من ينفلت من لسانه فهو ما زال عبداً . أما من غلب لسانه فقد صار حراً ” .

” لتكن ألسنتنا ملازمة ذكر الله و العدل لكي نخلص من الكذب ، فأحفظ نفسك من الكذب فإنه يطرد من الإنسان خوف الله”.

” عود لسانك دائماً أن يقول .. أغفر لي ، فيأتيك الأتضاع ” .

يقول الأنبا موسى الأسود :

” كمثل بيت لا باب له ولا أقفال ، يدخل إليه كل من يقصده ، كذلك الإنسان الذي لا يضبط لسانه من يهتم بضبط لسانه يدل على أنه محب للفضيلة ، وعدم ضبط اللسان يدل على أن داخل صاحبه خال من أي عمل صالح ، أحفظ لسانك ليسكن في قلبك خوف الله ” .

يقول الأنبا أنطونيوس :

” لا تكن مقاتلاً باللسان ، أجعل كل أحد يباركك . و الرب يسوع المسيح يعينك على العمل بمرضاته ، إياك و الكذب فهو يطرد خوف الله من الإنسان ” .

يقول ما أسحق : ” الذي يعود لسانه يقول الصالحات على الأخيار و الأشرار ، يملك السلام في قلبه سريعاً ” .

” الذي يصوم عن الغذاء . ولا يصوم قلبه عن الحنق و الحقد ، ولسانه ينطق بالأباطيل فصومه باطل ، لأن صوم اللسان أخير من صوم الفم ، وصوم القلب أخير من الاثنين ” .

يقول الشيخ الروحاني : ” فم العفيف يتكلم الطيبات ولذذ صاحبه ويفرح سامعه ” فم الطاهر النفس يتكلم كل ساعة على خالقه ، ومن يسمعه يخرج ويقتدي به ، فم الجاهل يفيض مرارة ويقتل صاحبه ” .

” من يلجم لسانه فلن يسلب كنزه منه إلى الأبد ” .

 

يقول الأنبا أغاثون : ” إذا كان الإنسان الداخلي متيقظاً ، فهو يستطيع أن يحرس الإنسان الخارجي أيضاً ، فلنحرص على اللسان بكل وسيلة في استطاعتنا ” .

قال الأنبا أوغريس : ” أختم باب أتعابك بالصمت لئلا يقلعه اللسان ، فينتج المجد الفارغ الذي ينزعها ” .

وقال أنبا بيمن : ” علم قلبك ما تقوله بلسانك من العلم ” .

 

43 الصوم و الزوجين وماسورة المدفع

إن جعل الجسد بالصوم متوافقاً مع طهارة الروح وشفافيتها يجعل العبادة طاهرة و الصلاة قوية نفاذة ولا شئ يعيقها لأن كل نزاع يحدث انقساماً وكل انقسام يحدث تشتيتاً للقوى فتعاق الصلاة كما يقول القديس بطرس الرسول : كذلك أيها الرجال كونوا سالكين بحسب الفطنة مع الإناء النسائي كالأضعف معطين إياهن كرامة كالوارثات أيضا معكم نعمة الحياة لكي لا تعاق صلواتكم . ( 11 بط 3 : 7 ـ 8 ) .

فكما أن التنازع بين الزوجين المتلاصقين و عدم التوافق بينهما يعيق الصلوات هكذا عدم توافق الجسد مع الروح في الشفافية و اللطافة يعيق الصلوات فلا تنفذ إلي الأعالي ، فكما أن حصر القذيفة في ماسورة المدفع الضيق يعطيها قوة الانطلاق و الفتك هكذا حصر الصلوات في جسم مضيق عليه بالصوم يعطيهما قوة النفاذ و الانطلاق و التأثير الفعال .

 

44- الصوم و الشكر و طلب البركة

أن الله وحده هو الذي يبارك في طعامنا و يضمن لنا السلامة و الصحة . و لهذا يجب علينا أن نلتمس بركته قبل الأكل و بعده . في إعداد طعامنا و تهيئة شرابنا ، في عمل كل شيء يخص حياتنا الروحية و الجسدية .

أن السيد المسيح لم يكن يتناول الطعام إلا بعد ما ينظر إلي السماء و يشكر و يبارك و قد ترك لنا مثالا لكي ننسج علي منواله . فالإنسان الذي يلتمس بركة الله يذكر نفسه بافتقارها و عجزها عن سد حاجاتها ، و يشعرها بأن ما تملكه من النعم ليس سوى منة من منن الله ، فتزول عنها الكبرياء و تشعر بأنها محتاجة إليه في كل شيء فيشعر بالسعادة في صومه و في طعامه البسيط .

أن الاعتماد علي الله في أمر الطعام الجسدي يبارك الطعام كما تباركت الخمس خبزات و السمكتان ، و يحفظنا من الأضرار عديدة كما حفظت إليشع و من معه من الطعام المسموم ( 2 مل 4 : 41 ) ، و زيادة علي ذلك فإنه يزيد المؤمن إيمانا و ثقة بالله و يجعل الصوم مصدر فرح و سعادة .

فأتكل علي الله ايها المؤمن و قدم له شكرك لأنه هيأ لك أطعمة و أشربة تأكلها و تشربها ، و التمس معونته و بركته لكي يعولك .

لقد عال الإسرائيليين أربعين سنة في برية طور سيناء ، هكذا مهما كنت فقيرا و معتازا و مهما كان دخلك ضئيلا هو قادر أن يبارك لك غلاتك و طعامك و شرابك لأن ” الأشبال احتاجت و جاعت و أما طالبوا الرب فلم يعوزهم شيء من الخير ” ( مز 34 : 10 ) .

 

45- اعتراض للتخلص من الصوم

يقوم الصوم بأمرين : أولهما الانقطاع عن الطعام مدة معينة ، و الثاني تعاطي أطعمة خالية من الدسم ، و لا شك في أن الأمرين يساعدان كثيرا علي تقوية الروح و الارتقاء بالنفس و قمع الجسد بعكس الذين يعيشون للأكل و الشرب و اللهو فإن الجسد يجد فرصاً كثيرة للإيقاع بهم .

إن البعض لكي يتخلصوا من عبء الصوم يعترضون بأن الصوم ضار بالصحة منهك للقوى ولكننا نجيبهم بأن الانقطاع عن الطعام لمدة معينة في أوقات معينة يعمل على إراحة المعدة فتؤدي عملها بنشاط بعد أن تكون قد استرخت فترة من النهار ، وكذلك تناول الأطعمة الخالية من الدسم لا يضر الجسم مطلقاً بل بالعكس يزيده صحة وقوة ، إن الإنسان الأول لم ينهمك في أكل اللحوم وارتشاف المسكرات ولم يتناول أنواع الأطعمة العديدة التي يتفنن الناس في تهيئتها اليوم ، وكان معظم طعامه من البقول و الفواكه و الخضر وكان أطول عمراً وأقوى جسماً منه الآن . بل لم يكن من السهل أن يصاب بالأمراض كما يصاب في هذه الأيام ويكفي أن الأطباء الآن ينصحون بتناول الخضر و الفواكه ويقررون أنها تفيد الجسم فائدة عظيمة ، بل إنهم أحياناً يعالجون بعض الأمراض بالصوم فيصرخون للمريض بتناول النباتات ويمنعونه عن تناول اللحم ؟

 

46 الصوم وأخوة الرب

لنجلب رضى الله وبركاته فنشرك الجائعين في طعامنا وشرابنا ، فليس من العدل أن نأكل وهم جياع أو أن نلبس وهم عراة، ولذلك يقول أيوب ” إن كنت منعت المساكين عن مرادهم وأفنيت عيني الأرملة أو أكلت لقمتي وحدي فما أكل منها اليتيم .. إن كنت رأيت هالكاً لعدم اللبس أو فقير بلا كسوة . إن لم تباركني حقواه وقد أستدفأ بجزة غنمي .. قلتسقط عضدي من كتفي ولتنكسر ذراعي من قصبتها ” ( أي 31 : 16 22 ) .

السيد المسيح أوضح لنا أن كل صدقة نتصدق بها على الفقراء كأنها تقدم لشخصه الأقدس . وفي يوم الدينونة سوف يقول للمحسنين ” تعالوا إلي يا مباركي أبي رثوا الملك المعد لكم منذ تأسيس العالم لأني جعت فأطعمتموني ، عطشت فسقيتموني كنت غريباً فآويتموني ، عريانا فكسوتموني ، مريضاً فزرتموني .. بما أنكم فعلتم أحد أخوتي هؤلاء الأصاغر فبي قد فعلتم ” ( مز 25 : 34 ـ 4 ) .

 

47- العناكب و النحل و صوم المرئيين

قيل أن هناك نوعا يشبه النحل في دخول البساتين و قطف الندي من علي أكمام الزهور يدعي العناكب و لكنه يخالفه في تحويل هذا الندى لأنه بينما يحوله  النحل إلي شهد ترى هذه العناكب تحوله إلي حمى لاذعة سامة .

هكذا أيضاً نجد بين الصائمين نوعاً يشبه العناكب إذ بينما الصائمون الأتقياء يقطفون بالصوم ندى السماوات و يفعلون العجائب و المعجزات ترى قوماً يتخذون من الصوم وسيلة للتفاخر و المباهاة و طلب المجد الباطل و هؤلاء هم المراؤون الذين يفسدون كل ما كان صالحاً الذين أشار إليهم السيد المسيح حين قال : ” و متى صمتم فلا تكونوا عابثين كالمرائين فإنهم يغيرون وجوههم لكي يظهروا للناس صائمين الحق أقول لكم أنهم قد استوفوا أجرهم . و أما أنت فمتى صمت فأدهن رأسك و أغسل وجهك لكي لا تظهر للناس صائماً بل لأبيك الذي في الخفاء .. فأبوك الذي في الخفاء يجازيك علانية”(مت6: 1618).

و قد ضرب السيد المسيح له المجد مثلاً أوضح فيه ما كان عليه الفريسيون من المفاخرة بأصوامهم حتى أمام الله فقال : إنسانان صعدا إلي الهيكل ليصليا واحد فريسي و الآخر عشار ، أما الفريسي فوقف يصلي في نفسه هكذا ” اللهم أشكرك أني لست مثل باقي الناس الخاطفين الظالمين الزناة ولا مثل هذا العشار. أصوم مرتين في الأسبوع”(لو18: 10-12).

فقد جعل الصوم للإذلال و الحزن حيث كان الوجه يعفر بالتراب و الرماد الذي يجلس عليه الصائم في مسوحه و الشعر منكوشاً و النظرات عابثة فجاء الفريسيون يتنكرون تحت هذه الأثواب و يخفون أفكار الكبرياء و الغرور و يحجبون الوقاحة و القلوب المتحجرة فجعلوا من إنكار الذات مظهر للبر الذاتي و القداسة المزيفة و غرضهم من هذا أن يجتذبوا إليهم التفات الناس للحصول علي شهرة التعبد و التفوق علي معاصريهم ليحصلوا علي كسب من التقوى و قد نجحوا في هذا نجاحاً عظيماً حتى قال السيد المسيح ” أنهم قد أستوفوا أجرهم ” إذ أعتبرهم الناس البسطاء أنهم اقدس من غيرهم و احترموهم مع أن صومهم المتفاخر لا يستحق أي احترام .

 

48- تجاهل الصوم

و بعكس الذين يقعون في خطية الرفاع فإن هناك أناس لا يحسبون لذلك اليوم حساباً .. لأن كل أيامهم رفاع إنهم يتلذذون بالأكل ما شاءوا ، و ليس للصوم أي اعتبار عندهم .

و لست أعنى هاهنا أولئك الذين يقاومون الصوم كعقيدة فهناك من الكتابات الكثير التي تظهر بوضوح صحة عقيدة الصوم لكنيستنا القبطية الأرثوذكسية . و لكني أعجب من أولئك الذين لا يصومون لنهم يستهترون بالصوم و كأنه ليس لهم .. و هؤلاء المحجمون عن الصوم يفوتهم الكثير من نتائجه العظيمة .. و إني لمتيقن أنهم لو جربوه لترقبوا أيام الصوم بشوق عظيم .

كذلك هناك الذين لا يصومون إلا لفترة محدودة في آخر الصوم لا لعدم قدرتهم و لكن لتعودهم علي هذا . و هل يعني التعود علي شئ أن نستمر فيه حتى و لو كان خطأ .. يقول القديس يوحنا فم الذهب : ” لا تيأس من خطاياك يا أخي و اعلم ان أشر الخطأ هو أن يثبت الإنسان في الخطأ . و أمر من الواقعة هو أن يبقى صاحبها طريحاً ساقطاً بدون أن ينهض. أي زمان هو أوفق للتوبة من زمن الصوم “.

و لسنا في حاجة إلا لأن نظهر بعض نواحي جمال الصوم حتى إذا ما أحسسنا به أقدمنا عليه ، و لكن نريد أن نضع في أذهاننا انه مهما كثر الحديث بدون أن نختبره في حياتنا لا يمكننا أن نتذوق هذه البركات التي فيه و التي منها ما لا يمكن أن يوصف بقلم .

 

49- الصوم فضيلة فلا تخف منه

هل تحب اقتناء الفضائل يا أخي .. أم انك ما زلت لا تهتم بهذا .. ليتك الآن تحب ان تكون إنساناً فاضلاً . أسمع ما يقوله القديس يوحنا فم الذهب ” إن الصوم بالحقيقة فضيلة عظيمة و لا يوجد غيرها ما يساويها”.

و لا تظن أن الصوم مخيف و مرهب لأننا لا نطالبك بالتطرف و إلا كان صومك غير مقبول . و لكن زيادة الرغبة في الصوم هي التي تنمو من ذاتها كنمو طبيعي . عليك فقط ان تبدأ بالصوم يقول القديس أيرنيموس في رسالة إلي ديمترياس العذراء: ” و مهما يكن من أمر فإني لا أضع عليك كفرض أو كنوع الإلزام أي أصوام أشد صرامة و امتناع غير مألوف عن الطعام فغن مثل هذه الممارسات سرعان ما تضعف بينة الجسم الضعيفة و تسبب أمراضاً جسيمة ، قبل أن تضع أساساً لحياة مقدسة “.

و مما يؤثر علي الفلاسفة ان الفضائل وسائط و أن كل تطرف هو من طبيعة الرذيلة .. عليك الا تواصل الصوم إلي أن يبدأ قلبك يشعر بالخفقان ، و يسقط تنفسك ، و تشعر بالحاجة إلي أحد يساعدك أو آخرين يحملونك لا ، فبينما تكبحين رغبات الجسد ، عليك أن تحتفظي بقدر كاف من القوة البدنية لقراءة الأسفار المقدسة ، لترتيل المزامير و الأسهار . فليس الصوم في ذاته فضيلة كاملة ، لكنه أساس يمكن أن تبني عليه فضائل أخرى . إنه خطوة للطريق العالي .

 

50- صوم الأرجل و الأقدام

كان السيد المسيح يسير علي قدميه كما نسير نحن علي أقدامنا ، و لكن شتان ما بين الطرق التي سلكها هو و الطرق التي نسلكها نحن فهو ” كان يجول يصنع خيراً. و يشفي الذي تسلط عليهم إبليس ” (أع 10: 38) . و كان يسير في كل مدينة و قرية يكرز ببشارة الملكوت (مت4: 22) ، كان يتعب ويمشي علي قدميه ليلاً ونهاراً لأجل خلاص البشرية وتبشيرها و شفاء أمراضها . أما نحن فواحسرتاه قد لوثنا أقدامنا بالسلوك في أماكن الضلال .

فويل لك يا نفسي لأنك لم تتخذي لك من حبيبك مثلاً أعلى ، و لم تشابهيه في شئ . سار علي رجليه ليردك إلي حظيرته ، و أنت تسيرين بخطى واسعة لتهربي من الحظيرة إلي الفيافي و القفار ، تعبت قدماه من المسير لأجل خلاصك ، و أنت تتعبين قدميك في التخلص منه و السلوك وراء الشيطان ، رضى ان تسمر رجلاه علي عود الصليب لكي تتحرري أنت من قيود الخطية و أنت تطلقين لقدميك الريح حتى تسيري بعيداً عنه ، و تعملي علي كسري نواميسه و شرائعه .

ليتك تحفظ قدميك عن الشر ، و دربهما علي الصوم عن الرذائل و الذهاب إلي الأماكن التي لا تمجد اسم الله فيكون صومك مقبولاً . في كل طريق تسلمه الله يلاحظك و يراقبك و حدقتاه تلاحظانك تذكر قول أيوب البار : ” بخطواتي استمسكت رجلي و حفظت طريقه و لم أحد ” (أي22: 11).

 

51- في بيوت الخطية

هناك قوم يصومون و ينقطعون عن الأطعمة الشهية و لكنهم لا ينقطعون عن الملذات والشهوات و قد جعل الصوم وسيلة لإذلال النفس و الشهوات وقتاً معيناً من الزمن لنيل أغراض صالحة و شهوات مقدسة ، و لكن هؤلاء يذللون الجسد بالصوم و يدللونه بالشهوات و أصوام كهذه مهازل و سخرية تجمع الشيء و نقيضه .

كان أحد الأباء يعظ و كان يندد علي هذا الصنف من الناس فبعد الوعظ قال له أحدهم بأنه لما كان طائشاً في شبابه و يبيت في بيوت الدعارة عند خليلة له فكانت خليلته الغير مسيحية تضحك منه و تهزا به كلما رأته يشدد عليها أن تأتيه يوم الأربعاء و الجمعة بفطور صائم مثل الفول المدمس و الزيتون و قالت له يوماً : ” ما يضحكني منك يا صاحبي محافظتك علي أصول الصوم و أنت لا تحافظ علي أصول دينك و فضائله ” فخجل من قولها.

 

52- تذهب إلي هذه الأماكن

من المدهش ان البعض ممن يذهبون إلي الكنائس و أماكن العبادة لا يتحاشون الذهاب إلي أماكن اللهو و الإثم . و بنفس القدمين اللتين تطآن بيت الله يطئون أماكن الخطية ، علي أن الله لا يقبلهم و هو يوبخهم دائماً ” من طلب هذا من أيديكم أن تدوسوا دوري ” (أش1: 12)

لقد نادي الرب موسى قائلاً ” أخلع حذائك من رجليك لأن الموضع الذي أنت واقف عليه أرض مقدسة ” (خر3 : 5) و هو ما زال يتحدى بهذا النداء الذين يطرقون باب كنيسته وقدمهم قد لوثتها الخطايا ، و لهذا يقول الحكيم ” أحفظ قدمك حين تذهب إلي بيت الله” (جا5: 1).

و إذا كان لا يمكننا أن ندخل بيت الله بأقدام دنسة فبالأولى لا يمكننا أن نطأ بها أرض الموعد ، لأنه ليس من المعقول أن القدم التي تقطع الطرق المعوجة ذهاباً و أياباً تستحق أن تدخل السماء الطاهرة النقية المعدة للقديسين .

فأمامك الطرق الطاهرة و المأمونة كثيرة يمكنك أن تسلكها ، أمامك طرق الحلال فسيحة تستطيع أن تحصل منها علي رزقك و رزق أولادك . فلا تتعب قدميك الليل و النهار في تحصيل المجد العالمي و الأموال الطائلة سواء كان ذلك بسلوك طرق الحلال أو الحرام . أمامك . المتنزهات و الحدائق و الحقول تستطيع ان تتنزه فيها عوض الذهاب إلي أماكن اللهو و الخلاعة، أمامك الكنائس و الجمعيات ، و المكتبات الدينية ، و اجتماعات الوعظ ، و مدارس الحد فأدخلها آمناً مطمئناً ، لكي تقول مع داود ” فرحت بالقائلين لي إلي بيت الرب نذهب ” (مز 122: 1). “طوبي لأناس عزهم بك. طرق بيتك في قلوبهم “(مز84: 5)، أمامك بيوت المرضى و سجون المساجين و مشافي السقماء ودور الحزاني ن و ملاجئ العجزة و أكواخ الفقراء و الأيتام تستطيع أن تزورها لتخفف آلام الساكنين فيها ، و تذكر أنه خير لك ان تذهب إلي أحد هذه الأماكن من أن تؤم دور الملاهي و المجون لأن ” الذهاب إلي بيت النوح خير من الذهاب إلي بيت الوليمة ” (جا 7: 2).

هل تذهب إلي بيت الله بقدمين غير صائمتين هلي تذهب إلي الكنيسة بأقدام ملوثة إنها دعوة لكي تجعل أقدامك صائمة فيتبارك طريق حياتك .

 

53- الله هنا

جاء خاطئ إلي أحد الكهنة ، و أراد الكاهن ان ينصحه و يعظه قال له ” عاهدني علي ان تقول في كل مكان تذهب إليه ((الله هنا)) و تكرر هذا عشر مرات ” فعاهده الخاطئ علي ذلك، و كان كلما طرق باباً من أبواب اللهو أو حل في مكان من أمكنة الإثم التي أعتاد أن يزورها يقول في نفسه ” الله هنا ” عدة مرات ، فيقشعر قلبه و يضطرب فؤاده و يخرج من المكان خائفاً مذعوراً ، و بهذه الطريقة استطاع ان ينجو من الخطية و يتحاشى الذهاب إلي أماكنها ، فما أجدر بنا أن نكرر في كل مكان و في كل بيت و في كل طريق ” الله هنا ” فإن كان وجودنا فيه يرضيه نمكث فيه ، و إن كان يغضبه نهرب منه سريعاً . هناك فرق بين القدم الصائمة و القدم الفاسدة .

لهفي علي أناس لا يسيرون بأقدامهم إلي في الطرق المحرمة فيذهبون بها إلي الخمارات حيث يحتسون كؤوس الخمر و يتجرعون المسكر ، و يطأون بها دور السينما و الملاهي واللعب و الميسر رغبة في مشاهدة مناظر الخلاعة والمجون ، و يسخرونها لكي توصلهم إلي أماكن النجاسة و الفسق ، و يستعملونها في تسلق الجدران للسرقة ، و يرفعونها للضرب و الركل و القتال . ما أشر الأقدام التي لم تعرف الصوم .

إن الذي يطرق طرق الشر سراً يخادع نفسه ، لأنه و عن كان في إمكانه ان يختفي عن أنظار الناس فليس في إمكانه ان يختفي عن العينين اللتين تكشفان الأستار و الحجب ، وتحدقان في كل مكان ، ” أين أذهب من روحك و من وجهك أين أهرب ، إن صعدت إلي السماوات فأنت هناك ، و إن فرشت في الهاوية فها أنت . إن أخذت جناحي الصبح و سكنت في أقاصي البحر فهناك أيضاً تهديني يداك و تمسكني بيمينك ، فقلت إنما الظلمة تغشاني . فالليل يضيء حولي . الظلمة أيضاً لا تظلم لديك و الليل مثل النهار يضئ كالظلمة هكذا النور” (مز 139: 7-12) .

سر في هذه الطرق المستقيمة ، و أما الطرق المعوجة فعرج عنها و انج بحياتك . إياك أن يجذبك إليها صديقك أو شهوتك أو ميولك . و إن وجدت طريق الفاسد واسعة وطريق البر ضيقة و متعبة ، ففضل هذه عن تلك ” ادخلوا من الباب الضيق لأنه واسع الباب و رحب الطريق الذي يؤدي إلي الهلاك و كثيرون هم الذين يدخلون فيه . ما أضيق الباب و أكرب الطريق الذي يؤدي إلي الحياة و قليلون هم الذين يجدونه ” (مت7: 13 14) فسر في هذه الطريق الضيقة لأنها هي الطريق الوحيدة التي توصلك إلي السماء “لا تمل يمنة و لا يسرة. باعد رجلك عن الشر ” (أم 4: 27) باختصار دع رجلك تعرف الطريق إلي الصوم .

 

54- القدم التي لا تصوم تصلب المسيح

جاء في التاريخ المقدس ان القديس بطرس الرسول لما هرب من رومية خوفاً من الصلب ، ظهر له السيد المسيح خارج المدينة ، فلما سأله القديس ” إلي أين أنت ذاهب يا سيدي “؟ أجابه ” لكي أصلب عنك مرة ثانية ” فتأثر القديس و ندم علي هروبه و رجع إلي روما وسلم نفسه للموت ، فما أشد خجل المؤمن حينما يصادفه الله و يواجهه و هو في طريق غير مستقيمة .

فتصور أيها الخاطئ و أنت تسلك في طريق الخطية أن المسيح واقف أمامك ، أرفع عينيك فتشاهده ماثلاً قدامك يحدثك بصوته ، و يشير إليك بيديه .. إنه يتألم كثيراً و يريد ان يعترضك حتى تعود عن طرق الفساد ، و هو يناديك و يسألك كما سأل آدم ” أين أنت ” ؟ فبماذا تريد أن تجيبه و أنت موجود في أماكن الفجور و حانات الخمر و دور الميسر ؟ و إذا سألك ” إلي أين أنت ذاهب ” ؟ هل تستطيع ان تجيبه بأنك ذاهب لسرقة منزل ، و للاشتراك في عمل مؤامرة ، أو لتحقيق غرض دنئ ، إذا كنت تأبى ان يعلم إنسان بأمر من هذه الأمور فخف بالأكثر من أن يراك الله و أنت تفعله .

قدم توبة الآن وجه قدمك في الطريق الصحيح . أفتح لها باب الصوم فتقودك إلي الحياة الأبدية .

 

55- جمال الصوم

هل تريد أن تسمع عن جمال الصوم . هيا ننصت للقديس يوحنا فم الذهب حينما يقول : “وأما الصوم فإنه إذا وجدنا معتقلين يحلنا من الأغلال و القيود و ينجينا من قوى الآلام المفسدة و يقبل بنا نحو الحرية الأولى و الانعتاق الأصلي . و أي برهان لك أعظم من هذا يدلنا علي محبة الصوم لجنسنا . كيف أنه يحارب عنا أعدائنا و ينقذنا من أسرهم و يوصلنا إلي حريتنا الأصلية فبالحقيقة إن هذا هو البرهان علي شدة محبته لنا .

أتشاء يا هذا أن تعلم كمية زينة الصوم للناس و حفظه و ثباته لهم فتأمل جنس المتوحدين المطوب العجيب ، طيف أنهم يفرون من الاضطرابات العالمية و يبادرون نحو قمم الجبال ويشيدون لهم أكواخاً في هدوء الصحاري ويجعلون الصوم هناك مقتناهم و مسكنهم وشريكاً لهم في جميع حياتهم و أما هو فيجعلهم ملائكة عوض بشر . و ليس لهم فقط بل لكل من وجده محباً له في المدن و القرى يصعده إلي حدود علو الفلسفة . موسى و إيليا اللذان كانا مقدامي أنبياء العهد القديم المشرفين بضياء الدالة البهية مع جملة فضائل عديدة لما آثرا ان يقتربا إلي الله بادرا أولاً نحو الصيام و صعدا علي ساعديه نحو رب الجنود . و أيضاً لما أبعد الله الإنسان منذ الابتداء سلمه في أيدي الصوم ليضبطه و يهتم بخلاصه كأب محب لأولاده أو معلم ذي حزم بقوله لآدم : من كل ثمر شجر الفردوس كل فهو لك مباح أما شجرة معرفة الخير و الشر فلا تأكل منها البتة . أفليس هذا شكلاً من الصوم و الإمساك فإذا كان الصوم في الفردوس ضرورياً فكم بالحري يكون اكثر ضرورة إذا كان خارجاً عن الفردوس . و إذا كان الدواء قبل الجرح نافعاً لمقتنيه فكيف إذاً بعده ، و إذا كان الصوم جيداً لنا قبل معاناة حرب الشهوات لنتخذه لنا سلاحاً و وقاية فكم بالأحرى و إلا لزم أن يكون بعد العداوة الحاصلة من قبل الشيطان و شهواته .

 

56- إياك أن تتمحك

تعال إذاً إلي الصوم و لا تتعلل بأي شئ . يقول صاحب بستان الروح ” إياك أن تتمحك أو تتعلل بعدم القدرة علي الصوم و لا تدع جسدك و هو قوي يخدعك و يتظاهر بالضعف ، و لا تمتنع عن الصوم خشية ضعف جسدك ، فالعكس هو الصحيح فالصوم يكسب الإنسان قوة ونشاطاً و يمنع أسباباً تقصر العمر فمعظم النباتيين من المعمرين .

و يقول القديس أيرونيموس لمن يخشي هزال الجسد ” خير لك أن تمرض معدتك و لا تمرض نفسك. وأن ترتجف ركبتك و لا تتزعزع عفتك، فأقمع جسدك و استعبده لئلا ترذل”.

 

57- ألهتهم بطونهم

أحذر الشراهة في المآكل : فالشره في الطعام كمثل النار التي لا تشبع مهما زدتها وقوداً ، او كمثل البحر لا يمتلئ مهما صبت فيه الأنهار . و الكتاب المقدس يصف الشرهين بقوله ” الذين نهايتهم الهلاك الذين آلهتهم بطونهم ” (في 3: 19) .

يقول الحكيم ” ضع سكيناً لحنجرتك إن كنت شرهاً ” ( أم 22: 3) لأن الشراهة صفة من أقبح الصفات التي تحط من قدر الإنسان و تجلب عليه السخرية و الهزء ، و هي ليست من  صفات الإنسانية بل من طباع الحيوانات .

فمن الشرهين أناس يتناولون جميع ما تصل إليه أيديهم سواء كانوا جياعاً أو مملوءين. فإذا ما جلسوا علي مائدة انقضوا علي الطعام كما ينقض الوحش علي فريسته . بل إن بعض الوحوش لا تقدم علي الطعام عن لم تكن جائعة . فكأن هؤلاء ينزلون أنفسهم إلي درجة أدنى من الوحوش .

و منهم أناس يشتاقون دائماً إلي أنواع مخصوصة من الأطعمة قد لا تمتلكها أيديهم ، فإذا لم يتح لهم تناولها سال لعابهم و ساءت حالتهم . مع ان الرسول ينصح هؤلاء بقوله ” كونوا مكتفين بما عندكم ” ( عب13: 5).

إن الشراهة تضر بصاحبها ضرراً بليغاً ، و لقد قرر الأطباء أنه من الواجب ألا يأكل الإنسان إلا إذا شعر بالجوع ، و ألا يتناول أكثر من كفايته أو ينتظر حتى تمتلئ بطنه من الطعام .

و هي بلا شك مضرة بالعقل لأن الشرهين لا يمكنهم أن يفكروا أفكاراً نيرة ما دامت بطونهم مملوءة باستمرار ، و هي مضرة بالمعدة لأنها تكون سبباً في إجهادها . و فضلاً عن ذلك فكثيراً ما تضر صاحبها بالكسل و الخمول و تجعله عاجزاً عن تأدية عمله بجد و نشاط .

و من الغريب أن بعض الشرهين لشراهتهم قد يقدمون علي تناول أطعمة لا تتناسب مع سنهم و لا مع حالتهم الصحية برغم النصائح التي قد تسدى إليهم .

و مما لا يغرب عن الذهن ان الشراهة و كثرة الأكل من أقوى العوامل علي إثارة الجسد وتقوية شهواته و ملذاته ، و لذلك فقد وجد ان من أهم العوامل علي قمع الشهوات الجسدية التخفيف من الطعام بقدر الإمكان و عدم الإفراط في الأكل و اقتناء الصوم .

 

58- الصوم و الصحة الجسدية

يقول علماء الطب الطبيعي : ان أساس كل علاج طبيعي هو إطلاق القوى الشافية الكامنة في جسم المريض ، فإذا ما أطلقت هذه القوى استطاعت أن تعمل داخل الجسم حتى تعيد له قدرته علي أداء وظائفه بطريقة طبيعية ، و هذا معناه عودة الصحة إلي الجسم .

و أهم تلك الوسائل العلاجية الطبيعية التي تطلق القوى الشافية هي الصوم .

إن الجسم في حالة الصحة يقوم بأداء وظائفه و أنشطته المتنوعة بكل قوة و هذا يحتاج إلي

الطعام لأهميته المطلقة للحياة و الصحة و بتمثل عناصر الغذائية يتمكن الجسم من القيام بعمله .

و لكن إكراه الجسم علي تناول مواد الطعام الزائدة يومياً التي يقدمها إليه صاحبه الجاهل بأصول الغذاء و حقائقه من شأنه أن يعرقل الجسم في سبيل الاحتفاظ بمقدرة وظائفه ونشطة في مستوى أعلى . و هذه العرقلة تزداد خطورة سنة بعد أخرى، و لا يقتصر الأمر علي هذا فقط بل أن المقدار الزائد من مواد الطعام الذي لا يستطيع الجسم الانتفاع به أو التخلص منه يتخلف في الجسم و يبقي فيه كأساس لجميع الأمراض .

إن الأساس الطبيعي لكل مرض في الجسم البشري أو الحيواني هو التغذية الخاطئة . و هنا تظهر قيمة الصوم كعامل علاجي شاف فبالصوم أي الامتناع عن الأكل ينتهز الجسم الفرصة لتنظيف نفسه ، لأنه عندما يكون مواظباً علي تناول الطعام في أوقاته العادية و لو بكمية قليلة فإن الجسم يضطر أن ينشغل بمعالجة الطعام و تكون وظيفة تمثيل الطعام هي العملية الغالبة في عمليات الجسم ، و لكن عندما يمتنع الجسم عن تناول الطعام فإن عملية التمثيل تقف و تحل محلها عملية سلبية هي عملية الإزالة .

و عمليتا الإزالة و التمثيل لا يمكن أن تتقدما في عملهما جنباً إلي جنب بل من انقطاع تام عن الطعام إذا أريد أن تكون هناك عملية إزالة حقيقية لأن الجسم في حالة خلوة من الطعام يكون حراً طليقاً و قوته منصرفة بتمامها في معالجة ما تراكم من المواد السامة المتخلفة في الجسم .

إن السموم و الفضلات التي تجمعت تدريجياً في الأنسجة في عدة سنين تراها في وقت الصوم مدفوعة إلي الدورة الدموية و من هناك يطردها نشاط الجسم طرداً نهائياً بواسطة أعضاء الإفراز العادية كالجلد و الرئتين و الأمعاء و الكليتين و في ع\هذه الحالة و أثناء هذه العملية المنظفة للجسم يلقي علي الكليتين عبء زائد و كذا علي القلب الذي يختار فيه دم مثقل بالسموم و يصبح البول كثيفاً بالفضلات و سموم الجسم المطرودة ، وكذا تقوم الأمعاء بعملها فيما يتعلق بطرد الفضلات و يتغطى اللسان بطبقة من الوساخة هذا ما قرره علماء الطب الطبيعي و هذا تقديرهم للصوم و نفعه و تأثيره العلاجي لشفاء أمراض الجسم.

 

59 الصوم طبيعة في الإنسان والخلائق

الحيوان والطير يمسك عن الأكل ويصوم إذا ما شعر بانحراف فلا يأكل ولو أكرهته أو لاطفته وربما ظل ممتنعاً عن الأكل أسبوعاً أو أكثر ويكتفي بأن يرتشف بين وقت وآخر نقطة ماء إلى أن تلهمه غريزة المحافظة على النفس بأنه أصبح قادراً على تناول أكله .

وقد أشتهر بين الطيور والحيوانات التي تصوم كثيراً الدبة وقد قيل أنها إذا اعتراها وجع الأمعاء صامت أربعين يوماً بدون أكل وقيل أيضاً أن النسر يجدد شبابه بالصوم ودودة القز كيف تندرج في مسوح من الحرير وتلبث أياماً مدفونة في غلافها بلا طعام وبعد ذلك تخرج إلى حياة جديدة وشكل جديد .

وليست الحيوانات والطيور فقط التي تصوم بل والزارع أيضاً يصوم لأن الزرع النابت في مستنقع المياه لا يعيش لامتناع حرارة الشمس عنه بسبب كثرة الرطوبة وكذا الأشجار الكثيرة المياه يتربى السوس في جوفها بخلاف ما إذا أمسك الماء عنها وصامت وقتا ما فأنها تثمر وتحيا .

وكذا الجماد أيضاً فإن دوام الماء على الأرض يجعلها مستنقعاً تتجمع فيه الديدان والحشرات القاتلة للزرع ولذلك ترى المزارعين يعطشون الأرض ويمسكون الماء عنها وقتاً للتعرض لحرارة الشمس لتقويتها ولكي تعطي للزرع قوتها وتنقطع عنها الديدان والحشرات . ويذكر القارئ ما أشار به الأخصائيين كعلاج للأراضي الزراعية التي أصيبت بدودة القطن فقالوا: يجب أن تعطش نصف الأراضي الزراعية وتمنع عنها المياه والزرع مدة سنة وهكذا يعطش النصف الآخر في السنة الأخرى .

وكذلك الإنسان تاج الخلائق فأنه يمتنع بطبيعته بتاتاً عن الطعام من تلقاء ذاته في بعض الأمراض لا فرق بين الطفل والرجل فأنه يصوم عن الآكل فلا يأكل حتى ولو أكرهته أو لاطفته .

 

60 الصوم بلا تفاخر

حسناً نصوم ولكن ليس حسناً أن نتفاخر بالصوم ، لأننا عندما نتفاخر نكون قد أحسسنا بأننا صنعنا شيئاً وأننا قد أمسينا دائنين لله ، وحاشا لله أن يكون مديوناً لأحد ، بل أن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد فحسب لكنه يمتد إلى الدرجة التي ينبغي أن أخفي آية مظاهر قد تظهرني صائماً أمام الناس . ذلك أن الصوم إن كان في عالم الملموسات امتناع عن الطعام لفترة من الوقت ثم الأكل من أطعمة خالية من الدسم ، لكنه في جوهره وعمقه بناء عجيب في علاقتنا السرية مع الله .

 

61 لا تعلن عن صومك

إن خرجنا عن حد العلاقة السرية بيننا وبين أبينا السماوي وبدأنا نعلن عن أنفسنا حتى يعلم الناس أننا أهل التقوى .. كأن نسند بعض التقصير في أعمالنا إلي عدم وجود الجهد لدينا لأننا صائمون ، أو ننسب قلة الاحتمال وسرعة الغضب إلى الصوم ، ولسان حالنا يقول من لحظة لأخرى ” اللهم إني صائم ” .. إن هذا يقلب معني الصوم العظيم ويمسخه وينسب إليه ما ليس فيه حتى أن ذلك الجمال الفائق يصبح صورة مشوهه تشمئز منها النفس .

 

62 أخف صومك عن الناس

ولنفرض أن أعراض الصوم بدأت تظهر علينا فما هو موقفنا إزاءها ؟

إننا بأنفسنا لم نسع لنعلن عن أصوامنا لكنها حينئذ هي التي تعلن عن نفسها .. إلا أن هذا لا يخلينا من المسئولية لأنه يمكننا أن نغسل وجوهنا وندهن رؤوسنا فنظهر للناس صورتنا العادية التي تعودوا على رويتها فلا يكون هناك مجال لإشهار صومنا أمام الناس .

 

63 الصوم وضبط النفس

إن الحياة المسيحية وليدة التضحية وإنكار الذات تقوم على ضبط النفس وإلا كانت حياة لا تمتاز عن غيرها وتكون حياة ضائعة وقوة مبددة كحياة الكثيرين من النساء والرجال والشبان والشابات الذين يفنون العمر باطلاً ويضيعون قواهم الروحية والجسدية عبثاً .

ولقد شبه أفلاطون الفيلسوف النفس بصورة وحش كثير الرؤوس ، وصورة أسد ، وصورة إنسان يجمع هذه الصور الثلاث شكل واحد .

فالإنسان يمثل الطبيعة العليا أو العقل ، والأسد يمثل العنصر الانفعالي أي حدة الطبع وسرعة التأثر ، والوحش كثير الرؤوس يمثل الشهوات والمطامع وكل المشتهيات المنحطة الدنيئة .

فعندما يحكم الإنسان في الداخل يكون حال الإنسان هكذا سعيداً .

وضبط النفس نراه في الكتاب المقدس بارزاً ومتوجاً على الفضائل كثيرة فقال سليمان الحكيم : إذا جلست تأكل مع متسلط فتأمل ما هو أمامك تأملا وضع سكيناً لحنجرتك أن كنت شرهاً (أم 23 : 1 ) وقوله : البطيء الغضب خير من الجبار ومالك روحه خير من يأخذ مدينة  (أم 16 : 32 ) .

ويقول القديس بولس الرسول : ” وكل ما يجاهد يضبط نفسه في كل شيء ” ( 1 كو 9 : 25 ) وعن الأسقف يقول ” يجب أن يكون ضابطاً لنفسه ” ( تى 1 : 8 ) ويقول عن نفسه ” بل أقمع جسدي وأستعبده ” ( 1 كو 9 : 27 ) .

فالمسيحية لا تبقي على وسيلة إلا وتستخدمها لإخضاع الجسد وضبطه . ، لذلك كان من المحتوم على المسيحي أن يتعلم ممارسة ضبط النفس وإلا سقط في مواقف النضال .

أن المسيحية هي القوة التي تضع القدم على الوحش وتغلبه ، والصوم من أكبر واعظم أعمال ضبط النفس وتهذيبها وترويضها لأن الإنسان الذي يستطيع أن يتمتع عن لذة الآكل الذي هو ضروري لقوام الحياة والذي أصبح عادة كالطبيعة فيه يستطيع بعد ذلك أن يمسك نفسه عن الاندفاع وراء كل لذة أو شهوة ولو كان قد أعتادها .

وليست الكنيسة وحدها ترى هذا الرأي بل علماء النفس الحديثون يقررون بأن الصوم من أقوى التمارين على تقوية الإرادة وضبط النفس ” أن الحياة العصرية تستخدم قوى كثيرة أن أخضعت كانت خير خدم ، وأن لم تضبط كانت سيادتها خطراً ، ويكفي أن نشير هنا إلي الكهرباء التي لو تركت بدون عوازل لقتلت الألوف وأنابيب الغاز التي لو أهمل ضبطها لدمرت الأحياء .. والأشياء القابلة للانفجار التي لو أغفل الاعتناء بها لخربت المدن ، ولكن هذه تعتبر توافه لو قورنت بقوة العقل الباطن الخطيرة فإن فكراً وحشياً يقضي على سلام العائلات جيلاً كاملاً وقد كانت أحلام الطامعين سبباً في هلاك الملايين من البشر وخراب الأقاليم المزدهرة العامرة .

” أن ضبط النفس يضع العالم تحت أقدامنا ” .

هذا ما قرره علماء النفس ومنه نعلم أن الصوم أكبر تمرين بل هو أساس التمارين لضبط النفس لأن الذين يملأون بطونهم يشبهون السفن المشحونة أحمالاً ثقيلة بعيدة عن أغراض الحرب أما الصائمون فيشبهون السفن الحربية التي لا يوجد فيها ألا أسلحة وجنود متمرنون مهيأون للقتال ويمكن في هذه الحالة إداراتها كيفما يلزم الأمر بخلاف السفينة الأولي . 

فالصوم هو اللجام القوى الذي يكبح جماح الجسد ويخضعه لقيادة الروح في مواقف القتال الروحي ضد أعوان الشر وجنود الظلمة .

 

64 الصوم المكروه

لقد كره الله الصوم وغيره من الأمور الأخرى كعمل يؤديه الإنسان ليفتخر به على غيره من الناس . وقال لقوم واثقين بأنفسهم أنهم أبرار ويحترقون الآخرين هذا المثل :

إنسانان صعدا إلى الهيكل ليصلياً وأحد فريسي والآخر عشار ، أما الفريسي فوقف يصلى في نفسه هكذا ” اللهم أشكرك أني لست مثل باقي الناس الخاطفين الظالمين الزناة ولا مثل العشار . أصوم مرتين في الأسبوع وأعشر كل ما أقتنيه . وأما العشار فوقف من بعيد لا يشاء أن يرفع عينيه نحو السماء بل قرع على صدره قائلاً : اللهم ارحمني أنا الخاطئ . أقول لكم إن هذا نزل إلى بيته مبرراً دون ذاك . لأن كل من يرفع نفسه يتضع ومن يضع نفسه يرتفع ” ( لو 18 : 9 14 ) . 

بماذا كنت تحس أيها الفريسي ؟ هل أنت قد صنعت لله معروفاً بصومك مرتين في الأسبوع ناسياً أن صومك لا يفيد الله بل تعود فائدته عليك لأنه الله الكامل وغير المتغير .. هل أنت بهذا جعلت على الله ديناً وهو يملكك بالتمام لأنه صنعك وكل القوى التي فيك من لا شئ .. ولماذا تفتخر فتعاير الغير بحسن صنيعك ولا تقارن نفسك إلا بمن هم دون مستواك حسب حكمتك الظاهري .. أنت ترى أنك أعظم من الجميع رغم أن الحقيقة تؤكد أن الكثيرين أفضل منك ؟ أنت تعلم ولا تعمل فأي عذر لك ؟ بينما غيرك يعمل قليلاً حسب معرفته القليلة .. فإن زادت معرفته زاد عمله .

لهذا فإن صمت فلا تفتخر على غيرك لأنه من جعلك قاضياً ودياناً له .. بدلاً من أن تنقذ ذاتك لأن النقد الهدام للغير لا يفيد في شئ .. أنظر إلى أولئك القديسون الذين كانوا يصومون بالأيام والأسابيع . أين أنت من هؤلاء ؟ لا تجعل صومك مكروهاً أمام الله بل بالحري أجعله أحد الوسائل التي تقربك منه لتختبره بصورة أعمق .

 

65 صوم بلا كبرياء

إذا فارق الأتضاع الصوم كان معني ذلك ضعف الصوم لأنه ليس تفاخراً وتظاهراً . أن الصوم الحقيقي هو صوم في الخفاء بلا تكبر ” وتسربلوا بالتواضع لأن الله يقاوم المستكبرين وأما المتواضعين فيعطيهم نعمة ” ( 2 بط 5 : 5 ) .

قال أحد القديسين ” تعب الإنسان بلا أتضاع يضيع كالفريسي ”

وقد بلغ الأنبا مكاريوس عن راهب متوحد داخل البرية له خمسون سنة .. لم يأكل فيها خبزاً .. كان يقول عن نفسه إنه قتل ثلاثة أعداء : الزنا وحب المال والمجد الباطل فسار به الأب مكاريوس ، ولما رآه المتوحد وكان رجلاً ساذجاً فرح كثيراً .

فسأله الشيخ عن عزائه وعن أحواله وقتاله ودار بينهما الحديث التالي قال المتوحد : قد زال مني قتال الزنا وحب المال والمجد الباطل .

ــ قال له الأب مكاريوس : ما هذا الذي تقوله يا أبي ؟! إذا رأيت امرأة جميلة أيمكنك ألا تفكر بأنها امرأة ؟

ــ لا .. ولكني أمسك فكرى عن أن أشتهيها .

ــ مبارك وإذا وقع نظرك على ذهب مطروح بجانب حجارة أما تميز بعضه من بعض ؟!  

ــ نعم .. ولكني أمنع فكرى ولا آخذ منه شيئاً .

ــ حسناً .. وأن سمعت أن أخاً يحبك ويمجدك وآخر يبغضك ويشتمك وقد حضر الاثنان عندك . أيكونان لديك في منزلة واحدة ؟

ــ لا .. ولكني أمسك فكرى ألا أقاتل عداوة شاتمي بمثلها .

ــ أغفر لي انك حسناً جاهدت وقاتلت وصبرت لأجل المسيح لكن أوجاعك لم تمت بعد وهي حية ولكنها مربوطة فتبت وأستغفر الله ولا تعد تقول عن نفسك هكذا فتحيا فيك الأوجاع أكثر.

فلما سمع منه المتوحد هذا الكلام أنتبه من غفلته وسجد بين يدي القديس مكاريوس قائلاً أغفر لي يا أبي لقد داويت جراح جهلي بمراهم وعظك الصالح .

فأين نحن بجوار ذلك الذي كان يحيا حياته صائماً لكنه كان يفتخر بانتصاراته .. إن الصوم ليس لأجل التظاهر ولا لأجل التفاخر بل هو عملي جسدي في مظهره ، روحي في أعماقه بالدرجة التي تجعل قوة الروح تخفي مظاهر الصوم الجسدي حتى لا ينتفخ الصائم بل يظل في عمق الهدوء في علاقته هذه مع الله .

 

66 لماذا نظهر صومنا للناس

ماذا أستفيد من ظهورى أمام الناس بالتقوى ؟ هل يستطيع أنه يكافئني أحد ؟ أيهما أجدى : أقول للناس أنا نور ؟ أم أن أترك مصدر النور الحقيقي ينيريني أمام الناس ليس ليمجد الناس نوري بل ليمجدوا مصدرة . ونور الله قد لا يضئ على الإنسان يتباهى بذلك النور لأن الإنسان حينئذ قد ينسبه لنفسه وهو في حقيقته ظلام دامس .. وكثيراً ما يكون السر في عدم عمل الله فينا هو عدم سماحنا له بذلك .. فأما أن نعمل نحن وإما أن يعمل الله فينا ، ولهذا فأننا نحتاج دائماً إلي إخلاء الإرادة الذاتية لكي يبدأ الله عمله العظيم فينا .

يقول القديس باسيليوس ” عود جسدك طاعة نفسك ، ونفسك طاعة إلهك ، مالا ينبغي أن تعمله فلا تفكر فيه ولا تذكره . إن أردت أن تكون معروفاً عند الله فأجتهد ألا تكون معروفاً لدي الناس .

إلي هذا الحد تكون منفعة العمل المقدس الذي هو الصوم في الخفاء .. إن المسألة تحتاج إلي جهاد لكي نخفى أصوامنا عن الناس .. وهذا الجهاد نفسه إنما يقربنا من الله . إنني أخلى من ذهني بالتمام أهمية معرفة الناس لممارساتى في الصوم وحينئذ أتفرغ للتركيز على النظر إلى داخلي .. إلى داخل حيث روح الله الساكن في أعماقي .

ولكي تجعل السيطرة لأرواحنا على أجسادنا فلا بد أن نروض الجسد ونخضعه للروح لأننا مديونون ليس للجسد لنعيش حسب الجسد لأنه إن عشتم حسب الجسد فستموتون ولكن إن كنتم بالروح تميتون أعمال الجسد فستحيون لأن كل الذين ينقادون بروح الله فأولئك هم أبناء الله ( رو 8 : 12 14 ) .

ولماذا نريد أن نظهر فضائلنا أمام الناس ونحن نعلم أن هذا يقودنا إلى الكبرياء ، ”  قبل الكسر الكبرياء وقبل السقوط تشامخ الروح ” ( أم 16 : 11 ) .

ولقد كان القديس مكاريوس يصوم ويسهر كثيراً لكن اقتران ذلك بتواضعه أذل الشيطان إذ ظهر له مرة وقال له :

” ويلاه منك يا مكاريوس هوذا كل ما تصنعه فإياه أصنع وأكثر . أنت تصوم وأنا لا آكل . أنت تسهر وأنا لا أنام . لكنك تغلبني بشيء واحد فقال له القديس وما هو ؟! أجابه أنك بالاتضاع وحده تقهرني ” .

 

67 المجازاة ورغبات القلب

أن الله يكافئ الناس ويعاقبهم حسب رغبات قلوبهم . فالناس الصادقون ينالون المدح من الله لأنهم يطلبون هذا المدح منه مفضلين إياه على كل شئ إذا يطلبونه بصوم العقل عن ملذات الخطية ، يطلبونه بالجوع والعطش إلى البر ، يطلبونه بالثقة في دم المسيح بقلب متجه إلى البر ، يطلبونه بالسرور والابتهاج بالأعمال الصالحة وأعمال الرحمة والإحسان .

أما المراؤون فينالون المديح من الناس لأنهم يطلبونه مفضلين إياه على مدح الله ويحصلون على ما يسعون في طلبه من المديح الذي لا يستحقونه وينالونه من البسطاء السذج الذين لا يستطيعون رؤية خبثهم ومكرهم ، يحصلون عليه من المتملقين المداهنين ! .

 

68 الأذن الصائمة والصديق القديم

أن كل كلمة يسمعها الإنسان لها أثر فعال في حياته وتصرفاته وصفاته . ولربما تكون كلمة عذبة مشجعة يسمعها شاب أو طفل سبباً في إسعاده ونجاحه مدى الحياة ، وبالعكس قد تكون كلمة أخرى عاملاً على بث اليأس والقنوط فيه ، وجر صنوف الشقاء والعناء والفشل عليه .

فالعاقل من لا يفتح أذنه لكل صوت ، أو يهيئها لسماع كل الأحاديث ، بل يصونها ويحفظها ولا يسمعها إلا الحديث الذي يستريح أليه ضميره العاقل هو من يدرب أذنه على الصوم .

تاب شاب فجاء أليه صديق قديم وقال له ” كنت بالأمس في السينما وشاهدت رواية جذابة . أنها قصة حب وغرام شيقة وسأقص عليك خلاصتها فهي ممتعة ” فقاطعه الشاب المؤمن الذي تعلم كيف يجعل أذنيه صائمة ” ليست أذني صندوق قمامة يطرح فيه الناس ما لديهم من القاذورات ” ثم هرب دون أن يسمع باقي الحديث .. لقد قال رب المجد ” انظروا كيف تسمعون ” ( لو 8 : 18 ) .

كثيراً ما ينصب العدو شباكه لينجس السمع عن طريق أحاديث مبتذله أو أغاني عالمية ، فلنهرب منها أن أردنا الاحتفاظ بطهارة آذاننا ، فلا نسمح أن يمر من هذه الحاسة إلى داخلنا ألا كل ما هو مقدس ” لننصت ألي نصيحة الحكيم ” يا بنى أن قبلت كلامي وخبأت وصاياي عندك ، حتى تميل أذنك ألي الحكمة وتعطف قلبك على الفهم ” ( أم 2 : 1 ) .

” اسمع يا أبني تأديب أبيك ولا ترفض شريعة أمك لأنها إكليل نعمة لرأسك وقلائد لعنقك ” (أم 1 : 8 9 ) .

” أسمع يا أبني وأقيل أقوالي فتكثر سنو حياتك ” ( أم 4 : 10 ) .

” الآذان السامعة توبيخ الحياة تستقر بين الحكماء .. من يسمع للتوبيخ يقتنى فهماً ” ( أم 15 : 31 32 ) .

أسمع المشورة وأقبل التأديب لكي تكون حكيماً في أخرتك ” ( أم 19 : 20 ) .

” في أذني جاهل لا تتكلم لأنه يحتقر حكمة كلامك ” ( أم 23 : 9 ) .

” وجه قلبك ألي الأدب وأذنيك ألي كلمات المعرفة ” ( أم 23 : 12 ) .

 

69- الأذن التي لا تصوم تحيطها الأخطار

هناك أخطار تأتينا عن طريق الأذن أن لم نحفظها بالصوم . منها الإصغاء إلي أحاديث اللهو و السخرية . و المجون و عدم الوقار . أنظر شباب اليوم تجدهم يميلون إلي الاستماع للكلمات البطالة و التسليات المعثرة و الأغاني الغرامية و الروايات البذيئة و النكات السخيفة و الألفاظ القبيحة . و من المؤلم أن الناس لا يغشون الملاهي و لا يستمعون الراديو أو التليفزيون في غالب الأحيان ، إلا لكي يشحنوا أسماعهم بهذه الأمور العاطلة ، وكم نشاهد شاب مغرماً بالجلوس في مجالس السوء حيث يقذف وأصحابه الألفاظ الخارجة عن حدود اللياقة و الأدب ، فيصغي إلى مجونهم ، ويحسب أن هذا ترويحاً للنفس مع أن فيه قتلاً للفضيلة ، وسفكاً لدم الأخلاق ، لأن كل كلمة شريرة تطرق طبلة الأذن تترك أثراً سيئاً في العقل ، ولربما سقط إنسان بسببها وهلك ” يحملون الدف و العود ويطربون بصوت المزمار يقضون أيامهم بالخير . في لحظة يهبطون إلى الهاوية ” ( أي 21 : 12 13 ) .

وقد يجعل المسيحي آذانه آلة لسماع الوشايات ، وطريقاً للإصغاء إلى النميمة و القذف في حقوق الناس ، فتراه يستريح إلى صوت من يعدد نقائصهم ويشرح عيوبهم مع أن الله ينسب هذا العمل إلى الأشرار الأثمة لأن ” الفاعل الشر يصغي إلى شفة الإثم و الكاذب يأذن للسان فساد ” ( أم 17 : 4 ) إن الأذن ما خلقت إلا لتكون حجرة مقدسة للسيد المسيح فلا يليق أن نستمع بها لقصص الغرام أو قصائد الغزل أو أمور اللهو التي لا تفيد لأن هذه أمور خارجة عن الأغراض السامية التي خلقت الآذان لأجلها .

إن حواء لما كانت في الجنة تستمع لصوت الله كانت في سعادة وهناء ، وبمجرد أن فتحت آذانها لكي تستمع لصوت الحية سقطت هذا السقوط المريع ، وهكذا كم من أصدقاء يخدعون أصدقائهم بألفاظ الضلال و الغش حتى يصرفهم عن الكنيسة و العبادة و التدين ويجروهم إلى مهاوي السقوط ، ولهذا يحذرنا الحكيم منهم قائلاً ” يا ابني إن تملقك الخطاة فلا ترض ” ( أم 1 : 10 ) قد تكون محبتهم عظيمة وصداقتهم متينة ولكن ما الفائدة من المحبة التي تكون عثرة في سبيل الخلاص ؟ وماذا نستفيد نحن من المحبة إذا لاحظنا شعورهم وخضعنا لآرائهم ؟ أما يكون مثلنا كمثل الأحمق الذي يرى شخصاً غارقاً في البحر فعوضاً عن أن يحاول إنقاذه يحاول أن يغرق نفسه معه ؟

تذكر ما يقوله الآباء عن الأذن وحاسة السمع :

يقول القديس نيلس : ” أحتفظ بأبواب السمع .. فقد اعتادت سهام الشر الدخول من هذه الأبواب ” .

يقول الأنبا إشعياء : ” لا تقبل أن تسمع ضعفات أخيك أو تلموه وإلا فأنت هالك ” .

يقول القديس الأنبا أنطونيوس : ” لا تكن قليل السمع لئلا تكون وعاء لجميع الشرور ، فضع في قلبك أن تسمع لأبيك فتحل بركة الله عليك ” .

 

70 هناك فرق

ما أعظم الفرق بين الأصوات التي يسمعها البار الذي تعود أن يجعل أذنيه صائمة و التي يسمعها الشرير الذي لم يدرب أذنيه على الصوم قبل الموت وبعده ، فالبار في حياته يقبل التأديب و الانتهار و التوبيخ و الشتائم ، بينما يفتح الشرير آذانه ليسمع الأغاني و الأحاديث المغرية و المعثرة ، ولكن يا للأسى لأنه بعد الموت تتبدل الأحوال ، فأذن البار تتفتح لكي تسمع صوت الله المعزي ” تعالوا يا مباركي أبي رثول الملك المعد لكم منذ تأسيس العالم ” ( مت 25 : 34 ) وتصغي لترانيم الملائكة ” قدوس . قدوس . قدوس رب الجنود ” ( أش 6 : 3 ) وحينئذ يتم عليه القول ” أما المستمع لي فيسكن آمناً ” ( أم 1 : 33 ) ، و أما الأشرار فلا يسمعون من الله إلا ذلك الصوت المرعب ” أذهبوا عني يا ملاعين إلى النار الأبدية المعدة لإبليس و ملائكته ” ( مت 25 : 41 ) ، وحينئذ تمتلئ بالرعود المخيفة ، و الأصوات المنكرة ، و النغمات الشنيعة ، يطرحون في البحيرة المتقدة بالنار و الكبريت فلا يسمعون إلا صراخ الشياطين ، و عويل المعذبين ، وحينئذ يتحقق وعيد الله ” لأني أشهدت على آبائكم إشهاداً .. قائلاً اسمعوا صوتي فلم يسمعوا ولم يميلوا آذانهم بل سلكوا كل واحد في عناد قلبه الشرير فجلبت عليهم كل كلام هذا العهد الذي أمرتهم أن يصنعوه ولم يصنعوه ” ( أر 11 : 7 8 ) . ويتم قوله ” صوت رعوب في أذنيه . في ساعة سلام يأتيه المخرب ” ( أي 15 : 21 ) .

آه لو قارنا بين الأصوات التي يسمعها المسيح ، و بين الأصوات التي نسمعها نحن ، فالمسيح كان يستمع إلى أصوات الاستغاثة و التضرعات الصادرة من قلوب المساكين و البؤساء ، ورفض كل الأصوات التي لا فائدة من سماعها . رفض المديح الباطل وقال ” مجداً من الناس لست أقبل ” ( يو 5 : 41 ) ، ورفض مشورة الشيطان لما أراد أن يجربه ( مت 4 ) وأسكت لسان الذين أدانوا المرأة الخاطئة بقوله ” من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر ” ( يو 8 : 7 ) ، وأبتعد تماماً عن أحاديث الكذب و الوشاية و الهزل فلماذا نفرح نحن بأغان تتحول إلى بكاء ، ومزاح يجلب بعده الشقاء ، و موسيقى خليعة نسمع بعدها عويلاً ونحيباً ، ومديح نسمع بعده توبيخاً وتأنيباً ؟ ما أجدر بنا أن نرضى بالأصوات التي نسمع بعدها أصوات الرضى و اللين ، ونرفض تلك الكلمات المعسولة و النغمات العذبة التي تصم آذاننا بعدها بسماع أصوات الغضب في يوم الدين .

فلتكن حكيماً في استعمال أذنك ؟ وأعرف الأحاديث التي يجب أن تصغي بها إليها و التي يجب أن تأنى بها عنها ، أصغ بها إلى أحاديث الحكماء و المختبرين حتى تكتسب من حكمتهم وتخرج من مجالسهم رابحاً لا خاسراً ” أمل أذناك وأسمع كلام الحكماء و وجه قلبك إلى معرفتي ” ( أم 22 : 17 ) ، لأن ” أذن الحكماء تطلب علماً ” ( أم 18 : 15 ) . أما السفهاء وأصحاب المزاج الرديء و الأصدقاء غير المحتشمين فيجب أن تقاطع أحاديثهم وكلماتهم تماماً . صوم الأذن فيه حفاظ على أبديتك .

 

71- الكنيسة و الصوم

رتبت الكنيسة المسيحية أصواماً معينة لكي يشترك جميع المسيحيين بروح واحد و غرض واحد ما عدا الأصوام الفردية الخاصة و الأصوام العامة التي تفرض حسب الظروف والأحوال .

و إذا كان السيد المسيح قد قال لتلاميذه ” أنتم ملح الأرض جاز لنا أن نقول أيضاً عن الصوم انه ملح الطبيعة البشرية و هو بصلها الداخل في كل طعام روحي مقترناً بصلواتها ومسيطراً علي كل ظروفها المختلفة .

و إذا كان قد جاز لأصحاب الطب الطبيعي أن يقرروا أياماً معينة للصوم لمرضاهم من يوم إلي أربعين فهل لا يجوز للكنيسة أن تضع أصواماً في أيام معينة تطول و تقصر حسب مقتضيات الأحوال وحسب ما ترى لمصلحة النفوس و خلاصها و تهذيبها و ترويضها .

ألا يمنع أطباء الأمراض الباطنية مرضاهم عن الطعام مدداً حسب حالة المرض و يصرحون لهم بنوع من الغذاء الخفيف !

و لماذا يجوز لأطباء المستشفيات القائمة عند عيون المياه المعدنية ان يعينوا عدد المرات التي ينزل فيها المريض الحمام و مقدار الزمن الذي يمكنه فيها و عدد جرعات الماء التي يتناولها من الماء المعدني ؟

و لماذا لا يجوز للكنيسة أن ترتب أصواماً دورية في أيام معينة معروفة يشترك فيها الجميع. و يخطئ البعض الذي يظن أن لا فائدة من الأصوام المعينة الدورية إذ يظنون أن الصوم يكون للمناسبات فقط كالحزن أو الضيق أو الخطر أو التوبة عن الخطية .

لأن الصوم لا ينحصر في هذه الدوائر فقط بل يتعداها إلي مناحي الحياة الأدبية كلها فهو معلم الأخلاق و السلوك و مهذب النفس و مدربها و مروضها علي كل ضروب الفضائل .

فهل يؤخذ الجنود للجيوش من الشارع دون تعليمهم في مدارس للتدريب العسكري ؟

و هل لا يتحتم علي الجنود أن يدخلوا مدارس التدريب العسكري شهراً أو شهرين في السنة لتدريبهم حتى إذا جد الجد و احتاج ميدان القتال لهؤلاء نزلوا إلي الميدان مدربين ؟

و هكذا جنود المسيح و جيوش الكنيسة الذين يناديهم القديس بولس الرسول قائلاً: ” ألبسوا سلاح الله الكامل لكي تقدروا ان تثبتوا ضد مكايد إبليس . فإن مصارعتنا ليست مع لحم ودم بل مع الرؤساء مع السلاطين مع ولاة هذا العالم علي ظلمة هذا الدهر مع أجناد الشر الروحية في السماويات . من أجل ذلك احملوا سلاح الله الكامل لكي تقدروا أن تقاوموا في اليوم الشرير ……” (أف 6: 11- 13 ) . هم بحاجة إلي مدرسة التدريب العسكري يدخلونها في صوم الأربعين و صوم الرسل و صوم العذراء و صوم الميلاد ندخلها نحن وأولادنا و بناتنا كباراً و صغاراً للتدريب .

 

72- التظاهر بالصوم يحرمك من الفضائل الحقيقية

هل نصوم ؟ .. حسناً نفعل .. و لكن حينما نصوم و نقرن صومنا بالتظاهر به ، أو عدم العمل علي منع ظهورنا كصائمين أمام الناس هذا يعتبر في حد ذاته خطية .

لا تعجب من هذا الكلام لأنه ما التظاهر إلا عمل نأتيه رغبة في الافتخار بأنفسنا ناسين أن الله هو مصدر كل شئ … أسمع لصوت الرب علي فم أحد قديسيه الذي أحس به يقول : ” أما من أراد الافتخار خارجاً عني أو التمتع بخير خاص ، فلن يثبت في الفرح الحقيقي و لن ينشرح قلبه بل يعاق و يضاق علي وجوه شتى ، فعليك إذاً أن لا تدعي شيئاً من الصلاح لنفسك و لا تنسب فضلاً لأحد من الناس بل أرجع كل شئ إلي الله الذي بدونه لا يملك الإنسان شيئاً .

لماذا تظهر صومك أمام الناس ؟ ألتفتخر به ؟ أسمع لأحد القديسين يقول لك : ” ليس كل شئ يمكنك أن تفتخر به ، و لكن عندك أشياء كثيرة توجب عليك احتقار نفسك لأنك أضعف بكثير مما يمكنك أن تدرك ، فلا تستعظمن إذاً شيئاً من كل ما تفعله ، و لا تحسبن شيئاً عظيماً و لا كريماً ، و لا عجيباً ، و لا جدير بالذكر ، و لا سامياً و لا حميداً ، أو شهياً حقاً، إلا ما هو أبدي .

يا ابني أنه لأفيد  و آمن لك ، ان تكتم نعمة العبادة ، و ان لا تزهو بها ، و لا تكثر من التحدث عنها ، و لا تبالغ في تعظيمها ، بل بالحري أن تحتقر ذاتك ، و تخاف خوف من أوتي النعمة من غير ما استحقاق .. لا يجوز التشبث بإفراط في هذه العواطف فغنها قد تتحول سريعاً إلي عكسها .

فبم أستطع إذاً أن أفتخر ؟ و لماذا أبتغي مديح الناس ؟ ألأجل عدمي ، فذلك أعظم البطلان حقاً عن المجد الفارغ لوباء خبيث، بل هو منتهى البطلان ، لأنه يبعد عن المجد الحقيقي ، و يسلب النعمة السماوية . فالإنسان عندما يعجب بنفسه ، يصبح غير مرضي لديك ، وحينما يتوق إلي مديح الناس ، يحرم الفضائل الحقة . أما المجد الحقيقي و الابتهاج المقدس ، فهو أن يفتخر الإنسان بك يا رب لا بنفسه ، و أن يفرح لا بفضيلته و أن لا يلتذ بخليقة البته إلا لأجلك . فليسبح اسمك لا أسمي ، و ليعظم عملك لا عملي ، و ليبارك اسمك القدوس و لا ينسب لي شئ من مديح الناس.

 

73- صوم الفكر

ليس الصوم هو الامتناع فقط عن الأكل إنما هناك أصوام أخرى أهم منها صوم الفكر واللسان فالفكر هو القاطرة التي تسحب الجسد كله إلي أي اتجاه تسير فيه ، و صوم الفكر هو  منعه عن الطياشة و التفكير في الشر الذي يغضب الله و يهلك الإنسان ، و كلا الناحتين البناء و الهدم منها نتيجة الفكر أولاً . فما من نجاح و سمو للروح و العقل إلا و كان الفكر هو الباني . و ما من فشل و انحطاط للحياة برمتها إلا و كان الفكر هو معول الهدم .

و قليلاً جداً ان تحدث خطيئة مفاجئة دون ان يتدخل الفكر أولاً في تهيئة جوها كان يأخذ الإنسان علي حين غفلة .

 

74- جريمة أخوة يوسف

الجريمة التي أرتكبها أخوة يوسف في بيعه و التخلص منه لم تكن بنت ساعتها و لكن سبقها تفكير طويل ، أولاً انه كان المحبوب من والده و بالتالي ألبسه القميص الملون الذي لا يلبسه إلا أولاد الأغنياء و الأمراء ، و هو المدلل و هم رعاة الغنم المحتقرون ، و هو الذي ينام مع والده في الخيمة و هم الذين تأكل أجسادهم الحشرات و البعوض و البرد والحر و كل يوم في مكان .

هذه التطورات الفكرية أخذت مكانها في قلوبهم و بالتالي زرعت في نفوسهم الحسد و الحقد و البغضة ليوسف ، و لما نضجت ثمرة الشر في قلوبهم باعوا أخاهم الحبيب . و قبلها رموه في الجب ليموت ، و هذا دون أن يحسوا انهم قساة متوحشون فيما فعلوا ، و السبب الأول و الأخير هو  الفكر الخاطئ الذي أطلقوا له العنان فنما و اتسع إلي أن صار ما صار.

 

75- الصوم و الغنى و الأفكار الشريرة

الرجل الغني الذي يصفه السيد المسيح له المجد بالغبي ، حين رأي حقوله الخصبة وتخيل المحصول قبل أوانه ، فكر طويلاً فيما يفعل من هدم مخازنه و بنائها و غناه و حياته الطويلة و تمتعه فيها ، و هو لم يعلم ان ثواني قليلة بين أمجاده و الحفرة التي يسكنها إلي الأبد .

و قس علي هذا جرائم السرقة و القتل و الفساد و الكراهية و الاختلاس ، هذه المفاسد المهلكة و الهدامة للمجتمع هي نتائج التفكير الشرير و الفكر السائب دون رقابة أو قمع .

فمن صوم فكره عن الشر أي منعه من التفكير الخاطئ ربح نفسه و بنى مجتمعه و أرضى خالقه و ورث نعيمه .

و السيد المسيح له المجد يضع الأفكار الشريرة في مقدمة القائمة المشئومة التي تنجس الإنسان حيث يقول : ” إن الذي يخرج من الإنسان ذلك ينجس الإنسان لأنه من الداخل من قلوب الناس تخرج الأفكار الشريرة . زنى ، فسق ، قتل ، سرقة ، طمع ، خبث ، مكر ، عهارة ، عين شريرة ، تجديف ، كبرياء ، جهل ، جميع هذه الشرور تخرج من الداخل وتنجس الإنسان (مت 7: 20،22،23).

و يقول القديس مكاريوس : أساس الصلاة الصحيح هو ان نضبط أفكارنا لأنه يقتضى أن يكون حرص الإنسان كله علي أفكاره لقطع كل الظنون و الوسواس الخبيث ، و لا يتبع هوى أفكاره بل يردها و يميز بين الأفكار الطبيعية و الأفكار الشريرة .

 

76- اليد و الصوم

اليد هي أحد أعضاء جسم الإنسان التي بها يرفع الصلاة إلي الله ” باسمك أرفع يدي ” (مز63: 4).

و يستمطر مراحم الله “بسطت إليك يدي” (مز 88: 9) و يبارك اسمه القدوس “ارفعوا أيديكم نحو القدس و باركوا الرب” ( مز 134 : 2 ). و يقدم صلاته كذبيح عقلية أمام عرش النعمة ” لتستقم صلاتي كالبخور قدامك ، ليكن رفع يدي كذبيحة مسائية ” (مز141: 2).

اليد هي التي منح بها الرسل و التلاميذ نعمة الشفاء للمرضى حيث كانوا “يضعون أيديهم علي المرضى فيبرأون” (مرقس 16: 18 ).

و قد سبق أن أخذوا سلطان الشفاء هذا من رب المجد يسوع المسيح ” ثم دعا تلاميذه الإثنى عشر و أعطاهم سلطاناً علي أرواح نجسة حتى يخرجوها و يشفوا كل مرض و كل ضعف (متى10: 1).

و بهذا السلطان نجد أن حنانيا قد أعاد نعمة الإبصار لشاول الطرسوسي “فمضى حنانيا ودخل البيت و وضع عليه يديه و قال : ” أيها الأخ شاول قد أرسلني الرب يسوع الذي ظهر لك في الطريق الذي جئت فيه لكي تبصر ” (أع 9: 17) ” لأنه كان و هو مفتوح العينين لا يبصر أحداً ” ( أع 9: 8) بعد أن ظهر له السيد المسيح و هو في طريقه إلي دمشق .

اليد هي التي كان يصنع بها التلاميذ و الرسل العجائب و المعجزات بعد ان حل عليهم مواهب الروح القدس في يوم الخمسين ” و كانت آيات و عجائب كثيرة تجري علي أيدي الرسل” (أع 2: 43). مثلما حدث مع الرسولين بطرس و يوحنا اللذين منحا الشفاء للرجل الأعرج عند باب الهيكل الجميل حيث ” امسكه بطرس بيده اليمنى و أقامه ففي الحال تشددت رجلاه و كعباه و وثب و وقف و صار يمشي ” ( أع 3: 7، 8) .

ومثلما حدث مع الرسولين بولس وبرنابا اللذين كانا ” يجاهران بالرب الذي يشهد لكلمة نعمته ويعطي أن تجرى آيات و عجائب على أيديهما ” ( أع 14 : 3 ) .

اليد هي التي بها يمنح التلاميذ و الرسل مواهب الروح القدس للذين يؤمنون بالمسيح الفادي مثلما حدث مع مؤمني أهل أفسس ” ولما وضع بولس يديه عليهم حل الروح القدس عليهم فطفقوا يتكلمون بلغات ويتنبأون ” ( أع 19 : 6) .

 

اليد التي بها يقيم التلاميذ الرسل الأساقفة و القسوس للخدمة الكنسية ، لهذا يوصي الرسول بولس تلميذه تيموثيئوس قائلاً ” لا تهمل الموهبة التي فيك المعطاه لك بالبنوة مع وضع أيدي المشيخة ” ( 1 تيموثيئوس 4 : 14 ) .

ويقول له أيضاً ” أذكرك أن تضرم موهبة الله التي فيك بوضع يدي ” ( 2 تيموثيئوس 1 : 6) . اليد هي التي يشتغل الإنسان ويعمل للحصول على رزقه ” لأنك تأكل من تعب يديك ” (مز 128 : 2 ) وما يحتاجه من متطلبات .

لهذا أوصى القديس بولس الرسول أهل تسالونيكي قائلاً : ” أن تحرصوا على أن تكونوا هادئين و تمارسوا أموركم الخاصة و تشتغلوا بأيديكم أنتم كما أوصيناكم ” ( 1 تس 4 : 11) كما مارس القديس بولس الرسول ذلك بنفسه قائلاً ” فضة أو ذهب أو لباس أحد لم أشتمه . أنتم تعلمون ان حاجاتي و حاجات الذين معي خدمتها هاتان اليدان ” (أع20 :34) .

اليد هي التي تعمل ما يرضي الله حتى تصل بالإنسان مع باقي أعضاء جسمه إلي حياة النصرة .

و للوصول إلي ذلك ينبغي علي الإنسان التخلي عن كل ما يغضب الله ، و يبعده عن حياة الشركة مع الله حتى لو كان ذلك يتمثل في شخص أو شيء محبب جداً للإنسان لا يستطيع الاستغناء عنه كيده اليمني .

لهذا يقول السيد المسيح ” أن كانت يداك اليمني تعثرك فاقطعها و القها عنك لأنه خيرا لك أن يهلك أحد أعضائك و لا يلقي جسدك كله في جهنم ” ( مت 5 : 30 ) فهل جعلت يدك في أمان ؟ هل حفظتها من العثرات ؟ ليت يدك تعرف طريق الصوم فلا تعثرك و لا تعثر الآخرين .

 

77- صوم اليدين

الله لم يخلق لنا اليدين لكي نعمل بها الشر بل لنعمل الخير ، لم يخلقها للسرقة أو الهدم ، و الضرب ، و التزوير ، و لعب الميسر ، لم يجعلهما لكتابة رسائل الغرام ، و أشعار العشق ، و نشر الآراء الفاسدة ، أو لنخط بها إمضاء مزورا أو مقالا بذيئا أو خطابات تهديد أو عرائض انتقام … كلا … كلا ، و لكنه خلقهما لكي نخدم بهما الناس لا لكي لا نسبهم و نسئ إليهم. خلقهما لا لكي ننجس بهما ذواتنا بل لكي نحفظهما طاهرتين و نعمل بهما كل ما يؤول  بالخير و البنيان ” لا تمنع الخير عن أهله حين يكون في طاقة يدك أن تفعله ” ( أم 3 : 27 ) .

و إذا فتشنا الكتاب المقدس نجد أمثلة حسنة للذين صانوا أيديهم عن الشر و عملوا بها الصالحات أنهم أصحاب الأيادي الصائمة عن الشر ، فأيوب كفها عن الظلم و قال ” مع أنه لا ظلم في يدي ” ( أي 16 : 17 ) ، و داود طهرهما من الدنس و قال ” أغسل يدي في النقاوة فأطوف بمذبحك ” ( مز 26 : 6 ) ، و كان يبسطهما أمام الله مصليا ” باسمك أرفع يدي ” ( مز 63 : 4 ) ” دعوتك يا رب كل يوم . بسط إليك يدي ” ( مز 88 : 9 ) ، و القديس بولس الرسول خصص يديه لخدمة الكنائس كما قال ” فإن حاجاتي و حاجات الذين معي خدمتها هاتان اليدان ” ( أع 20 : 34 ) ، و ربنا يسوع المسيح له المجد مد يديه لشفاء المرضي و تطهير البرص ، و إقامة الموتى ، و أشار بهما لكي يعظ الجموع و يعلمهم ، و رفعهما لينتهر الرياح و الأمواج الثائرة ، و استخدمها في كسر الخبز للتلاميذ و في غسل أرجلهم . و بالجملة لم تمتد يداه إلا بالخدمة البشرية و إسعادها ، حتى أنه أخيرا مد يديه و رجليه علي الصليب ، و تم قول الكتاب ” ثقبوا يدي و رجلي ” ( مز 22 : 16 ) و كل هذه الدروس السامية تعلمنا فيما ينبغي أن نستخدم أيدينا . فهل يديك صائمة .

 

78- بأي وجه و أياديهم غير صائمة

 لست أدري بأي وجه يقف المصلي ليرفع يديه إلي الله مع أن يديه اشتركتا في عمل الآثام ، لا شك في أن الله يكره صلاته و ينكر تسبيحه لأن ” ذبيحة الأشرار مكرهة الرب ” ( أم 15 : 8 ) . لقد أوصي الرسول قائلا ” رافعين أيادي طاهرة ” ( 1 تي 2 : 8 ) ، كيف تكون حالة الخاطئ الأثيم إذا وقف مصليا ، أو إذا مثل أمام الله في الموقف العظيم بأيد نجسة و أصابع دنسه ، لا شك في أن الله سيطرده و يقيد يديه و رجليه ليطرح في النار ( مت 22 : 13 ) . أه لو عرفنا كم هي كرامة الأيدي الصائمة . فالله يكافئ أصحاب الأيدي الصائمة الطاهرة خير مكافأة و يجازي أصحاب الأيدي الدنسة شر الجزاء . لأنه يقول عن الفريق الأول ” طوبى للإنسان الذي يعمل هذا و لابن الإنسان الذي يتمسك به الحافظ السبت لئلا ينجسه و الحافظ يده من كل شر ” ( أش 56 : 2 ) ” أما الصديق فيستمسك بطريقه ، الطاهر اليدين يزداد قوة ” ( أي 17 : 9 ) ، و يقول عن الفريق الثاني ” أعطيهم حسب فعلهم و حسب شر أعمالهم ، حسب صنع أيديهم أعطهم. رد عليهم معاملتهم”(مز 28 : 4).

 

79- الحصان الجامح و المشبوهين

إذا حدثت ثورة أو اضطرابات أو احتفالات شعبية تعمد إدارة الأمن العام إلي إلقاء القبض علي المشبوهين و الغوغاء ، و تقيدهم أو تزجهم في المحابس حتى لا يساعدوا علي الاضطراب و لا يعبثوا بالأمن و لا يساعدوا العدو المغير حتى تتمكن الحكومة من عملية القمع و تهدئة البلاد و حتى تنتهي الحفلات الشعبية بسلام .

و هكذا إذا ما ذل الجسد و شهواته و ميوله بالصوم تتقوى الروح و يكون في استطاعتها أن تستخدم الجسد آلة للبر عوضا عن أن يقودها معه غلي مهاوي الشر و الهوان و هذا ما عناه القديس  بولس الرسول عندما قال : ” و إنما أقول اسلكوا بالروح فلا تكملوا شهوة الجسد ، لأن الجسد يشتهي ضد الروح ، و الروح يشتهي ضد الجسد ، و هذان يقاوم أحدهما الآخر ” ( غلا 5 : 16 ، 17 ) .

و من ذا الذي يعلم أن حصانه جموح و خطر في جموحه فيمتطيه دون أن يضع اللجام و الشكيمة في فمه ليملك زمامه و يأمن أخطاره !

و هكذا الجسد الجموح علي طول خط الحياة و يمر بنا كل يوم علي مهاو و حفر فإن لم يكن لجامه في يدينا أوردا موارد الهلاك و لذلك لابد لنا من أن نكون دائما كما كان بولس في أصوم كثيرة ” .

 

80- أقدس وسيلة للطهر و العفاف

الصوم المقدس هو أقدس وسيلة للطهر و العفاف و الحياة الروحية السامية و هنا نتذكر ما جاء في صلاة القسمة بالقداس الإلهي بالصوم الكبير حيث يقول الكاهن .

” أيها السيد الرب الإله ضابط الكل الذي أرسل ابنه الوحيد إلي العالم ، علمنا الناموس و الوصايا المكتوبة في الإنجيل المقدس ، و علمنا أن الصوم و الصلاة هما اللذان يخرجان الشياطين إذا قلنا أن هذا الجنس لا يخرج إلا بالصلاة والصوم”.

و الصوم و الصلاة هما اللذان رفعا إيليا إلي السماء و خلصا دانيال من جب الأسود … الصوم و الصلاة هما اللذان عمل بهما موسى حتى أخذ الناموس و الوصايا المكتوبة بإصبع الله … الصوم و الصلاة هما اللذان عمل بهما أهل نينوى فرحمهم الله و غفر لهم خطياهم ورفع غضبه عنهم … الصوم و الصلاة هما اللذان عمل بهم الأنبياء … و تنبئوا من أجل مجيء المسيح قبل مجيئه بأجيال كثيرة … الصوم و الصلاة هما اللذان عمل بهما الرسل و بشروا في جميع الأمم و صيروهم مسيحيين و عمدوهم باسم الآب و الابن و الروح القدس .

… الصوم و الصلاة هما اللذان عمل بهما الشهداء حتى سفكوا دماءهم من أجل اسم المسيح الذي اعترف الاعتراف الحسن أمام بيلاطس البنطي … … الصوم و الصلاة هما اللذان عمل بهما الأبرار و الصديقون و لباس الصليب و سكنوا في الجبال و البراري و شقوق الأرض من أجل عظم محبتهم  في الملك المسيح .

و نحن أيضا فلنصم عن كل شر بطهارة و بر حتى نكون دائما مستعدين للتقدم إلي الأسرار الإلهية بمحبة و قداسة و شكر .

 

81- صوم العين

العين للجسد سراج و نور ، كما أن نور الشمس ينير للعالم كله ، و بها يري الإنسان كل الخيرات التي أوجدها الله لعبيده من سماء و كواكب و قمر و شمس و مياه و أنهار و خضرة و طيور و جمال الطبيعة الرائع ليمجد الخالق علي ما خلق . كما أنه بها يري الفساد و كل شيء قبيح . و أسمي ما يقال في هذه المناسبة هو قول السيد المسيح له المجد :

” سرج الجسد هو العين … فإن كانت عينك بسيطة فحسدك كله يكون نيرا ، و إن كانت عينك شريرة فجسدك كله يكون مظلماً ” ( مت 6 : 22 ، 23 ) .

و كما قال أيضا ” فإن كانت عينك اليمني تعثرك فأقلعها و ألقها عنك لأنه خيرا لك أن يهلك أحد أعضائك لا يلقي جسدك كله في جهنم ” ( مت 5 : 29 ) .

و العين في الجسد هي كالعقل في النفس ، فإذا وجد إنسان غير عاقل  مجنون فهو وإن كان حيا بالجسد إلا أنه يعتبر كميت ، هكذا العين الشريرة التي تنظر إلي الشر دون رادع أو خوف أو حياء فإنها تقتل النفس و الجسد معا و يصير الإنسان نهبا لزيغان عينه فلا يستطيع أن يركز علي شيء روحي سام ، و تشتت أفكاره فيما يري من شرور و عثرات وتعتريه طياشه العقل و الفكر و القلب و يكون دائما مغلوبا من الشر نتيجة طياشة عينه .

و لنعلم أن آدم و حواء لم يسقطا إلا بشهوة العين التي شجعت حواء علي الآكل و بعدها آدم. و داود في خطيتي الزنا و القتل إلا بسبب نظرة العين المنحرفة ، و تسعين في المائة من الذين يهلكوا تكون العي ن شريرة سبب هلاكهم .

لهذا يجب نقمع العين عن نظرة الشر و نصومها عن التلذذ به لان منها يدخل الموت إلي النفس .

و يكفينا اقتناعا بهذه الحقيقة قول المسيح الإله في هذا الصدد : ” من نظر إلي أمر و اشتهاها فقد زني بها في قلبه ” .

 

82- صوم العين و الطمع

يوضح الكتاب المقدس أن العين سراج الجسد أي إنها نوره و ضياءه . و لا تكن العين نورا حقيقيا صافيا إن لم تكن عينا طاهرة ، أما إذا تنجست بالنظرات  الفاسدة فإنها تصبح مصدر ظلام لا مصدر نور لهذا يقول السيد المسيح ” فإن كان النور الذي فيك ظلاما فالظلام كم يكون ” ( مت 6 : 23 ) .

و بما أن العينين قائدة الجسم فهي أما تقوده إلي الخصب أو إلي الجدب ، غلي الحياة الأبدية أو إلي الموت الأبدي ، فكما أن قائد الجيش إذا أخطأ في سيره أثر خطأه علي الجيش بأسره ، و كما أن ربان السفينة إذا سار في طريق غير أمنه عرض سفينته للعطب ، هكذا عين الإنسان قد تعرضا صاحبهما للأخطار العديدة بنظراتهما الرديئة لذلك وجب علينا أن نجعل عيوننا عيون صائمة .

هناك أنواع عديدة من الأعين غير الصائمة تسوق أصحابها تسوق أصحابها إلي المعاطب ، و تجلب الويلات علي الناس .

فهناك العين الطامعة التي تنظر غلي ممتلكات العالم و أمواله و زخارفه فتفتن بها و تعشقها ، و تجعل القلب بسبب نظرتها الشريرة ميالا لاقتناء الفانيات فقط و منصرفا عن الباقيات . تخدعه العين بمناظر القصور العالية و الحدائق الواسعة ، و الممتلكات الفسيحة و الضياع المتنائية الأطراف ، و تجذبه بالذهب اللامع ، و الفضة البراقة و اللآلئ الثمينة ، و في نفس الوقت تنصرف انصرفا كليا عن جمال السماء و التأمل في الكنوز الباقية التي قال عنها الكتاب ” لا تكنزوا لكم كنوزا علي الأرض حيث يفسد السوس و الصدأ و حيث ينقب السارقون و يسرقون بل اكنزوا لكم كنوزا في السماء حيث لا ينقب السارقون و لا يسرقون ” ( مت 6 : 19 ، 20 ) .

تلك العين الطامعة هي التي تنزع القناعة من الإنسان و تجعله جشعا شريرا ، لا يهنأ له بال ، و لا يهدأ له حال حتى يصبح غنيا أو ثريا أو قويا ، و حتى و أن اصبح كذلك ، فإنه لا يقنع أيضا ، بل يطلب المزيد و تصبح حياته حياة مادية ليس للروحانية فيها نصيب ، ما أخطر العيون التي لم تعرف طريق الصوم .

لما أراد الشيطان أن يجرب السيد المسيح له المجد و يجتذب للسجود له  أراه جميع ممالك العالم و قال له ” أعطيك هذه جميعا إن خررت و سجدت لي ” ( مت 4 : 9 ) و كذلك هو في كل حين لا يفتأ يعرض علينا هذه الأباطيل لكي يصرفنا عن الأمور النافعة . و العاقل هو الذي يحجب عينيه عن النظر غليها و لا يغتر بمظاهرها , بل يتأمل في حقيقة حالها . فالذهب و الفضة يصدأن . و الثياب يأكلها العث ، و الممتلكات تؤول إلي البوار ، و القصور إلي الدمار لأنه ” باطل الأباطيل الكل باطل و قبض الريح ” ( جا 1 : 2 ، 20 : 11 ) .

و هب أن صاحب هذه العين الطامعة الجشعة قد أصبح أغني الناس ، فغناه الوافر لن يشبعه ، و ثروته الطائلة لن تغمض عينيه عن النظر و الاشتهاء لأن ” العين لا تشبع من النظر و الأذن لا تمتلئ من السمع ” ( جا 1 : 8 ) ” الهاوية و الهلاك لا يشبعان و كذا عينا الإنسان لا تشبعان ” ( أم 27 : 20 ) .

 

83- السقوط للعيون التي لم تعرف الصوم

منذ بدء الخليقة و العين تسبب إسقاط الكثيرين من الأبرار و الأقوياء ، فحواء لم تأكل من الشجرة إلا لما رأتها بهجة العيون و شهية للنظر ( تك 3 : 6 ) . و امرأة فوطيفار لم تطلب من يوسف أن يعمل الخطيئة إلا لما رفعت إليه عينيها ( تك 39 : 7 ) ، و داود لم يقدم علي خطيتى الزنا و القتل إلا لما رأي امرأة أوربا الحثي تستحم علي سطح منزلها ، ( 2 صم 11 : 2 ) ، و شكيم زني بدينة أبنة يهوذا و جر الويل علي مدينته لما نظر جمالها الباهر ( تك 34 ) ، و شمشون أباح لدليلة بكل ما في قلبه و أوقع نفسه في الخطر لما خدعة جمالها(قض16)، والشيخان اليهوديان حاولا عمل الخطية لما وقع نظرهما علي سوسنة العفيفة و هي تتمشى في  حديقتها(دا13)، وأولاد الله لما رأوا بنات الناس أنهن حسنوات تزوجوا منهن وأثموا فكان إثمهم سببا في جلب الطوفان علي العالم(تك6)، وسليمان عبد الآلهة الغريبة لالتصاقه بالأجنبيات، ولأن كل ما اشتهته عيناه لم يمسكه عنهما(جا2: 10)، وأمونون أذل أخته ثامار عندما تمعن في جمالها(2صم13) .

فما أقصي النظرة ، و ما أخطرها ، و ما أعظم سلطانها ، لم تقف أمامها بساطة حواء أو عظمة امرأة فوطيفار أو بر داود أو قوة شمشون أو شيخوخة الشيخين ، لم تعترضهما حكمة السليمان ، أو كون أمونون أخا لثامار و أهل شكيم غرباء عن يهوذا و إذا كان هؤلاء جميعا قد تأثروا بالنظرة فكذلك يتأثر بها جميع الرجال و السيدات علي حد السواء ، فهل بعد ذلك نصر علي ترك عيوننا كم يعد غبيا الذي يتطلع العاريات أو يقتني الصور الرديئة و يعلقها بمنزله لكي يشاهدها في كل لحظة، أو يشغف بالنظر إلي الحسان من الشابات و الشبان ، لأنه يسقط نفسه في أقسى الأشراك و يوقعها في اشد الورطات، و يطبق علي نفسه قول الكتاب عن الاثمة ” لهم عيزن مملوءة فسقا ” ( 2 بط 2 : 14 ) .

إن ايوب الصديق لكي يتقي شر هذه النظرة قال ” عهدا قطعت لعيني فكيف أتطلع في عذراء ” ( أي 31 : 1 ) ، لأنه علم أن النظرة تجلب وراءها خطايا عديدة ، و تجذب وراءها الفكر و القلب حتى أنه قال أيضا ” إن حادت خطوتي عن الطريق و ذهب قلبي وراء عيني”(أي31: 7 ) فلو كنا حكماء كنا نقطع عيوننا هذا العهد المقدس ، و نكفها عن كل نظرة دنسة، ونغمضها عند رؤية آيه صورة قبيحة أو منظر خلاب يثير الشهوة أو يهيج العاطفة، ما أعظم صوم العين وما أخطر إهماله.

 

84- العين الصائمة و جمال المسيح

تأمل دائما بعيني قلبك في جمال السيد المسيح ، و في بهاء السماء ، و قل مع اليونانيين ” نريد أن نري يسوع ( يو 12 : 21 ) ، و مع فيلبس ” أرنا الآب و كفانا ” ( يو 14 : 8 ) ، و مع داود ” عيناي دائما إلي الرب ” ( مز 25 : 15 ) ” إليك رفعت عيني يا ساكنا في السماوات ” ( مز 123 : 1 ) و إذا كنت تشعر بأن العين تحاربك و المناظر الأرضية تستميلك إليها فأحذر من إطاعتها ، بل أغلق عنها مقلتيك إغلاقا تاماً و صل دائما مع المرتل ” أنر عيني لئلا أنام نوم الموت ” ( مز 13 : 3 ) ” حول عيني من النظر إلي الباطل ” ( 119 : 37 ) .

لا تنظر و لا نظرة واحدة إلي منظر يعثرك أحفظ صوم عينيك طاهرا نقيا ، و لا تسمح لصورة ما أن تستوقف عينيك ، إذا كان هذا يؤثر علي سلامة فكرك حتى تأمن العثرات . لا تسر في طريقك تنظر ذات اليمين و ذات اليسار حتى تنبح ث عن المناظر الشهية و الجميلة ، بل ” لتنظر عيناك قدامك و أجفانك إلي الأمام مستقيماً ” ( آم 4 : 25 ) .

يقول القديس نيلس : ” احتفظ بأبواب عينك فقد اعتادت سهام الشر الدخول من هذه الأبواب ” .

يقول الأنبا إشعياء : ” احتفظ بقلبك و عينيك فلن يصيبك بأس في جميع أيام حياتك ” .

يقول القديس أنبا موسى : ” أحفظ عينيك لئلا يمتلئ قلبك أشباحاً خفية ” .

يقول القديس باسيليوس : ” أبتعد من نظر و سماع ما لا يفيد تتخلص من فعل ما لا يفيد ” .

يقول القديس يوحنا القصير : ” لا يكن بين عينيك شيء مشتهي لكي ما تبصر الله ” .

و قال شيخ : ” تحفظ من النظر و الحديث لأنهما أسباب الخطيئة ” .

 

85- العين غير الصائمة و الخطية

الخطية الشائعة التي تقع فيها العين غير الصائمة هي خطية النظرة الرديئة . فالعين تميل إلي التطلع إلي الصور الخليعة ، و الوجوه الجميلة و الأجسام النضرة ، فتنق لب نظراتها إلي شهوة رديئة تنغص عيش أصحابها و تذيقهم كؤوس القلق و الألم .

كم من شبان لا تمر بهم فتاة أو سيدة إلا يطيلون النظر إليها ، و يحدقون في وجهها و جسمها من أخمص القدم إلي أعلي الرأس ، و كم من رجال يترددون علي دور الملاهي و السينما لمشاهدة روايات الخلاعة لكي يمتعوا نظراتهم برؤية الجمال الباطل ، و يزورون دور الرقص و التمثيل و يطيلون بها السهر ، حتى ينظروا وجوه المغنيات و أجسام الممثلات و الراقصات ، و هم مع ذلك لا يدرون أنهم يسيئون استعمال أعينهم التي لم تخلق لهذه النقائص .

و لكن يا ليت أصحاب هذه العيون الفاسدة يقدرون النتائج الخطيرة التي تجلبها عليهم عيونهم من جراء نظراتها الشريرة ، فصورة هذه المناظر متى انطبعت علي مخيلة المرء كانت سببا في تنغيص عيشة و تهديده في كل ساعة ، فهي تحضره في أوقات مختلفة ، و تنجس تصوره ، و تبلبل أفكاره ، و تشتت عقله  و تسبب له التصورات القبيحة و الرؤى و الأحلام الفاسدة .

لا بد و أن تحبل هذه النظرة فتلد الفكرة ، و سرعان ما تكبر الفكرة فتخلق في الإنسان عشق الخطية و الميل إلي عملها، ثم يتطور هذا الميل فيقدم الشخص علي ارتكاب الخطية بالفعل و لهذا يقول القديس أغسطينوس ” نظرة ففكرة فهيام فسقوط ” و ليس في هذا أدني شك فإن معظم الأفكار الرديئة و التصورات النجسة ، و الآلام الجسدية الكثيرة ، بل و الخطايا الفعلية الأليمة يكون منشأها في الغالب مجرد النظر في وجه فتاة ، أو رؤية منظر خالي من الحشمة أو التأمل في صورة قبيحة .

فلكي نستأصل الخطية علينا أن نقتلها من منبتها . من أراد أن يتقي شر الحشرات الفتاكة عليه أن يبحث عن البويضات ليبيدها ، و من يرغب في صد هجمات الأعداء عليه قبل كل شيء . تحصين الأبواب و إغلاقها . و كذلك من أراد أن يصون جسده و يتقي شر الخطية ، عليه أن يغلق عينية و يمنعها كلية عن النظر الباطل . عليه يصوم العين ففيه صيانتها .

أن السيد المسيح لكي يرينا خطورة النظرة الرديئة . قال ” كل من ينظر إلي امرأة ليشتهيها فقد زني بها في قلبه ” ( مت 5 : 28 ) و ليس في هذا عجب فما دام المرء قد نظر إلي الخطية و أشتهي فعلها فإنه يقدم علي فعلها متى كان ذلك في استطاعته . فليست الخطية هي مجرد الفعل بل هي الفكر و النية أيضا . كما يق ول القديس بولس الرسول ” كل واحد ينوي بقلبه ” ( 2 كو 9 : 7 ) .

 

86- العين التي لا تصوم هي عمياء

لقد كان آدم قبل السقوط ذا عين بسيطة ، فبالرغم من وجوده مع حواء ، و بالرغم من أنه و إياها كانا عريانين ، إلا أنهما لم يخجلا و لم تنطلق إلي فكريهما الأفكار الأثيمة ، التي أصبحت تملأ عقول الناس ، و لكنهما لما سقطا انفتحت أعينهما و عرفا أنهما عريانان ( تك 3 : 7 ) انفتحت العين الجسدية المظلمة و أظلمت العين الروحية المنيرة ، و هكذا كل من تملأ عينه غلي الأمور الفاسدة يمكنك أن تلقبه بأنه ذو عين مظلمة ، و بالعكس من يحول عينيه عنها و يتأمل في أشياء طاهرة تكون عينه عينا بسيطا نقية .

و السيد المسيح يسمى الأشرار أصحاب العيون التي لا تعرف الصوم ” الناظرين إلي أمور العالم عمياناً ، فيقول لليهود ” لو كنتم عميانا لما كانت لكم خطية ، و لكن الآن تقولون إننا نبصر فخطيتكم باقية ” ( يو 9 : 41 ) . و يقول عن الفريسين ” هم عميان قادة عميان ” ( مت 15 : 14 ) و لقد يحسب صاحب العين الشريرة أنه سعيد مع أنه في الحقيقة تعيس جدا . و كان خيرا له أنه ولد أعمي محروما من حاسة البصر من وجوده بعينين ينظر بهما إلي  أسباب الهلاك و الدمار .

فالإنسان بصران بصر روحي خفي ، و يصر جسدي طاهر . و يصير الجسد ر يعتبر شيئا بجانب بصيرة الروح . فلكم من عميان تراهم محرومين من العيون و لكن بصائرهم الروحية قوية ، و بالعكس كم من مبصرين بعيونهم و لكن أرواحهم مغمضة ، يتم عليهم ق ول الكتاب ” مبصرين لا يبصرون و سامعين لا يسمعون ” ( مت 13 : 13 ) ” ألكم أعين و لا تبصرون و لكم آذان و لا تسمعون و لا تذكرون ” ( مر 8 : 18 ) و بقدر ما يفتح الإنسان عين جسده و يسمح لها بالنظر إلي الباطل بقدر ما تغمض عين روحة للنظر إلي السمائيات ، و بالعكس كلما كفت العيون الجسدية عن النظر الباطل و صامت عن شرور العالم استنارت بصيرة الروح و قوى نظرها .

 

87- صوم عينيك عن عبادة الزائلات و الجسديات

صوم عينيك عن عبادة الزائلات و الجسديات حتى يتفرغ قلبك للنظر إلي الأمور الروحية لأنه لا يمكنك أن تمتع عين جسدك و عين روحك في وقت واحد ، و هاك جميع  القديسين قد صرفوا النظر عن كل ما علي الأرض لكي يتفرغوا للتأمل في الأمور السمائية كما يقول الرسول ” نحن غير ناظرين إلي الأشياء التي تري بل إلي التي تري وقتية و أما التي لا تري فأبدية ” ( 2 كو 4 : 18 ) .

فبعينيك فتش الكتب المقدسة ، و أقرا المواعظ و التعاليم حتى تشارك داود في قوله ” كلت عيناي من النظر إلي قولك ” ( مز 119 : 82 ) ، عوض أن تزرف دموع عينيك علي أمور العالم الباطلة أذرفها علي خطياك و آثامك وردد هذا القول ” تعبت في تنهدي . أعوام في كل ليلة بدموعي أذوب فراشي ساخت من الغم عيني ” ( مز 6 : 6 ، 7 ) أنظر بعينيك إلي المساكين و الفقراء حتى يتسنى لك أن ترثي لهم و تساعدهم لأن ” الصالح العين هو يبارك لأنه يعطي من خبزه للفقير ” ( أم 22 : 9 ) .

بدل أن تتأمل في محاسن الصور و جمالها الظاهري تأمل فيما يزول إليه هذا الجمال ، فعرض أن تنظر إلي القصور أنظر إلي القبور ، و عوض أن تتأمل في بيوت الأغنياء و مبانيهم الضخمة تأمل في الخرائب و الأطلال التي كانت من قبل مباني شاهقة و قصور مشيدة ، عوض أن تؤخذ بالوجوه الجميلة أمعن بنظرك في جثث الموتى و أشلاء الذين في القبور حتى تقف علي حقيقة الأمور و تري الصورة لكل مناظر العالم الخادعة .

لماذا تأنف النظر إلي أكواخ الفقراء و بيوت المساكين ؟ و لماذا تغمض عينيك إذا شاهدت مقعداً أو مريضا أو جريحا أو مصابا  إنك كلما تأملت في مثل هذه المناظر المؤلمة اكتسبت عظة و اعتباراً ، و بالعكس كلما نظرت إلي رونق الحياة و زخارفها تعرضت للأخطار ليتك الآن تطلب معونة الله يهبك بنعمته صوماً حقيقيا لعينيك فتطهر .

 

88- صوم عينيك عن حسد الآخرين

العين الحاسدة التي تنظر إلي ما غيرها و تشتهيه ، و يعز عليها أن تري إنسانا متمتعا بنعمة أو مالكا شيئا لا يمتلكه صاحبها يتمني صاحب هذه العين أن يتعرى الناس لكي يكتسي هو ، و أن يجوعوا ليشبع ، و أن يعطشوا ليرتوي ، و أن يعيش غيره معذبين فقراء لينفرد هو بالغني و الرفاهية .

هؤلاء الناس يعارضون الله في أحكامه و يودون أن يشاركوه أعماله . إذا وجدوا من هو أغني أو أقوي أو أجمل أو أعلم منهم تذمروا ، و إذا شاهدوا من صيته أحسن من صيتهم و مركزه أسمي من مراكزهم ، و شهرته أعظم من شهرتهم تألموا و صروا علي الأسنان لأن عيونهم شريرة ، لذلك يشير إليهم سليمان ” لا تأكل خبز ذي عين شريرة و لا تشته أطايبه لأنه كما شعر في نفسه هكذا هو . يقول لك كل و أشرب و قلبه ليس معك . اللقمة التي أكلتها تتقياها و تخسر كلماتك  الحلوة ” ( أم 23 : 6 ، 8 ) .

 

89- صوم عينيك عن انتقاد الآخرين

هناك عين شريرة همها أن تنتقد الناس و تفتش في عيوبهم ، لا لكي تعمل علي وعظهم و إصلاحهم ، بل لكي تدينهم و تحتقرهم و تشهر بهم ، فأصحابها يبررون أنفسهم و يدينون الآخرين ، مع أن المسيح ينصحهم ” لا تدينون لكي لا تدانوا لأنكم بالدينونة التي بها تدينون تدانون و بالكيل الذي تكيلون يكال لكم ” ( مت 7 : 1 ، 2 ) و القديس يعقوب الرسول يتحداهم قائلا ” فمن أنت يا من تدين غيرك ” ( يع 4 : 12 ) . إن عيوننا لم تخلق لكي تفحص بها عيوب الناس بل عيوننا لم تخلق لكي نفحص بها عيوب الناس بل عيوننا ، و لو نظر المرء إلي عيوبه لما ذكر عيوب سواه ” ولماذا تنظر القذى الذي في عين أخيك وأما الخشبة التي في عينك فلا تفطن لها ، أم كيف تقول لأخيك دعني أخرج القذى من عينك وها الخشبة في عينك يا مرائي الخراج أولاً الخشبه من عينك وحينئذ تبصر جيداً أن تخرج القذى من عين أخيك”(مت7: 3-5).

 

90 الصوم والشهوات

للصوم وجوه عديدة النفع ، ونفعه لا يقف عند حد فإذا كان لازماً وضرورياً في أوقات خاصة فهو يكاد أن يكون تمريناً رياضياً يزاوله المؤمن دائماً ، وعندما أقول المؤمن لا أعني المؤمن النظري الذي يقف عند حد الإيمان المجرد .. لا بل أقصد المؤمن العامل المجاهد الذي يقول مع القديس بولس الرسول : البسوا سلاح الله الكامل لكي تقدروا أن تثبتوا ضد مكائد إبليس فإن مصارعتنا ليست مع دم و لحم بل مع الرؤساء مع السلاطين مع ولاة العالم علي ظلمة هذا الدهر مع أجناد الشر الروحية في السماويات . من أجل ذلك  احملوا سلاح الله الكامل لكي تقدروا أن تثبتوا ، ممنطقين احقاءكم بالحق و لابسين درع البر ، و حاذرين أرجلكم باستعداد إنجيل السلام حاملين فوق الكل ترس الإيمان الذي به تقدرون أن تطفئوا جميع سهام الشرير الملتهبة ( أف 6 : 12 ، 16 ) .

و العدو الداخلي و هو اشد خطراً من العدو الخارجي لأنه منا و فينا و كأمن في داخلنا ، هو الميل للخطية و الشهوات الدنيئة و التجارب الماكرة المخزية التي يتخذ منها الشيطان جواسيس تعمل لحسابه و تفتح له الأبواب ساعة الغفلة و هي لا تنقطع عن محاربة النفس بل هي عوائق الحياة الدينية فينا و سموم قاتلة لتعبداتنا .

فإذا كانت طبيعتنا البشرية لها ميولها الشريرة و جموحها و شهواتها و فساد الملازم لها .

و إذا كان الشيطان يستخدم هذه الميول الشريرة فينا للإيقاع بنا كان لابد لنا علي الدوام من الصوم و الأصوام الكثيرة و الطويلة المرتبة و غير المرتبة .

لأن الصوم لابد منه لصد هجمات الشيطان و إخراجه من القلاع التي يحتلها فينا كقول السيد المسيح عن الشيطان ” أن هذا الجنس لا يخرج إلا بالصوم و الصلاة ”

 كما أنه لازم و ضروري لإذلال ما فينا من ميول و شهوات قاتلة محاربة في أعضائنا كما كان يفعل داود النبي إذا قال : أذللت بالصوم نفسي ( مز 35 : 13 ) إذلالا وصفه بقوله ركبتاي ارتعشتا من الصوم و لحمي هزا عن سمن (109 : 24).

 

91 الصوم الداخلي

ينبغي أن يكون الصوم لا مجرد صوم خارجي بل صوماً داخلياً له قصد روحي وترافقه أعمال روحية ممتازة كما يقول أشعياء النبي : أليس هذا صوماً أختاره حل قيود الشر فك عقد النير وإطلاق المسجونين أحراراً وقطع كل نير . أليس أن تكسر للجائع خبزك وأن تدخل المساكين التائهين إلى بيتك وإذا رأيت عرياناً أن تكسوه وأن لا تتغاضى عن لحمك ” ( أش 58 : 3 7 ) فالرجل الصادق يؤدي واجبات صومه الروحي في ابتهاج فوجهه ” مغسول بالنقاوة التي هي أهم أغراض الصوم الذي نتقدم به أمام الله بالصلاة كقول السيد : ” طوبى لأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله ” وكقول الرسول : ” القداسة التي بدونها لن يرى أحد الرب”  ورأسه مدهون بالإحسان والرحمة لأنه إذا كان جوعه لا يشعره بألم الجوع الذي يعانيه الفقير والمسكين فما معنى صومه وقد جعل الصوم وسيلة من الوسائل المهذبة للعواطف والقلب”ليعينوا المجربين”

 

92 الصوم و الزهد

إذا وضعنا مصباحاً منيراً خلف حاجز من الزجاج كام من السهل أن ترى نور الصباح ، وبقدر ما يكون الحاجز شفافاً بقدر ما يكون النور ظاهراً واضحاً ، وبعكس ذلك استبدال الحاجز الزجاجي بحاجز من الخشب لا يمكن أن يرى النور ، وهذا عين ما يحصل للروح مع الجسد ، إن نحن أتخمنا الجسد ولذذناه أصبح كثيفاً ، وحينئذ لا يمكن للروح أن تظهر ، وأما إذا أقمعناه وزهدنا في رغباته أصبح شفافاً و حينئذ تكون الروح حرة . ألا ترى كيف أن العقل يشعر بصعوبة في التفكير بعد الأكل الثقيل مباشرة ؟ هكذا الروح تشعر بالتقييد ما دام الجسد ملذذاً متجبراً . ولذلك لما زهد القديسون استنارت أرواحهم وتمكنوا من معرفة أمور مستقبلية ورؤية أشياء وقعت في أماكن بعيدة ، أما المنهمكون في الجسديات فيظلون في القلق الدائم و العمى الروحي و يتم عليهم قول الكتاب ” من أين الحروب و الخصومات بينكم ؟ أليست من هنا من لذاتكم المحاربة في أعضائكم ؟ تشتهون ولستم تمتلكون لأنكم لا تطلبون . تطلبون ولستم تأخذون لأنكم تطلبون ردياً لكي تنفقوا في لذاتكم “(يع 4 : 1 3).

فالزهد و الصوم أيها المسيحي . تعلم كيف ترضى بالقليل ، ولا تضطرب من أجل أمور الجسد إذا كنت لا تملك منها إلا اليسير ، أزهد وتعفف حتى تنتصر على شهواتك ، وتعيش سيداً على أهوائك .

 

93 الأديان و الصوم

لقد أدرك جميع أصحاب الأديان ما للصوم من فوائد روحية حتى الوثنيين أنفسهم فجعلوها من أكبر الوسائل الفعالة لترويض النفس و تهذيبها .

ففي العهد القديم قد فرض الصوم على الجماعة وترتيب له أوقات خاصة معينة كما نقرأ في نبوة ذكريا قوله ” هكذا قال رب الجنود أن صوم الشهر الرابع و صوم الخامس و صوم السابع وصوم العاشر يكون لبيت يهوذا ابتهاجاً وفرحاً و أعياد طيبة ” ( زك 8 : 19 ) وهذا عدا ما كان يفرضه الملوك و الأنبياء و الكهنة من أصوام في مناسبات و ظروف و أحوال مختلفة كأزمنة أحكام الله ( يؤ 1 : 14 ) وفي المصائب العامة كما في ( 2 صم 1 : 12 ) ولدى اقتراب الخطر ( أش 4 : 16 ) هذا عدا أصوام فردية كصوم داود عندما مرض أبنه ( 2 صم 13 : 16 ) وفي أحوال أخرى لإذلال نفسه ( مز 35 : 13 ) و ( 109 : 24 ) وكصوم دانيال ( دا 9 : 3 ) ونحميا ( 1 : 4 ) .

وكيف لا تقدس ديانة اليهود وقد جاءت شريعتهم على يد موسى النبي بعدما صام أربعين يوماً و أربعين ليلة .

وكذا شريعة العهد الجديد وكنيسة المسيح ترى الصوم فيها الكل وفي الكل وكيف لا يكون الصوم كذلك وقد أفتتح السيد المسيح عمله على الأرض بالصوم أربعين يوماً و أربعين ليلة كما صام قبله قديماً موسى و إيليا .

وقد أعتبر صوم السيد المسيح له المجد تقديساً للصوم فتابعه الرسل لا سيما وأن السيد المسيح كان قد قال لهم عندما سألوه لماذا لم نستطع نحن ان نخرج الشيطان من هذا الولد ؟ أجابهم السيد المسيح قائلاً ” إن هذا الجنس لا يخرج إلا بالصوم و الصلاة ” فكانت كل خدمتهم بعد صعود السيد المسيح له المجد مقرونة بالصوم حسب قول سيدهم ” عندما يرفع العريس عنهم فحينئذ يصومون ” وسفر الأعمال عامر بذكر الصوم فقد جاء في الإصحاح ( 13 : 2 ) قوله ” وبينما هم يخدمون الرب ويصومون قال الروح القدس افرزوا لي برنابا و شاول للعمل الذي دعوتهما إليه ” وفي ( ص 14 : 20 ) يقول ” انتخبا لهم قسوساً في كل كنيسة ثم صليا بأصوام واستودعاهم للرب ”  .

ويقول القديس بولس الرسول : بل في كل شئ نظهر أنفسنا كخدام لله .. في أصوام ( 2 كو 6 5 ) وفي موضع آخر يقول في أصوام كثيرة ( 2 كو 11 : 27 ) .

 

94 مات من الأكل

كثيرون مالوا إلى الشراهة وعبدوا بطونهم فنسوا في سبيل ذلك طريق الله وغضوا نظرهم عن وصاياه ، لأنهم لم يستطيعوا أن يحيوا لبطونهم ولله في وقت واحد ، فعيسو لأجل أكلة واحدة من العدس باع بكوريته ( تك 25 ) ، و أولاد عالي كانوا يأكلون اللحم من الآتين إلى العيد ليقدموا ذبيحة للرب فكانت خطيتهم عظيمة جداً أمام الرب لأنهم استهانوا بالتقدمة وجعلوا الناس يستهينون بها ( 1 صم 2 : 12 17 ) . وبنو إسرائيل لما خرجوا من أرض مصر أخذوا يتذمرون على الرب ويقولون لموسى و هارون ” ليتنا متنا بيد الرب في أرض مصر إذ كنا جالسين عند قدور اللحم نأكل خبزنا للشبع فأنكما أخرجتمانا إلى هذا الجمهور بالجوع ” ( خر 16 : 9 ) ، وحتى بعد أن أعطاهم الله المن عادوا يتذمرون ويبكون قائلين ” من يطعمنا لحماً . قد تذكرنا السمك الذي كنا نأكله مجاناً في مصر و القثاء و البطيخ و الكراث و البصل و الثوم و الآن قد يبست أنفسنا و ليس شئ غير أن أعيننا إلى هذا المن ” ( عد 11 : 6 ) حتى أن تذمرهم وشراهتهم جلبا عليهما غضب الله، فأنه لما أرسل إليهم السلوى أخذوا يجمعون منها ويأكلون بشراهة ” وإذ كان اللحم بعد في أسنانهم قبل أن ينقطع حمى غضب الرب على الشعب وضرب الرب الشعب ضربة عظيمة جداً ” ( عد 11 : 23 ) .

لقد ورد أن سكياموني ” بوذا ” الذي يتعبد له فريق كبير من الهنود مات بسبب تناوله أكلة كبيرة من لحم الخنزير و الأرز، وهكذا الشراهة كثيراً ما تتخم أصحابها وتقتلهم ، لذلك يقول أبن سيراخ ” لا تشره إلى كل لذة ولا تنصب على الأطعمة فإن كثرة الأكل تهيض الأكل والشره يبلغ إلى المغص. كثيرون هلكوا من الشره أما القنوع فيزداد حياة”(سيراخ37: 32-34).

ماذا يظن هؤلاء الشرهون النهمون ؟ أيسمنون جسومهم ويقوون أبدانهم ليقدموها ولائم فاخرة للدود و الحشرات التي سوف تأكلها بعد قليل ؟ هل يخافون أن يضعفوا إذ هم أكلوا باعتدال ؟ هوذا الرسول يقول ” إن أكلنا لا نزيد و إن لم نأكل لا ننقص ” ( 1 كو 8 : 8 ) .

فما اجمل أن ننزه أنفسنا عن تلك الصفة القبيحة ونجل شعارنا دائماً قول سليمان ” لا تعطني فقراً و لا غنى . أطعمني خبز فريضتي ” ( أم 10 : 18 ) وقل مخلصنا الصالح ” خبزنا كفافنا أعطنا اليوم ” ( مت 6 : 11 ) . ولنذكر أن القاعدة الصحيحة في كل شئ هي الاعتدال أي عدم التفريط أو الإفراط فلا يسوغ أن يحرم أحد جسده من الأكل حتى أن يضعف . أو يتخمه حتى يمرض .

 

95 القداسة الحقيقية و القداسة المزيفة :

إن القداسة الحقيقية و التظاهر نقيضان لأن الغرض من الصوم كما قلنا هو محاربة الميول الفاسدة فكيف يتخذون من الصوم الذي جعل لمحاربة هذه الميول فرصة للتظاهر بالقداسة وطلب المديح من الناس وجعل الصوم فناً من فنون الخديعة.

إن القداسة تنموا فقط في جو الإحساس السائد و الاعتقاد الراسخ في أن كل قداسة بشرية مستمدة من قداسة الله ولذلك قال السيد المسيح : لكي لا تظهر للناس صائماً بل لأبيك الذي في الخفاء ” فأبوك الذي يرى في الخفاء يجازيك علانية ” .

قال أحد الأتقياء : ” إن الصوم ينبغي أن يظهرك ولكن لا ينبغي لك أن تظهر صومك ” وقال آخر ” لنحتفظ بصومنا في داخلنا إلى أن نكون في السماء على انفراد وحينئذ نلقي أمام عرش الرحمة كل حزن و خزي وخطيئة ” .

إن المؤمن الشاعر بحرج الموقف الروحي و الجاد في طريق النصر الحقيقي لا يهتم مطلقاً بالمظهر الخارجي بل كل قلبه يتجه إلى التوبة الصادقة لأن الموقف يستلزم البعد عن فنون الخديعة و التظاهر . فداود النبي إذ رأي نفسه أمام خطر كبير وعدو جبار كجليات لم يبال بمظاهر الحرب ولا أهتم بملابس الحرب الرسمية ذات الدروع و الجلال بل عمد إلى مقلاعه الحقير وراح يبطش بعد شعبه وبني جنسه .

ليس للمسيحي أن يظهر صومه لا بالكلام ولا بالإشارة ولكن إذا ما أعلن الصوم ذاته في ضوء حياة الصائم فالصائم غير مسئول عن هذا الظهور بل يكون ظهوراً حسب الوعد القائل “وأبوك السماوي يجازيك علانية ” و الصائم في هذه الحالة يكون آخر من يعلم بهذا الظهور.

وقد يساعد الإنسان أخاه على تهذيب النفس بواسطة القدوة ولكن ليس الإنسان مكلفاً أن يرى أخاه عملية تهذيب النفس لئلا تفسد عملية التهذيب فالنبات ينمو في التربة و الظلام فإذا ما تعرضت جذوره للظهور على السطح انكشفت كان تعرضها خطراً على حياة النبات .

إن الصوم جعل لضبط النفس كما أسلفنا القول فرغبتنا في إظهار صومنا للآخرين فشل لضبط النفس .

وقد جعل الصوم لإذلال النفس فكيف نعمل بالصوم على الحصول على رفع أنفسنا في نظر الناس و نيل مديحهم ؟ إن هذا الصنيع من شأنه أن يحول كبرياء الجسد إلى كبرياء القلب وهذا أكثر تدنيساً للحياة البشرية .

 

إن الصوم يجب أن يكون لله لا للبشر وقد عاتب الله اليهود بلسان ذكريا قائلاً ” هذه السبعين سنة فهل صمتم صوماً لي أنا ” ( زك 7 : 5 ) و القاعدة المسيحية هي أن ” نعيش للرب ” لأن شأننا معه هو فقط . وهو له المجد خفي عن العالم فيقابلنا في خفية عن العالم ويجازينا علانية .

 

96 الصوم و الطوائف التي تنكره

لقد شهد للصوم الطوائف الأخرى اعتبروه من الوسائل الضرورية للخلاص ورضى الله فقال لوثر ” إنه من الواجب ممارسة الصوم قبل الأعياد السيدية ” وقال كالفن : ” حتم الصوم على المسيحيين كافة ، و لا سيما عند انتخاب الرعاة ، و في الحوادث العظيمة وعند اشتداد الأزمات و وقوع الملمات مثل الحروب و الأوبئة و المجاعات ، و قال ” إن الصوم فرض إلهي مقدس يقمع شهوة الجسد و يحض على الصلاة و يدل على الصلاة ويدل على أتضاع الإنسان أمام الله ” .

وقال أيضاً : إذا امتلأت البطون ابتعدت النفوس عن الله .

وجاء في كتاب كشف الظلام في حقيقة الصلاة و الصيام المطبوع في بيروت سنة1856 وهو بروتستانتي ما نصه : ” إنه لا يجوز للمسيحي أن يتغافل عن حقيقة الصيام ووجوبه لأن استعماله اللائق هو جملة الوسائط بقهر الخطية وللنمو في النعمة و القداسة ، و أن الإنسان الذي يطالع الكتب المقدسة بفكر خال من الغرض لا يستطيع أن ينكر ممارسة الصوم ، و إننا نخشى أن كثيرين من المسيحيين الحقيقيين يتغافلون عنه كلية وبذلك لا يفقدون منافعه في أنفسهم فقط ، بل يجعلون عليهم سبباً للتهمة من أخصام الإيمان الصحيح في أنهم يتبعون ديانة تعطيهم رخصة واسعة للتمتع بما تشتهيه أجسادهم . وربما كان السبب لتركه عند البعض الكسل الروحي ومحبة الراحة .

وأما عند الكثيرين فهو لأنهم لم يحصل لهم تعليم كاف و إنذار من هذا القبيل ولا يرون الصوم من واجباتهم ولا يعرفون كم من الفوائد الناتجة من استعماله .

و الصوم مما يقتضيه كلام السيد المسيح عن الواجبات الدينية التي تختص بعبادة الله ، حتى أن الإنسان إذا مارسه بالاستخفاف سواء كان جاهلاً حقيقته ومعاناة أم قاصداً التظاهر فأنه قد أتى إهانة باهظة في حق الله .

وكثيراً جداً هي شهادات الأشخاص و الكتب التي ينكر اتباعها الآن الصوم مثل كتاب تاريخ كنيسة المسيح وكتابه ربحانة النفوس ووليم أدي الأمريكي وغيره شهدوا عن حقيقة الصوم وأنه من واجب الواجبات الدينية على كل مسيحي .

وأختتم هذه الشهادات بما قالته دائرة المعارف الفرنسية : لا طهر بغير صوم ولا صوم إلا إذا كان متبوعاً بجميع الكمالات الأدبية . لأن الصوم ينبوع القداسة تتضمن تلك الكمالات كلها .

 

97- الصوم و حشو البطون

هناك قوم يصومون و يتذللون و كأنهم يندمون علي تذلل أجسامهم طول اليوم فيفتحون بطونهم آخر النهار لالتهام الأطعمة الشهية معطين الجسد لذته ، يمسكون الجسد بحبل الصوم نهاراً و يطلقونه ليلاً علي كل شهي و لذيذ من الأطعمة و هذا الصوم بمثابة كأس او كأسين من الخمر لفتح الشهية لأنهم يصومون ليجوعوا ليستطيعوا أن يأكلوا بشهية ما تشتهيه أنفسهم و قد قيل “حلاوة المأكول جع و كل”

 

98- باقة من القديسين

جاء في تاريخ الكنيسة ان القديس أغاثو العمودي ازداد في النسك حتى أن حياته كانت سلسلة من الصوم و الصلاة ، و لم يكن ينام إلا علي الأرض حتى لصق جلده بعظمه ، وعن الأنبا فريج (رويس) أنه لما حدثت ضائقة علي النصارى جاء إلي مصر ينتقل من مدينة إلي مدينة ، و لم يكن له بيت يأويه و كان لا يعرف إلا الصلاة و النوح و لم يلبس إلا خرقاً يستر بها جسمه و لم يكن يتكلم إلا نادراً ، و عن القديس إبراهيم المتوحد انه قضى ستة عشر سنة لا يأكل في كل يوم إلا ربع قدح من الفول المبلول المملح في الماء . و كان يكسو جسمه بقطع من الخيش ، و عن القديس إيلاريون انه كان ينقطع عن الأكل أسبوعاً كاملاً يأكل بعده قليلاً من الحشائش و البقول ، و عن أنبا بولا السائح انه قضى سبعين سنة في البرية يتناول ثمر النخل و كان لباسه ثوباً من الخوص .

و يعوزنا الوقت لو سردنا كل القديسين الذين قضوا حياتهم في زهد و تقشف أمثال مار أنطونيوس و باخوميوس و مكاريوس و غيرهم ، و لو وصفنا عيشة النسك الزائد التي عاشوها سواء كان في طعامهم او شرابهم أو لباسهم او مسكنهم .. البعض لم يعيشوا إلا علي تناول النباتات ، و البعض لم يشرب في كل أربع و عشرين ساعة إلا كاس ماء واحد ، و البعض ذلل جسمه بلبس الليف و الثياب الوضيعة و بهذا كله انتصروا علي الجسد الجبار .

 

99- الصوم و أقوال القديسين

تذكر فيما يلي القليل من أقوال القديسين عن الصوم :

يقول مار أسحق : ” مائدة الإنسان الذي يداوم الصوم هي أحلى من كل عطر المسك و أزكى من أريج الزهر . خذ لنفسك شفاء لحياتك من علي مائدة الصوامين السهاري أولئك العاملين في الرب” .

بين هؤلاء يتكئ الحبيب و يقدسهم محولاً مرارة ريقهم إلي حلاوة تفوق حد التعبير ، ويجعل السمائيين يعززونهم و يقوونهم . إني أعرف أحد الأخوة رأي ذلك ظاهراً بعينيه .

و يقول مار أسحق أيضاً : ” حينما ينحط الجسد بالأصوام و الإماتة تتشدد النفس روحياً في الصلاة ، لأن الجوع اكبر معين علي تهذيب الحواس ، و في بطن امتلأ بالأطعمة لن يوجد مكان لمعرفة أسرار الله ” .

الصوم هو بداءة طريق الله المقدس . و هو صديق ملازم لكل الفضائل .

الصوم تقديم كل الفضائل ، بداية المعركة ، تاج النصرانية ، جمال البتولية ، حفظ العفة ، أبو الصلاة ، نبع الهدوء ، معلم السكوت ، بشير الخيرات . بمجرد أن يبدأ الإنسان بالصوم يتشوق العقل لعشرة الله . إن كان معطي الناموس المسيح- قد صام بنفسه فكيف لا نصوم نحن الذين وضع الناموس من أجلنا .

و يقول أيضاً : ” الذي يصوم عن الغذاء و لا يصوم قلبه عن الحنق و الحقد و لسانه ينطق بالأباطيل فصومه باطل . لأن صوم اللسان أخير من صوم الفم و صوم القلب أخير من الاثنين .

و يقول الأب يوحنا : ” تأكد تماماً أن العدو يهاجم القلب عن طريق امتلاء البطن ” .

و يقول القديس يوحنا كاسيان : ” إنه امر عجيب فبينما نهمتم بصحتنا و نكثر من اعتنائنا بأنفسنا و من تناول الطعام الشهي المفيد للصحة و نختار الشراب الصافي و نتنزه في الهواء الطلق ، نجد أنفسنا في النهاية معرضين للأمراض و الأوجاع مع أن القديسين الذين احتقروا أجسادهم و أماتوها بالعمل و الصوم و الصلاة الدائمة اكثر صحة و سلامة .

و بينما أجسادنا المعتنى بها تفسد و تنتن و تنبعث منها رائحة كريهة بعد الوفاة ، إذ بأجساد القديسين المهملة عندهم و المزدرى بها جداً تبقى عطرة و تفوح  منها روائح ذكية حتى بعد الوفاة .

إنه أمر عجيب جداً ، إذ بينما نظهر كأننا نبني ، نهدم دون أن ندري ، و بينما يهدمون نجدهم بالعقل يبنون ، ” من وجد حياته يضيعها و من أضاع حياته من أجلي يجدها ” (مت10: 39).

لقد جرب آباؤنا الصوم كل يوم نافع و موافق لنقاوة النفس ، و نهونا عن امتلاء البطن من أي طعام كان ، حتى و من الخبز البسيط و من الماء أيضاً .

ويقول القديس أوغسطينوس :

” كما ان الهيكل الذي بناه سليمان أقام فيه مذبحين أحدهما من خارج و الآخر من داخل ، هكذا يلزم الإنسان الذي هو هيكل للروح  القدس أن يكون فيه مذبحان ، الواحد داخلي و هو القلب حيث يقدم عليه بخور الصلاة و عطرها . و الآخر خارجي حيث يقدم عليه الجسد كذبيحة بواسطة الصوم و صنوف التقشف و النسك “.

و يقول القديس يوحنا التبايسي :

” صوم الجسد هو الجوع من الغذاء ، البعد عن المأكولات ، النسك من الدسم ، و صوم النفس هو ان يجوع الإنسان و يعطش للبر ، و  يصوم عن التدابير الرديئة ، و عن الاهتمام بها و عن ذكر الرذائل “.

و يقول القديس يوحنا ذهبي الفم :

” أي برهان يدلنا علي محبة الصوم لجنسنا ، كيف انه يحارب عنا أعدائنا و ينقذنا من أسرهم و يوصلنا إلي حريتنا الأصلية “.

و يقول القديس باسيليوس :

” إن الصوم الحقيقي هو سجن الرذائل ، أعنى ضبط اللسان ، و إمساك الغضب ، و قهر الشهوات الدنسة “.

 

100-  الصوم الباطل

هو الصوم الشكلي الذي يقتصر علي مجرد الامتناع عن الطعام دون ان ترافقه صلاة او إحسان .. هذا صوم ليس فيه شئ ديني و يعد عملاً باطلاً و انه لمن الضلال و الغرور أن يعتبر الناس الصوم كمجرد ممارسة تقوية ليس من الضروري أن ترافقه صلاة او إحسان ، فهذا فخ لا صوم لأنه يشجع الناس علي ان يجعلوا ديانتهم شكلية و تصبح عباداتهم ومظاهر دينهم حركات ميكانيكية .

و إذا كان الصوم المجرد عن فعل الخير غير مقبول و يعتبر شركاً وخداعاً للصائمين فكم يكون الحال لو كان الصوم كما يقول أشعياء النبي : ” ها إنكم للخصومة و النزاع تصومون و لتضربوا بلكمة الشر ” (إش  58: 4) . و ربما كان ماثلاً أمام أشعياء عندما قال هذا ، تلك الصورة المرذولة لذلك الصوم المرذول الذي أوعزت به إيزابيل الملكة زوجة آخاب الملك لكي تسلب كرم نابوت اليزرعيلي إذ كتبت رسائل باسم آخاب و ختمتها بخاتمه و أرسلت الرسائل إلي الشيوخ و الأشراف الذين في مدينته الساكنين مع نابوت . و كتبت الرسائل تقول نادوا بصوم و اجلسوا نابوت في رأس الشعب و اجلسوا رجلين من بني بليعال تجاهه ليشهدا قائلين لقد جدفت علي الله و علي الملك ثم أخرجوه و ارجموه فيموت ، ففعل رجال مدينته و الشيوخ و الأشراف الساكنون في مدينته كما ارسلت إليهم إيزابيل (1مل21: 8 11 ) .

و لا يزال إلي هذا اليوم يوجد قوم يجعلون الصوم سبباً لضيق الصدر و النزاع و الخصومة و كان خيراً لهم ان لا يصوموا من ان يصوموا ليتنازعوا و ليكون الصوم لهم فرصة للنزاع و الخصومات و ليضربوا بلكمة الشر .

يصومون عن الكل و يأكلون بعضهم بعضاً .

يمسكون عن الطعام و في نفس الوقت يمسكون بأيديهم و أسنانهم الحقد و النزاع يمتنعون عن أكل الطعام و ينهشون بعضهم بعضاً !

إن المبدأ المقرر هو انه إذا كان الإنسان علي وفاق مع الله كان علي وفاق مع إخوانه البشر لأنه كما يقول الرسول : ” من يحب الوالد يحب المولود منه ” .

و إذا كان الإنسان في صومه لا يحتمل إخوانه و لا يستطيع أن يغفر غلطاتهم فكيف يستطيع أن يكون في حالة أدبية يستطيع معها ان ينال من الله غفراناً لخطاياه .

و إذا كان الإنسان قاسياً مغتصباً صارماً في معاملاته مع زملائه البشر فكيف يخدع نفسه ويتذلل بالصوم و ينتظر من وراء صومه رحمة الله وغفرانه له . لأن الله لا ينظر إلي سحنته الحزينة و لا صومه و لا ادعاءه .

 

101- إني أعترض

البعض يحتجون ببعض أقوال من الكتاب المقدس مثل قول السيد المسيح ” ليس ما يدخل الفم ينجس الإنسان بل ما يخرج من الفم هذا ينجس الإنسان ” (مت 15: 11) ، و لكننا نجيبهم بأن السيد المسيح قال هذه الكلمة ليس عن الصوم بل رداً علي الفريسيين الذين كانوا يعتبرون الأكل بدون غسل الأيدي نجساً . خصوصاً و نحن لا نعتبر اللحوم و غيرها من الأطعمة نجسة ، لأننا نعتقد بان كل خليقة الله طاهرة و الدليل علي ذلك أننا نتناولها في أيام الفطر . و أما امتناعنا عنها في أوقات مخصوصة فلمجرد الزهد و تذليل الجسد .

كذلك يلفتون نظرنا إلي قول الرسول : ” و أما الضعيف فيأكل بقولاً ” (رو14: 1) و غلي قوله ” فلا يحكم عليكم أحد في أكل أو شرب ” ( 1كو 2: 16) و نجيبهم بأن هذه الكلمة موجهة إلي المؤمنين الذين كانوا مرتبكين  في أمر الطعام لأنهم عرفوا ان الشريعة اليهودية حرمت كثيراً من أنواع الحيوانات و الطيور . فلرغبتهم فغي السير بموجب هذه الشريعة وخوفهم من تناول بعض أنواع ربما تكون محرمة امتنعوا عن أكل اللحوم كلية . و لكن الرسول كتب إليهم يعلمهم أنهم في إمكانهم أن يتناولوا كل شئ ، أما إذا كانوا متشككين فليأكلوا بقولاً .

و يعترضون أيضاً بما جاء في الرسالة الأولى إلي تيموثاوس ” و لكن الروح يقول صريحاً انه في الأزمنة الخيرة يرتد قوم عن الإيمان . تابعين أرواحاً مضلة … مانعين عن الزواج و آمرين أن يمتنعوا عن أطعمة قد خلقها الله لتتناول بشكر . لأن كل خليقة الله جيدة” (1تي4: 1 4 ) و نجيبهم أيضاً بان الرسول يشير إلي بدعة ماني و غيره م الهراطقة الذين علموا الناس ان أكل اللحوم و الزواج أمران نجسان و لكن الرسول في هذا القول يحذرنا من مثل هذا التعليم المضل .

 

102- لا تستمع لذوي الأهواء و الأغراض

نظام الكنيسة القبطية في الصوم نظام حكيم جداً لأنه يجعل لنا فرصاً في أوقات متفرقة ومنظمة لكي نصوم و نروض أرواحنا ، فيجب أن نخضع لنظام الكنيسة لأن المسيح أمرنا بذلك ” من يسمع منكم يسمع مني ” (لو 10 :16) ، فاخضعوا لكل ترتيب بشري من اجل الرب ” (1 بط 2: 13) ، و إن لم يسمع من الكنيسة فليكن عندك كالوثني و العشار ” (مت18 : 17) . و لا ينبغي أن نستمع لذوي الأهواء و الأغراض الذين يحاولون صرفنا عن ركن هو من أهم أركان العبادة و الحياة الفاضلة .

 

103- هكذا ينبغي أن نصوم

و الآن هيا بنا نصوم .. لا عن تعود و لكن عن تشوق .. لا خوفاً من شئ و لكن حباً لما نكتسبه من نمو .. لا لنشارك محبي الله فيما يفعلون و لكن لنختبر حلاوة الصوم و ما فيه من جمال يفوق الوصف .. و لنترك ما فات و نبدأ بداية جديدة تردد فيها مع أحد القديسين “هلم يا نفسي في هذه السنة نتقن الصوم ، و لنجاهد حتى أخفى صومي و لا اترك أميالي الباطلة تظهر صومي أمام الناس ، و إن ظهرت مظاهر هذا الصوم أمام الناس فلأسعى لإخفائها سريعاً . هذا ليس رياء .. لأنني أحاول أن أخفي علاقة سرية لا تحتاج إلي الإعلان او الضجيج ، أما الرياء الذي ينبغي أن أحذره فهو أن أظهر نفسي صائماً بلياقة أمام الناس. سأشعر بفائدة الصوم لنفسي و بمدى النمو الذي حدث في حياتي الروحية و إلا فإن لم أشعر بذلك تكون نعمة الله لم تعمل معي بعد .. و لكن حينما أشعر بذلك لا ينبغي أن أفتخر أمام الناس بهذا بل عليّ أن أفحص ذاتي لأقرر أنني قصرت كثيراً و كان يمكنني أن أنمو أكثر مما نموت .. و هذا يدفعني للتطلع إلي النمو و الجهاد في حياة الصوم ” .

علمني يا رب حياة التواضع في الصوم .. علمني كيف أسعى لتمجيد اسمك في حياتي .. وانزع مني كل ميل باطل .. و علي رأس هذه الميول الباطلة ذلك الميل الذي يدفعني للافتخار بين الناس بصومي .. ليكن صومي في الخفاء .. بلا ضجيج .. وبلا إعلان .. وعندئذ فإنك أنت يا من ترى في الخفاء سوف تجازيني علانية .. فيكون ذلك مدعاة لتمجيد اسمك القدوس.